بقلم حسني الزغدودي
بين الابتهالات و الاصابات و الضربات الهجومية القاتلة لكاين و لوكاكو و مزحة شوط سارنسك الاول ضد بنما.. ضاع منتخب النسور و تحول حلم المونديال الى”كابوس صيفي طارد شعب تونس العظيم”.
ضاع التقدير و ساء التدبير و انهار المنتخب, و لم يتجاوزه في سباق جائزة الدفاع الاضعف سوى المنتخب المغمور لجهة البحر الكارييبي بنما.
امكانياتنا معروفة و حدودنا الكروية كذلك. ذهبنا الى مدينة فولغاغراد لملاقاة الانجليز, و نحن بلا انتصار في اخر 11 مباراة مونديالية (بين الارجنتين 78 و المانيا 2006), لكن ان نكون بذلك الشكل المتواضع.. بمنتخب بلا هوية و “نتبهذل” كما حدث في تلك الربع ساعة الاولى المخجلة ضد الانجليز , او خلال “الكارثية” امام بلجيكا , او اثر النصف الاول من مباراة الضعيف و الاضعف (بنما), فذلك ما لم يكن في الحسبان.
عودة الى الوراء بعض الشىء..لتشخيص المصاب بلا مزايدات و لا مجاملات:
لعنة الاصابات..
سلسلة اصابات لحقت بهذا المنتخب بين شهري مارس و جوان..قبل و اثناء المونديال .من يوسف (المساكني) الى فاروق (بن مصطفي ) و بينهما معلول و بن عمر ,و اربع حالات كاملة في شوط ثان ” كارثي” امام بلجيكا ( صيام و براون و الخاوي و النقاز ), و حارسي مرمى خارج الخدمة: الاول بعد ربع ساعة مونديال , و الثاني بمفرده خلال التمرين بعدما شارك في مباراة و نصف.
عامة هو انهيار بدني غير مسبوق بعد 180 دقيقة مونديال فقط, شاهده الاعمى قبل المبصر.. بقطع النظر عن بعض الحالات التى حتمها القدر (خروج مفصل الكتف لمعز حسن او المتقاطعة ليوسف)
تونس و مونديال العجائب.. فواجهنا بنما بحارس واحد.. على ورقة المباراة , و بهاجس”سيناريو حسان القابسي في المرمى” (الترجي ذات يوم في نهائي ابطال افريقيا)
و هنا تساؤل لا مفر منه: “في اي حالة لياقية بدنية ذهب لاعبو القائمة الى كاس العالم؟”, و الى اي مدى طبقت و نجحت مرحلة الاعداد البدني الاساسي لما قبل البطولة.. و لولا معرفتي الشخصية بكفاءة الهرقلي و الجبابلي في طاقم الاعداد البدني لقلت كلاما اخرا..
القائمة.. بلا مهاجمين..
اصابات و ايضا قائمة لاتخلو من تساؤلات..كتلك المتعلقة بازمة المهاجمين فيها ؟. تجاهل لافضل هداف في الدوري البلجيكي حمدي الحرباوي, الذي يبدو انه كان ضحية “فيتو” او عدم قبول من لاعب مؤثر في اختيارات المنتخب..؟ الم نكن في حاجة لضلع او لضلعين من هذا المثلث الحرباوي- العكايشي – لعريبي (الاخير لاعب تونسي-ايطالي تحصل على جائزة الافضل في بطولة الدرجة الثانية الايطالية مع تشيزينا)
و اسئلة اضافية على صعيد توظيف اللاعبين: فاين بن عمر و الصرارفي و حتى البدري من رحلة المونديال؟ فهل تم فعلا اصطحاب انيس البدري في رحلة روسيا ؟ لانني”لم اراه هناك”, بينما كان اللاعب التونسي الاكثر جاهزية و توهجا في فترة ما قبل الحدث.
و “كارثة الجهة اليسرى” ليست في حاجة “لفيلسوف كروي”. و عرفت تونسيا ب”بعلة علي معلول” الذي نرى في اشراكه, رغم استمرار اخطاءه, تعنتا حطم مسيرته كنجم في الاهلي المصري و المنتخب..
امكانياتنا معروفة و مازاد عن ذلك هو بيع للاوهام ,او في افضل الحالات سوء تصرف..مثل ذلك التصريح عن “التاهل الى ربع النهائي”, بينما نتواجد على بعد سنوات ضوئية من مستوى انجلترا و بلجيكا..و هي نفس مسافة السنوات الضؤية الفاصلة بين”رابطة الانحراف الاولي” و “رابطة البريميارليغ “, او الدوري الذي منه تاتي جل عناصر المنتخبين الانجليزي و البلجيكي.
نعم.. لم نكن في حاجة الى رفع سقف الطموحات و مصرح به في الاعلام بتلك الطريقة. لقد غاب التوازن و التواضع و التركيز.. فباغتتنا الهزائم و الانكسارات..
و على ذكر الاعلام , كثرة الظهور فيه يفقدك اصل الامور.. و الاصل كان “هذه المرة” التدريب في مونديال و ليس التحليل امام الميكروفونات.. اصل الامور هو العمل بلا هوادة على التفاصيل داخل المنتخب ( الكرات الثابتة..القائم الثاني ضد انجلترا و هاري كاين..) و ليس التحليل على شاشات التلفزيون.. صباحا مساءا و يوم الاحد..
شرخ و نقطة اللاعودة..
شعب انتظر المونديال بفارغ الصبر منذ اثني عشر عاما و منتخب وصل اليه..ليمر بجانبه مرور الكرام. لكن الاخطر هو ان المشاركة احدثت شرخا داخل المجتمع و الشارع التونسي.
شرخ تعمق بين مدافع ,و اخر منتقد لخيارات المدرب الوطني,لتصل حملة المشككين الى مستويات شتم و سب و سخرية غير مسبوقة.. انتبه اليها المدرب من موسكو.. فاجاب بتصريحات مستفزة و اطلالات تلفزية بعد الهزائم مهددا متوعدا ..عوض التركيز على ما هو اهم.
في هذه الاونة تحديدا, تازمت العلاقة بين”المدرب المؤمن” و “الراي العام الرياضي” (و جانب كبير من الاعلام) الى حدود نقطة اللا عودة.
شرخ بين “ال معلول” و جماعة “اعلان الحرب على معلول”.صورة في غاية القتامة كان عليها التونسيون في هذا المحفل العالمي انطلاقا من الملعب, وصولا الى صفحات التواصل الاجتماعي و الجرائد و منابر التلفزيون ..صورة جعلتنا نصل في انتقاد بعضنا البعض الى القاع..و دليلنا البسيط في ذلك قنوات اذاعية مجدت (بمبدا الولاءات و العلاقات) ,ثم انتقدت, ثم اعدت الاغنيات الساخرة (عن المنتخب).. ثم قاطعها اللاعبون خلال حصة تدريب تحولت مسرحية مسيئة لسمعة البلاد و العباد.
فاتحة, ابتهالات , استخارة و اشياء اخرى..
بعيدا عن اي مزايدات حول الانتماء و الوطنية و اصول الدين..فهل كان هذا المنتخب.. في حاجة للتظاهر بالطقوس الدينية امام الكاميرات في حجرات الملابس و على متن الطائرات ؟ و “فاتحة” شغلت التونسيببن.. و هي قبل كل شئ علاج روحي و ليس عضوي.
تذكير في هذا السياق بان الدين الحنيف يحتوي دعوة الى العمل (الكل انحبو كلام ربي ..اما زادا ربي يحب العمل) أ و ليس العمل عبادة ؟
بين حرب الولاءات و الطاعة ,و خطر التظاهر بالتدين ليصبح هاجسا جماعيا شبه مفروض..ضاع الاصل و الاهم لدى منتخب..يبدو انه ليس في معزل عن اشكاليات البلاد.. حيث النفاق سيد التعاملات.
اجواء عقائدية مستفيضة عند التحضير للمونديال و خلاله ..و جدل عقيم يغلق بالقول بان انعدام الثقة في النفس يدفع الى التواكل و طلب المعجزات.
ايضا ,هل كنا في حاجة الى كل ذلك التمجيد و التطبيل بحصولنا لمدة شهر من الزمن على المرتبة 14 في تصنيف الفيفا للمنتخبات ؟ لانه تصنيف شكلي..لم ولن يؤثر ابدا في سير البطولات و موازين القوى فيها.
و لو اعتمدنا منطق المهللين لاعتبرنا ان المنتخب هو افضل من المكسيك و الاوروغواي و هولندا و ايطاليا.. بما ان جميعهم.. يتخلف ورائنا في ذلك التصنيف الشهري الخاص بشهر افريل
وديات خادعة و زمن التمجيد..
و في سياق متصل , منذ متى اصبح التعادل ضد تركيا او “برتغال بلا رونالدو” او حتى الفوز على كوستاريكا و ايران.. مقياسا لجاهزية منتخب من عدمها..وهل نستنتج في عالم المستديرة هكذا بانفعالية وإثر وديات مختلفة في كل شئ عن “مباريات مونديال”
ثمانية اهداف مقبولة في ثلاث مباريات, جاء الكثير منها اثر هفوات دفاعية بدائية لا تغتفر.. اصابات غير مسبوقة في تنوعها و كثرتها.. منتخب بلا قدرة على امتلاك الكورة و الحفاظ عليها لاربع او خمس تمريرات مسترسلة و بلا قدرة فعلية على الهجوم.
لم نعرف كيف ندافع ( مباراة انجلترا نموذجا)..لكن المصيبة هي اننا لم نعرف ايضا كيف نهاجم (مباراة بلجيكا, التى اثرها, اعترف المدرب بنفسه بانه اخطئ التقدير بفتح المساحات بين الخطوط بذلك الاسلوب)
منتخب بعلل لا تحصى و لا تعد.. وصل به الحال الى التضحية بمهاجمين اثنين(الروج و البدري) لتادية ادوار دفاعية بطريقة غريبة و في مباراة مخجلة ( اداءا) امام الانجليز..
المحصلة بلا مجاملات: رفضنا اللعب ..او بالاحرى لم نكن قادرين على صنعه .كنا صفر في حدث عالمي بامتياز. ورجاءا لا تحدثوننا عن النقاط الثلاث..و الاهداف الخمسة.. و انتصار الاربعين عاما التاريخي..فقليل من الحياء, لانه استخفاف بعقل المتابعين..و استخفاف بتاريخ تونس الرياضي..فهل ذهبنا الى روسيا لكي نهزم بنما ؟
كنا مخيبين للامال و اضعنا فرصة تاكيد “الاستثناء التونسي” عبر كرة القدم. اهدرنا من جديد فرصة كتابة التاريخ.. تونس” الكروية بامتياز” (من الطاهر الشايبي الى طارق ذباب , و بينهما الواعر و السليمي)..تونس انضمت في هذا المونديال الى ما سمي بالرباعي العربي الاكثر فشلا في تاريخ النهائيات العالمية.
المنتخب امانة ,و ليس تشريف.. و المنتخب استحقاق و ليست اماكن تمنح بالمحاباة..و هنا كلامي موجه مباشرة الى الادارة الرياضية و التسييرية للاتحاد التونسي, فهي من اختارت و هي من تتحمل المسؤولية.
الان حقيقة واحدة :فشلنا ..و وجب ان نعلم بان ثمن الفشل اغلى بكثير من ثمن النجاح. مونديال روسيا 2018.. وجدنا فيه جماهير من ذهب ..في انتظار ان نجد منتخب.
جماهير تحولت بالالاف و انصفتها “صور الساحة الحمراء”, لكن خذلها ” المدرب المؤمن”..شكر الله سعيكم.
*إعلامي و معلّق رياضي و مقدّم البرامج الرّياضيّة في التلفزة الوطنية سابقا و في قناة دبي الرياضية حاليا
شارك رأيك