(بقلم بوعزي الأسعد)
لا شكّ أن الصحراء الغربية تشكّل العائق الرئسيي الذي يحول دون بناء صرح إتحاد المغرب العربي وهو ما يجعل دول المنطقة تفقد حوالي ثلاثة نقاط من التنمية سنويّا وتبقى ضعيفة في الوقت الذي تسعى كلّ دول العالم الى التكتّل في مجموعات من أجل تحقيق طموحاتها الإقتصادية والسياسية والأمنية.
وأمام فشل كلّ المحاولات وإنسداد كلّ الآفاق من أجل إيجاد حلاّ سياسيا لهذه ألأزمة وسعيا لتحقيق أحلام كلّ شعوب المنطقة التي تطمح إلى العيش المشترك في مناخ يسوده السّلم والطمأنينة والرّخاء، وخوفا من أن يتسرّب فلول الدولة الإسلامية من منطقة السّاحل الإفريقي الى الصحراء الغربية أين تتوفر كلّ الظروف التي قد تسمح ببروز كيان يهدّد السلم والأستقرار في كامل شمال إفريقيا، فإنني أتقدّم بمقترح لعلّه يحظى بإهتمام الأطراف المعنية بهذه القضية الشائكة للبناء عليه من أجل إيجاد تسوية دائمة بما يخدم مصلحة الصّحراويين وكلّ الشعوب المجاورة.
وقبل التعريف بهذا المقترح وشرحه وسعيا الى وضع الموضوع في إطاره، لا بدّ من تقديم لمحة جغرافية وتاريخية حول الصحراء الغربية مرورا بكلّ الحيثيات التي تتعلق بالنزاع القائم حولها منذ إندلاعه إلى حدّ هذا اليوم:
- تعريف الصحراء الغربية من حيث الجغرافية والتاريخ:
تقع الصحراء الغربية شمال غرب إفريقيا وتغطّي مساحة قدرها 266 ألف كلم2 أي ما يعادل حوالي مرّة ونصف مساحة الجمهورية التونسية. يحدّها المغرب شمالا والجزائر من الشمال الشرقي وموريتانيا شرقا وجنوبا والمحيط الأطلسي غربا. فهي منطقة قاحلة مترامية الاطراف تقطنها قبائل بدو من أصول بربرية تعيش في تنقّل دائم بين ما يعرف اليوم بالجزائر والمغرب وموريتانيا. يقدّر عدد سكّانها بحوالي 300 الف ساكن بمن فيهم “المستوطنون” المغاربة فيما يبرز الإحصاء الذي أجرته إسبانيا سنة 1974 ان عدد السكان الأصليين لا يتجاوز 80 الف نسمة.
هذه المنطقة العدائية من حيث المناخ والجغرافيا لم يسبق لها ان عاشت عبر التاريخ تحت نظام مستقلّ عن محيطها بل كانت ترجع بالنظر على مدّ العصور الى جميع أنظم القبائل البربرية التي تتالت على حكم شمال إفريقيا. من أهمّ هذه القبائل نذكر صنهاجة التي يقول عنها إبن خلدون أنها من إحدى قبائل “البرانيس” أصل القبائل البربرية. حكمت صنهاجة بداية من القرن الثامن منطقة تغطّي كامل شمال إفريقيا وتمتدّ من إسبانيا شمالا إلى نهر السنغال جنوبا ثم تسلّم المرابطون الحكم مع منتصف القرن الحادي عشر (1040) قبل أ ن ينتزع منهم الموحّدون السلطة بعد قرن من الزمن (1147). ومع نهاية عرش الموحدين سنة 1269، مسك المرنيون بالسلطة عل مدى قرنين حيث شهدت المنطقة غزو قبائل بني معقل القادمة من اليمن والحجاز (هلاليون) لتختلط بذلك الثقافة البربرية بالثقافة العربية وينبثق عنها ما يسمّى بثقافة شعب المور.
وعلى إثر غزو الأسبان لمنطقة تطوان والبرتغال لمدينة سبتة ضعف المرنيون وإنتهى حكمهم سنة 1465 لتدخل قبائل الصحراء في صراع دائم مع الإسبان الذين يقومون بهجمات على الساحل من أجل بناء قلاع ومراكز تجارية قبالة جزر الكناري.
إستمرّ الوضع على ما هو عليه حتّى سنة 1884 لتعلن إسبانيا الحماية بالصحراء الغربية بعد استيلائها على الساقية الحمراء (العيون) وواد الذهب (الدّخلة). وبالرغم من المقاومة التي قادها بعض شيوخ القبائل ومن ابرزهم ماء العينين الذي حارب الإسبان في الصحراء الغربية والفرنسيين في موريتانيا فإن المستعمر تمكن من السيطرة على الوضع ليبقى في الصحراء حتى سنة 1975.
أمّا من الناحية الأقتصادية فإن الثروة السمكية التي تتميّز بها المياه الصحراوية تُعتبر اهمّ ثروة للبلاد فيما تنحصر الثروة المنجمية في بعض مناجم الفوسفاط التي لا أهمية لها بحكم قلّة الجودة وكلفة الإنتاج الباهضة إذ لا يمثّل منجم “بوكراعين” وهو أهم منجم بالجهة سوى 1,7 % من جملة التصدير المغربي.
- حيثيات النزاع حول الصحراء الغربية:
يُعتبر النزاع حول الصحراء الغربية من أهم النزاعات في العالم التي لم تلق طريقها الى الحلّ بحكم تمسّك الأطراف المتنازعة بمواقفها وعجز الأمم المتحدة عن إيجاد حلاّ توفيقيّا لإنهاء الأزمة. من أهمّ الحيثيات التي رافقت هذا النزاع نذكر ما يلي:
- ما إن إستقلّ المغرب سنة 1956 حتى طالب بالصحراء الغربية بوصفها حسب زعمه كانت تمثل جزءا منه قبل الحقبة الإستعمارية معلّلا ملكيته لها بمستندين من التاريخ:
- أن “الصحراء الجنوبية” كانت تحت حكم الأدارسة (العلويين) الذين اسّسوا أول دولة مغربية على يد إدريس الأول دام حكمها ما بين 789 و985.
- إن مولاي إسماعيل (من العلويين) قام بعدّة حملات بالصحراء الغربية سنة 1724 لتأمين الطرق التجارية التي كانت تربط شمال المغرب بالساحل الإفريقي وغرب القارّة السمراء.
- في سنة 1957 وقبل ان تتحصّل على إستقلالها بثلاثة سنوات، طالبت موريتانيا بدورها على هذه المستعمرة الإسبانية بحجّة متانة الروابط التاريخية التي تربطها بالقبائل الصحراوية التي ينحدر بعضها من أصول موريتانية.
- في سنة 1973 ضهرت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ” جبهة البولزاريو” ودخلت في مقاومة مسلّحة ضد المستعمر الإسباني مطالبة بإستقلال الإقليم وفقا لقرار الجمعية العامّة للأمم المتحدة عدد 1514 بتاريخ 14 ديسمبر 1960 المتعلّق بإعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة والذي ينصّ في فصله الثاني على انّ “لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلي تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.
وبظهور هذه اللجبهة التي تلقى دعما سياسيا وعسكريّا من الجزائر أصبح الإقليم محلّ نزاع بين أربعة أطراف وهي إسبانيا والمغرب وموريتانيا وجبهة البوليزاريو.
- في 13 ديسمبر 1974، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 3292 الذي يقرّ بحقّ الصحراويين في تقرير المصير.
ومع بداية 1975 وتحت ضغط من الأمم المتحدة، قبلت إسبانيا بتنظيم إستفتاء في الإقليم من أجل منحه الإستقلال أو إلحاقه بإحدى الدول المجاورة غير ان المغرب طالب بتأجيل الإستفتاء حتى صدور حكم محكمة العدل الدولية حول طلبه المتعلّق بأحقيته بالصحراء الغربية.
قبلت المنظمة بتأجيل الإستفتاء وأودعت ملفّا لدى محكمة العدل الدولة بتاريخ 3 جانفي 1975 تطالبها فيه بإبداء رأيا إستشاريّا حول الوضع القانوني للصحراء الغربية كما أرسلت بعثة أممية إلى الإقليم للتحقّق من نوايا الشعب الصحراوي في ما يتعلق بمصيره.
- في شهر أكتوبر من سنة 1975، صدر الرأي الاستشاريلمحكمة العدل الدولية والذي يقرّ بأنه مدّة الإستعمار الإسباني كانت الصحراء الغربية تسكنها قبائل رُحّل منظمة سياسيا وإجتماعيا وتعيش تحت سلطة رؤساء قادرين على تمثيلها وهو ما ينفي عن الصحراء صفة الأرض المتروكة. تمّ الإقرار أيضا بوجود روابط قانونية بين المغرب والصحراء الغربية طوال مدّة الإستعمار الإسباني غير أن كل هذه الروابط لا ترقى إلى جواز بسط أيّ من المغرب أو موريتانيا سيادته على الصحراء. وتزامن صدور هذه الرّأي مع تقديم البعثة الأممية لتقريرها الذي أكّد مطالبة الغالبية العضمى من الشعب الصحراوي بالإستقلال وتمسّكها بجبهة البوليزاريو كممثل شرعيّ ووحيد لها.
- وعلى إثر صدور حكم المحكمة قاد الملك الحسن الثاني يوم 6 نوفمبر 1975 المسيرة الخضراء بمشاركة حوالي 350 ألف مغربي وتحت حماية 20 ألف جندي وذلك للضغط على إسبانيا لتسليم الإقليم.
لم يلق الجيش المغربي ايّ مقاومة من الوحدات الإسبانية المتواجدة على الساحة بل وجدها من الوحدات الصحراوية ما نتج عنه حربا طويلة بين المغرب والبوليزاريو دامت 16 سنة.
- تحت الضغط المغربي والموريتاني وخوفا من أن تتورط في حرب هي في غنى عنها ، قامت إسبانيا في 14 نوفمبر 1975 بعقد إتفاقية مدريد مع كلّ من الرباط ونواق الشط. تقضي الإتفاقية بتثبيت إدارة مشتركة للإقليم لفترة مؤقتة قبل ان تنتقل هذه الإدارة الى المغرب وموريتانيا كلّ منهما على الأراضي المتاخمة له بحساب الثلثين للأوّل والثلث للثاني علما وان الإتفاقية لم تنصّ على تخلّي إسبانيا عن سيادتها على الإقليم. أما جبهة البوليزاريو فإنها رفضت إتفاقية مدريد رفضا قاطعا لكونها تتعارض مع حكم محكمة العدل الدولية الداعي الى تنظيم الإستفتاء ودخلت بالتالي في مقاومة مسلحة ضد كلّ من المغرب وموريتانيا بمساندة من الجزائر حسب تصريحات الجانب المغربي.
- في 26 فيفري 1976 القوات الإسبانية تنسحب من الإقليم وبهذه المناسبة تعلن جبهة البوليزاريو عن قيام الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية.
- في سنة 1979 موريتانيا تتخلّى عن مطالبتها بجنوب الإقليم وتمضي إتفاقية سلام مع الجبهة ليسارع المغرب بغزو جنوب الإقليم (وادي الذّهب) ووضعه تحت إدارته كما هو الشّأن بالنسبة للعيون (السّاقية الحمراء).
- في سنة 1982 تنظمّ جبهة البوليزاريو الى منظمة الوحدة الإفريقية وهو ما تسبب في مغادرتها من طرف المغرب.
- في سنة 1991 وبعد 16 سنة من الحرب، المغرب والبوليزاريو يتوصلان الى عقد إتفاق لوقف إطلاق النار على أمل صياغة حلاّ في غضون ستة أشهر. وبالرغم من عديد المحالات التي تمّت بين سنتي 1992 و1997 لم يكتب للإستفتاء ان يرى النور من أجل بروز مشاكل تقنية تتعلق بالأساس بحصر عدد وهوية السكّان المعنيين بالإستفتاء.
- في سنة 2003 وبعد مجهودات مضنية من طرف مبعوث الأمم المتحدة تمّ التوصل الى مقاربة لحلّ النزاع معروفة بخطة “بيكر” وتقوم على حكم ذاتي تحت سيادة مغربية لمدّة خمس سنوات قبل تنظيم الإستفتاء غير ان جبهة البوليزاريو لم تقبل بالحكم الذاتي وقبلت عن مضض بالاستفتاء وهو ما تمّ قبوله بالإجماع من طرف مجلس الأمن. من ناحيته لم يقبل المغرب بهذا الحلّ وصرّح بأنه سوف لن يقبل بأيّ إستفتاء تكون نتيجته الاستقلال.
- في سنة 2004 يستقيل المبعوث الأممي “بيكر” من مهمته معترفا بفشله في إيجاد حلاّ في ثلاثة مناسبات ومصرّحا انه لا وجود لحلّ يرضي الطرفين.
- الوضع الحالي:
- من الناحية القانونية : تبقى الصحراء الغربية منطقة متنازعا عليها من طرف المغرب وجبهة البوليزاريو (ومن ورائها الجزائر كما يدّعي الرّباط) رغم حكم محكمة العدل الدولية بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وإجماع مجلس الأمن الدولي على ضرورة تنظيم الاستفتاء. وتجدر الإشارة أيضا الى ان محكمة العدل الأوربية تعتبر من ناحيتها ان الصحراء الغربية ليست جزءا من أراضي المملكة المغربية وذلك ضمن قرار بتاريخ 27 فيفري 2018 يتعلق بإتفاق الصيد البحري بين الإتحاد الأوربي والمغرب.
- من الناحية السياسية: تنتمي الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية إلى الإتحاد الإفريقي وهي معترف بها من طرف 45 دولة فيما سحبت 39 دولة أخرى إعترافها. ولا بدّ من الإشارة الى انه لا من دولة أو منظمة تعترف بسيادة المغرب على الإقليم ماعدا فرنسا التي تساند حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية.
- من الناحية العسكرية والأمنية: يسيطر المغرب على 80% من أراضي الإقليم غرب الحائط الترابي الذي بناه أواخر ثمانينات القرن الماضي فيما تسيطر جبهة البوليزاريو على ما تبقى من الأراضي شرق هذا الحائط. امّا وقف إطلاق النار فهو يبقى قائما في ظلّ وضع سياسي مشحون بين المغرب والجزائر ما ينذر بالإنفجار. أمّا من الناحية الأمنية فإن لا أحد بإستطاعته أن يضمن بقاء هذا الإقليم الذي يقع على حدود الساحل الإفريقي في منئى عن طموحات الدولة الإسلامية بعد طردها من سوريا والعراق.
- من الناحية السّوسيولوجية والإجتاعية: من هذه الناحية يبقى الشّعب الصحراوي مقسّما بحكم الجدار الأمني الذي يفصل القبائل عن بعضها البعض. ولا شكّ أن مستوى العيش والإختلاط البشري يختلف كثيرا غرب الحائط عمّا هو عليه شرقه وذلك بحكم الموارد الطبيعية المتاحة ومناطق العمران المتوفرة والهجرة في الإتجاهين بين المدن المغربية والإقليم وتعايش الصحراويين مع المغاربة في ظلّ إدارة مغربية لا شكّ وأنها غيّرت كثيرا من المعطيات على الميدان.
- من ناحية التأثير على بناء إتحاد المغرب العربي: إن تأثير الأزمة الصحراوية على العلاقة بين المغرب والجزائر عطلت بناء إتحاد المغرب العربي وجعلت منه كيانا مشلولا غير قادر على فعل أيّ شيء يصبّ في مصلحة شعوبه في الوقت الذي تسعى كل شعوب العالم الى بناء تكتلات إقتصادية وسياسية بما يضمن لها التقدّم والرخاء. من الواضح أنه لا أمل في الأفق يبشّر بإنفراج هذه الأزمة وسيبقى مستقبل الشعوب المغاربية معطلا بتعطّل هذا الإتحاد الذي لم ينجح حتى في جمع قادته في مستوى قمّة منذ 24 سنة.
- الحلّ المقترح:
ما من شكّ أن أزمة الصحراء الغربية أصبحت تمثّل قضية مغاربية بإمتياز لكونها تشكّل عائقا في تكتّل شعوب المنطقة من أجل مستقبل أفضل. ولحلحلة هذا الوضع الشائك لا بدّ على المجتمع المدني في دول المغرب العربي من الضغط على حكّامه والتقدّم بحلول لا نمطية وجريئة على ضوء الحقائق التي يخشى السياسيون من التصريح بها لشعوبهم.
ما يخشى السياسيون قوله هوّ أن النزاع الحقيقي في المنطقة لا يدور بين جبهة البوليزاريو والمغرب من أجل إستقلال الإقليم أو إلحاقه بالمملكة وإنما يدور بين المغرب والجزائر من أجل أهداف جيوبوليتيكيّة تتمثل أساسا في لعب دور القوّة الإقليمية وبسط الزعامة على شمال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي وغرب القارّة السّمراء.
ولتحقيق هذه الاهداف فإنّ الحيازة على الصحراء الغربية تمثّل شرطا أساسيّا لترجيح الكفّة لصالح إحدى الدولتين وقلب المعادلة القائمة بينهما في الجانب البشري والإقتصادي والعسكري مع تقدّم واضح لصالح المغرب من حيث التموقع الجغرافي بفضل البوّابتين اللّتان تفتحان على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. وبالتالي فإن الصّحراء الغربية أصبحت تمثل رهانا ذا صبغة حيوية لكلتا الدولتين.
فالجزائر قد ترى في إلحاق الإقليم بالمغرب مهما كانت الصّفة القانونية المعتمدة (تحت السيادة التّامّة أو ضمن الحكم الذاتي) دعما له من حيث عناصر القّوة وخاصّة منها العنصر الجغرافي إذ سيمدّد حدوده نحو الجنوب ويجعله يفتح مباشرة على دول السّاحل وغرب إفريقيا بما يجعل منه جسرا إستراتيجيا يربط بين أوروبا وإفريقيا وبوّابة هذه الأخيرة على القارة الأمريكية.
امّا المغرب فيمكنه من ناحيته أن يرى في إستقلال الصحراء الغربية خطرا على أمنه القومي بحكم الروابط التاريخية والسياسية والأديولوجية التي تربط جبهة البوليزاريو بالنظام الجزائري والتي قد تؤدّي إلى تحالف بينهما قد ينتهي بقطع الطريق التجارية الرئيسية التي تربط شمال المغرب بغرب إفريقيا وبمنح الجزائر منفذا على المحيط الأطلسي ما من شانه ان يزيد من وزنها من حيث التّموقع الجيّوبوليتيكي. المغرب قد يخشى ايضا من نزاع حول الحدود البحرية وخاصّة منها المنطقة الإقتصادية الخالصة (la zone économique exclusive)التي تحتوي على ثروة سمكية هائلة تمثل لوحدها أهم الرهانات بين اطراف النزاع.
وبناءا على ما سبق ذكره وسعيا الى إرساء السّلم والأمان بالمنطقة وتلبيّة لنداء شعوبها بما فيها الشعب الصحراوي التي تطالب ببناء إتحادا مغاربيّا صلبا وقويّا ومتماسكا يضمن لأبنائه حرّية التنقل والإقامة والتملّك والتبادل التجاري. وعملا بمبادئ القانون الدّولي التي تشجّع الأطراف المتنازعة على حلّ نزاعاتها في ما بينها بطريقة الوفاق (à l’amiable)، يأتي المقترح التالي كفكرة يمكن البناء عليها ومناقشتها صلب المجتمع المدني المغاربي وعلى رأسه النخب الصّحراوية من أجل إيجاد حلاّ لهذا النزاع الذي طال أمده وعطّل كلّ مشاريع التقدّم والنموّ بمنطقة المغرب العربي بأسرها :
إن هذا المقترح لا يعني طرفي النزاع لوحدهما (الحكومة المغربية وجبهة البوليزاريو) بل يشمل أيضا كلّ من الجزائر وموريتانيا كأطراف فاعلة من أجل حلّ دائم. وهو يقوم على تقسيم الصحراء الغربية من الشمال الى الجنوب إلى إقليمين (غربي وشرقي) وفق خطّ رسم الحائط الترابي مع تحوير واضح فى منحى هذا الخطّ من الجهة الجنوبية لتمكين الإقليم الشرقي من نافذة بحرية تفتح على المحيط في مستوى الدّخلة (وادي الذهب). يتمتع كلّ إقليم بالإستقلال الذاتي وبصلاحيات واسعة ويلحق الإقليم الغربي بالمغرب فيما يلحق الشرقي بالجزائر مع تمتيع مدينة الدّخلة بوضع قانونيّ خاص (ضمن السّيادة الجزائرية) يضمن مصالح كلّ الأطراف بما فيها حقّ المغرب في إستعمال الطريق التجارية التي تربطه بدول غرب إفريقيا.
ولتحقيقه على أرض الواقع، لا بدّ لهذا المقترح أن يحضى بموافقة موريتانيا لكون إنجازه يتطلب تبادلا للأراضي بينها وبين الصحراء الغربية وفقا للرّسم المبيّن على الخريطة التالية:
يقوم التقسيم الجغرافي للمنطقة على رسم خطّين متوازيين (أ- ب) و (ج- د)لإقتطاع مثلثين من الأراضي الموريتانية وإلحاقهما بالإقليم الشرقي مقابل المثلّث من الأرض الصحراوية المتواجد جنوب الخطّ (م- ن) فيما يُلحق الشريط المتواجد بين الخطّين المتوازيين (س- ص) و (م- ن) بما فيه مدينة الدّخلة الى نفس الإقليم.
وضمن الإقليم الشرقي تتمتع مدينة الدّخلة بوضع قانونيّ خاصّ يجعل منها منطقة للتبادل الحرّ بين دول المنطقة وجسر عبور يربط بين المغرب وموريتانيا دون قيود وعراقيل قانونية ويمكن لهذا الجسر ان يكون في شكل طريق سيّارة وسكّة حديد وغيرها من الحلول التي تتفق حولها الأطراف المعنية.
ولا بدّ لهذا الإتفاق، متى تمّ، أن يجد حلاّ للوجود القانوني لجبهة البوليزاريو ضمن الحكم الذاتي وأن يضمن حقّ الصّحراويين في إختيار الإقليم الذي يرغبون الإلتحاق به كما يضمن حقّهم في التنقّل بين الإقليمين وحرّية التملّك والإقامة فيهما.
أمّا في ما يتعلق برسم الحدود البحرية بين شطري الإقليم الصّحراوي فإنه يتمّ طبقا لقواعد القانون الدولي غير أنه يمكن للأطراف المعنية أن تتّفق على طريقة أخرى يتمّ إعتمادها بالتراضي.
تبرز الخريطة التالية التقسيم النهائي للصحراء الغربية وهو تقسيم إذا ما تمّ سوف يتخلّى المغرب بمقتضاه على حوالي ربع المساحة التي هي تحت إدارته فيما يمكّن الإقليم الشرقي من مساحة إضافية بفضل تبادل الأرض مع موريتانيا ويمكنه من نافذة بحرية. هذا من شأنه أن يرضي جميع الأطراف ويجعل المنطقة الواقعة شرق الجدار الأمني قابلة للحياة بفضل ما سوف توفّره لها النافذة البحرية من إعمار وإزدهار وبحكم المنطقة التجارية الحرّة التي سوف تتمركز في مدينة الدّخلة.
لا شكّ أنّ مقترح هذا الحلّ ليس هو الأمثل بالنسبة للشعب الصحراوي الذي يطمح إلى تحقيق مصيره على أرضه وإنما هوّ الأنسب له من أجل تحقيق حياة أفضل وحلحلة الأزمة بين بلدين جارين كبيرين بما يساعد على إرساء مناخا من الثقة بينهما وهو شرط اساسيّ لفتح الحدود بين كلّ الدّول المغاربية.
ملاحظة: هذه الآراء لا تلزم إلاّ صاحبها
شارك رأيك