بقلم أحمد الحباسي
ما لا يقل عن 18 ألف موظف تم إيقافهم عن العمل في تركيا منذ ساعات على خلفية الأبحاث في عملية الإنقلاب الفاشل والمشبوه الذي حدث منذ سنة ضد سياسة وحكم الرئيس التركي رجب طيب أوردغان.
طبعا هذا العدد المهول يضاف إلى الآلاف الآخرين من المدنيين والعسكريين الذين تم القبض عليهم و إيداعهم السجون للتحقيق معهم لمجرد الشبهة والإشتباه، وهي سياسة قذرة لحكومة حزب العدالة و التنمية الذي يفتعل المشاكل والأزمات المتتالية للتخلص من معارضيه وإلصاق كل التهم بهم ، وبالذات المعارض الكبير للرئيس السيد فتح الله قولن المتواجد بالولايات المتحدة الأمريكية.
الرئيس التركي يتحول إلى طاغية مستبد
لا أحد يتحرك في تركيا إلا تحت طائلة الإيقاف، والمتابعون يتحدثون عن عمليات إيقاف وتعذيب وقتل تحت التعذيب تطال الآلاف يوميا، بحيث تحولت تركيا إلى سجن كبير داخله مفقود والخارج منه مولود على حد تعبير جريدة “لوموند الدبلوماسية” الفرنسية في أحد أعدادها الأخيرة.
عدد الإيقافات الأخيرة والذي وصل إلى 18 ألف مواطن تركي عدد مرعب يؤكد سياسة العنف والإرهاب الفكري التي ينتهجها الرئيس التركي منذ حصوله على كامل الصلاحيات المطلقة اثر التنقيح الأخير في الدستور والذي أكد الجميع في حينه أنه يهدف إلى منح الرئيس كل السلطات ليتحول إلى طاغية مستبد.
ربما تحدث بعض الهامشيين والمزورين الإعلاميين العرب في حينه عن ما سمي بالأنموذج التركي الذي سوقت إليه بعض الصحف العربية والأجنبية، وربما حاول البعض تسويق التجربة السياسية و الاقتصادية لحزب العدالة و التنمية و ربما افتعل الغرب هذه اليافطة المزورة لتلميع الصورة القبيحة و الكريهة للإسلام السياسي كأحد الحلول الفاعلة والممكنة لأزمات الدول العربية التي تم حكمها بواسطة ديكتاتوريات علمانية فاسدة، لكن من المؤكد أن الأنموذج التركي في كل عناوينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان وهما كبيرا بدليل أنه على المستوى السياسي مثلا تحولت سياسة الصفر مشاكل مع دول الجوار وهي أحد نظريات الحزب التي سوقها الوزير السابق للخارجية ورئيس الحكومة السابق احمد داوود اوغلو إلى سياسة كل المشاكل مع كل دول الجوار دون استثناء.
تركيا أوردغان و التحالف الصهيوني الخليجي الأمريكي
فشل السياسة الخارجية للحزب الحاكم وللرئيس التركي نفسه خاصة في الملف السوري والعراقي جعل الاقتصاد التركي يتهاوى بسرعة ملحوظة رغم تعمد الدولة التركية نهب كل الثروات النفطية السورية إضافة إلى نهب المصانع والآثار الثمينة.
أيضا لا يمكن إنكار أن دخول تركيا في تحالف صهيوني خليجي أمريكي غربي قذر لضرب الإستقرار في سوريا وإسقاط النظام بقوة الجماعات الإرهابية التي مولتها قطر والسعودية ودربتها وأرسلتها حركة النهضة التونسية قد كانت له كلفة مادية خيالية أرهقت الإقتصاد والميزانية التركية تماما كما حدث للسعودية في حربها القذرة ضد الشعب اليمنى.
منذ أيام فقط أحيا ناشطون معارضون ذكرى ربع قرن على مقتل 33 مثقفا معارضا في هجوم شنه جمع من الإسلاميين يوم 2 جويلية 1993 بعدما أضرموا النار في فندق “ماديماك” في قلب مدينة سيفاس في الأناضول تحت ذريعة وجود الكاتب المعارض الكبير عزيز نيسين، هذه الجريمة الإرهابية المروعة ظلت بلا عقاب خصوصا بالنسبة لمدبريها الذين هم الآن قياديون كبار في حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ سنة 2002 مثلما هو الحال لإثنين من المحامين الذين تولوا الدفاع عن المشتبه بهم في تلك الحادثة التي أثارت الرأي العام التركي و العالمي بحيث كشفت الطبيعة العدوانية والمتزمتة لفرع الإخوان المسلمين الذي تحول إلى حزب العدالة والتنمية بعد مراحل غامضة ومتلونة ومثيرة للريبة في علاقته ببقية الأحزاب العلمانية التي حكمت تركيا منذ عهد الرئيس كمال أتاتورك.
هذه العملية القذرة ليست معزولة عن سياق عمليات إرهابية أخرى ارتكبها الحزب الحاكم ضد كل معارضيه خاصة و أن وسائل الإعلام العالمية تتحدث اليوم عن محتشد تركي كبير يتم فيه تصفية الخصوم “بالقانون” الذي سطره الرئيس التركي لمعارضيه
و حيث يتحدث الإعلام عن مئات الآلاف من المعتقلين من كل الفئات الاجتماعية تم إيداعهم السجون التركية إضافة إلى ارتكاب النظام مجازر مروعة في حق المتظاهرين مثلما حدث في ساحة “تسنيم”، تتحدث قناة روسيا اليوم على لسان وزير الداخلية التركي نفسه عن أكثر من خمسين ألف معتقل للإشتباه في علاقتهم بحركة “فيتو” التابعة للمعارض فتح الله قولن الصديق القديم للرئيس التركي والمتهم بكونه من يقف وراء الإنقلاب الأخير.
إذا ضربنا هذا الرقم في 5 وهو معدل عائلات هؤلاء الموقوفين نجد أنفسنا أمام أرقام مرعبة من الصدور التي تحولت إلى عدوة لهذا النظام الفاشل بسبب هذه الإيقافات العشوائية الظالمة وهذه النار التي لا تزال خامدة حتى الان يمكن أن تتحول في لحظة معينة إلى لهيب حارق يقضى على وجود هذا الحزب النازي.
سقوط الإسلاميين في دائرة العنف للوصول والبقاء في السلطة
على الرغم من مرور ما يقارب العامين من تاريخ الإنقلاب الفاشل إلا أن حملة الإعتقالات لا تزال تلقى بظلالها يوميا على وجدان الشعب التركي وتزيد من عمق الأزمة الاقتصادية، يتحدث الملاحظون أن الاعتقالات قد طالت أكثر من 200 جنرال و 8000 آلاف ضابط و2500 موظفا قضائيا و24 واليا، و هذا الرقم الذي ذكرته وسائل إعلام عالمية سنة 2017 تزايد وتضاعف اليوم بشكل ملحوظ بعد تجميد أكثر من 200 ألف موظف من قضاة وإعلاميين ورجال تعليم وعناصر من الجيش والشرطة تم تغييرهم بكوادر موالية للحزب الحاكم.
لا بد من التذكير بإغلاق ما لا يقل عن 200 مؤسسة إعلامية للمعارضة في إطار ما سمي بحالة الطوارئ مما أثار حفيظة كل جمعيات الدفاع عن حرية التعبير في العالم، لكن ورغم كل هذه التجاوزات الخطيرة التي تكشف معدن الإخوان وسقوطهم في دائرة العنف للوصول والبقاء في السلطة فانه لا يزال هناك في حركة النهضة المشبوهة من لا يزال متعلقا بالأوهام التركية الزائفة رغم ما طال المشهد التركي من تفجيرات دموية مرعبة طالت عددا من المدن التركية سقوطهم في دائرة العنف بما يؤكد أن الإرهاب التكفيري الذي طالما ساندته المخابرات والحكومة التركية لضرب الإستقرار في سوريا وبقية دول الجوار قد عاد في النهاية إلى تركيا عملا بالقول الشائع “من المنتج إلى المستهلك”.
شارك رأيك