بقلم أحمد الحباسي
إن العملية الإرهابية التي نفذت أمس الأحد 8 جوان بعين سلطان، بغار الدماء (جندوبة) لا تعدو أن تكون نتيجة غير مباشرة لمجموعة من الإخفاقات السياسية والإقتصادية والأمنية تتحمل مسؤوليتها الطبقة السياسية الوطنية بكل أطيافها.
أعلنت كتيبة عقبة ابن نافع الإرهابية مسؤوليتها عن العملية القذرة التي استهدفت أبناء الوطن من أعوان الأمن 2018 في ولاية جندوبة، قريبا من الحدود التونسية الجزائرية.
بطبيعة الحال كان الأمر متوقعا ولم يكن هناك انتظار لمثل هذه المعلومة ولا لمعرفة الجهة المنفذة.
لا أحد أيضا في حكومة الحرب كان مهتما لا بعدد الضحايا ولا بالتوقيت ولا بالمضاعفات ولا بمصير عائلات الشهداء، هذا كان واضحا لعموم أبناء الشعب ولذلك شاهدنا و قرأنا حملة واسعة غاضبة غير مسبوقة على مراكز النظام من رئاسة الجمهورية نزولا إلى رئاسة الحكومة مرورا بمجلس نواب الشعب.
مزيد العبث بأمن البلاد
هذه المرة تبين للجميع و لكل ذي عقل وبصيرة إفلاس هذه الحكومة مثل كل سابقاتها وتبين أن حرب الكراسي المشتعلة منذ فترة بين رئيس الحكومة وبين ولد الباجى وهي الحرب التي أرادت حركة النهضة واتحاد الشغل إضافة إلى بعض الدكاكين واللوبيات الأخرى أن تشتعل وتحرق الأخضر واليابس حتى يمكن في نهاية الأمر تمرير الإرهابيين العالقين على الحدود الليبية وفتح الباب على مصراعيه لعتاة المهربين وتوفير الأرضية المناسبة لوكالات المخابرات الأجنبية لمزيد العبث بأمن البلاد.
لا بد اليوم من أن يتحمل كل واحد من المواطنين مسؤوليته التاريخية أمام الله وأمام هؤلاء الشهداء وأن يتم تسمية الأشياء بأسمائها و وضع النقاط على الحروف لأنه في نهاية الأمر لا يهمنا مصير الخونة ولا نربت على أكتاف الفاشلين ولا نغمض أعيننا على مصير وطن يريد بعض اللئام أن يضيع في خضم الصراعات التافهة.
أولا يجب تحميل رئيس الدولة مسؤولية هذه الإغتيالات ويجب المطالبة بكشف حساب لكامل فترته الرئاسية التي لم تخرج من الصفر ويجب أن نعلن لعموم أبناء هذا الشعب أن الرئيس قد نكث كل عهوده الإنتخابية بما فيها إنقاذ البلاد من جرثومة الإرهاب.
و هنا لا بد من تحميل الطاقم الإستشاري الذي يساعده جزءا مهما من هذه المسؤولية لأن هناك تقصيرا فاضحا على مستوى الإتصال وعلى مستوى دفع الرئيس لاتخاذ بعض القرارات الاعتباطية النرجسية التي لا مكان لها في وقت تتعرض فيه البلاد إلى خطر متوحش اسمه الإرهاب.
بين مصلحة الدولة و مصلحة العائلة
هناك شعور لدى العامة بعدم وجود رئاسة وبعدم وجود رئيس بل بعدم وجود من يحكم البلاد بصورة أدق وهذا الأمر ناتج عن قصور الرئيس رغم ما يشاع عنه من حنكة في فهم القضايا الأساسية واتخاذ القرارات الحاسمة السريعة لمعالجتها في الإبان ومن بين هذه القرارات المسارعة في إقالة رئيس الحكومة. بالنتيجة فشل الرئيس في حماية قريبه و فشل في حماية ابنه وتبين أن الرئيس لا تهمه مصلحة الدولة بقدر ما تهمه مصلحة العائلة.
ربما يجب أن نختزل النقد أو الإنتقاد في خصوص رئيس الحكومة، رئيس حكومة الحرب التي لم نر منها سوى الأشباح والشعارات والبطيء المميت والمشي عكس التيار والإيغال في تكليف المواطن زيادات مجحفة طالت كل عناوين الإقتصاد والمعيشة وهي زيادات تؤكد فشل هذه الحكومة الباهتة الفاقدة للدسم في كيفية إيجاد الحلول السريعة المناسبة لقضايا الإقتصاد والتعليم والثقافة والسياحة والأمن ومقاومة الفساد.
يجب أن نختزل النقد أو الإنتقاد لأن رئيس الحكومة و ببساطة ليس رجل المرحلة ورغم عمليات الشفط والتجميل الإعلامية التي تساعده فقد تبينت العورات واتسع الخرق وتعذر الرتق كل ذلك لأن الرجل قد فقد صوابه لما أشاح بوجهه عن مشاكل المواطن ليتعلق بنزوات السلطة المزيفة بحيث لا نال الرجل لا بلح الشام و لا عنب اليمن.
واليوم و بعد هذه الكارثة الإنسانية الدموية كان الأمل أن يعلن استقالته ليؤكد على الأقل مرة واحدة انه رجل دولة و ليس مجرد طامع في كرسي هزاز، لعل السيد يوسف الشاهد لم يسقط من عيون التونسيين اليوم بل سقط يوم قرر إقالة وزير ناجح اسمه ناجى جلول واتبع ذلك القرار التعيس بإقالة وزير الصحة سعيد العايدي وعندما قرر إقالة وزير الداخلية لطفي براهم تيقن الجميع أن الرجل قد فقأ عينه ولم يعد يرى شيئا. اليوم لا يمكن للرجل تحميل المسؤولية السياسية لاغتيال الشهداء إلا لنفسه بالمطلق و بالتحديد.
الدور المشبوه لإتحاد الشغل
لقد لعب اتحاد الشغل طيلة فترة حكم النداء بعد انتخابات 2014 دورا قذرا وكان رقما معطلا للإقتصاد التونسي وسببا من أسباب التوتر والإنقسام الإجتماعي كاد أن يتطور إلى حرب أهلية حين أصرت نقابة مرتزقة التعليم بقيادة المشبوه لسعد اليعقوبى على عدم إرجاع الأعداد وتمرير سنة بيضاء.
يدرك المتابعون أن الإتحاد قد تحول إلى قوة جذب إلى الوراء وأحد العناصر المعطلة ويقول البعض أن حرب الزعامات داخل هذا الهيكل الفاسد هي التي تنعكس على نفسية المواطن المكتوي بنار الأسعار وبفشل حكومة الحرب في التعاطي مع كل الأزمات الاقتصادية كبيرة كانت أم صغيرة.
إن الإضرابات العشوائية قد أضرت بالأمن القومي نتيجة اضطرار وزارة الداخلية إلى استنزاف مخزونها من الأعوان والمراكز والسيارات والأجهزة الأخرى المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومقاومة الجريمة في معالجة هذه الاضطرابات المشبوهة التي يسيرها الإتحاد على كامل مساحة الوطن بصفة دورية ولغايات نرجسية صبيانية تؤكد سوء تقدير القيادة لمصلحة الوطن العليا.
من المثير انه و رغم التسريبات و التصريحات التي تتهم الإتحاد بالفساد المالي فان الحكومة لم تحرك ساكنا بل خضعت إلى كل الضغوط التي طالبتها بإقالة وزراء ناجحين فيها مما يؤكد الدور المشبوه لقيادة الاتحاد التي يرى البعض ضرورة محاسبتها و تحميلها جزءا من مسؤولية الاغتيالات الدموية التي طالت أبناء الوطن منذ ساعات.
نداء تونس، نادي عكاظيات وتهريج سياسي
ربما ظن البعض أن مجيء النداء إلى الساحة السياسية قد كان حدثا مهما في تاريخ الثورة بل في تاريخ الديمقراطية التونسية الناشئة لكن بمجرد نجاح هذه الحزب في انتخابات 2014 تحول إلى نادي عكاظيات وتهريج سياسي ممل، ولعل الرئيس قد لعب دورا سلبيا مقصودا في هذا الصراع بين من يسمون أنفسهم بالمؤسسين، كل ذلك لإعطاء جرعة سياسية يحتاجها ابنه المدلل لنصب نفسه مرشحا محتملا في الانتخابات الرئاسية القادمة سنة 2019.
بطبيعة الحال انعكست حرب شركاء الخراب على مصير الدولة وتحريك دواليبها وباتت تونس معرضة لخطر أمنى متواصل نتيجة تسرب عناصر حركة النهضة إلى دواليب وزارة الداخلية منذ عهد الوزراء السابقين للداخلية على العريض وناجم الغرسلي ولطفي بن جدو بالخصوص.
لعل خروج الخصومة بين رئيس الحكومة والمدير التنفيذي للنداء للعلن قد جعل الكثيرين يدفعون بان هذه الحرب القذرة ستكون لها ارتدادات على الوضع الأمني الداخلي بعد تعرى الجبهة الداخلية وانكشافها وشعور المواطن بالحيرة والارتياب في ظل تصاعد التحديات الاقتصادية التي نجمت عنها زيادات فاحشة في كل الأسعار لذلك يمكن القول أن ابن الرئيس يتحمل قسطا مهما في عملية الاغتيال.
يقول البعض أن حركة النهضة هي المستفيدة الكبرى من مشاكل حزب النداء ويقال أيضا ان الحركة لما خرجت من الباب إثر اعتصام الرحيل قد رجعت من الشباك بمجرد دعوتها الى الحكم من طرف الرئيس الحالي للبلاد.
يقال أيضا أن النهضة تتحرك في كل الاتجاهات لتوفير مساحة جغرافية وزمنية لتمرير قطيع الإرهابيين العائدين من سوريا و العالقين على الحدود الليبية الجزائرية.
يقال أيضا أن الحركة قد مررت كميات هامة من الأسلحة وعددا مهما من هؤلاء العالقين بطرق مختلفة.
يقال كذلك أن الحركة قد دخلت في حالة تشابك مصالح مع حزب محمد المرزوقي ومع بعض كبار المهربين لتمرير الجماعات الإرهابية…
وبتجميع الصورة يمكن الحديث اليوم أن اغتيال شهداء جندوبة هو أول الغيث الإرهابي القادم في هذا الصيف بل يمكن الإستنتاج أن إقالة وزير الداخلية لطفي براهم وإسراع وزير الداخلية بالنيابة غازي الجريبى لتعيين ما لا يقل عن 140 كادر أمنى من الرتب العليا يمثل أكبر خطر تعرض له الأمن القومي التونسي منذ الإستقلال ولعل باكورة هذه التعيينات المريبة قد أطلت في عملية الساعات الأخيرة وهنا نتساءل عن الأسباب التي تدفع لجنة الأمن والدفاع بل مجلس نواب الشعب عن عدم مساءلة وزير الداخلية حول هذه التعيينات المشبوهة ولماذا عين رئيس الحكومة وزيرا للداخلية بالنيابة في منصب حساس وفي ظرف تستعد فيه البلاد لعودة المهاجرين.
نحن إذن أمام أيادي قذرة كانت الأداة التي ساعدت بصورة غير مباشرة على اغتيال شهداء الوطن.
شارك رأيك