بقلم أحمد الحباسي
الثقافة بالنسبة لحركة النهضة عدو مبين وما نشهده من مصافحات وزيارات مجاملة بين الحركة و بعض الفنانين أو الرياضيين هي مسرحية عرجاء لا تنطلي إلا على المغفلين وتبقى علامة فارقة على عداء النهضة للثقافة.
عندما نجرى مسحا للساحة الإعلامية والثقافية في تونس لا نجد أثرا لإنتاج ثقافي أو معرفي أو رياضي لحركة النهضة ومن يقف معها على نفس الخط. بطبيعة الحال الحركة لا تؤمن بالفن والإبداع كرافد ثقافي وحضاري وهي تقف منهما على طرفي نقيض في العموم لذلك يجد بعض منشطي الحصص وبالذات الثقافية حرجا كبيرا في استضافة قيادات حركة النهضة أو عند سؤالهم عن هذا الهامش من الحياة الإنسانية أو مطالبتهم بإبداء موقف صريح من مسالة الإبداع الفني أو الاستجابة لطلب المنشط بالغناء أو الرقص أو استذكار بعض الأفلام السينمائية.
هذا مهم لنفهم عقلية من حكمونا بصورة مباشرة طيلة ثلاثة سنوات من الجمر بين 2012 و 2014 ونصل إلى حقائق مذهلة حول هذه الحركة ذات المنحى الفكري التكفيري.
فشل حركة النهضة في بلورة مشروع ثقافي
لقد حكمت حركة النهضة البلاد طيلة هذه المدة الطويلة نسبيا ولم تسع إطلاقا إلى بلورة مشروع ثقافي حضاري يمكن أن يكون رافدا لمسار الثورة ولعملية الإنتقال السلس للحكم واتساع رقعة الديمقراطية ومناخ الحريات العامة ومطالب الشعب بحرية التعبير وشفافية القضاء.
هناك من يعتقد أن الحركة قد عجزت عن التأسيس لإعلام حر رغم أهمية الإعلام في خلق الرأي العام و تنويره و تثقيفه بل ذهبت إلى محاربة طواحين الهواء أو ما يسمى بمعركة إعلام المجارى أو إعلام العار.
يتساءل بعض المتابعين عن أسباب فشل حركة النهضة في بلورة مشروع ثقافي لعلمهم الثابت أن الثقافة والإعلام والإبداع يمثلون اليوم حجر الزاوية في كل سياسات الدول المتقدمة ويستشهدون في هذا الخصوص بما يحظى به هؤلاء المبدعون في كل هذه المجالات من حفاوة و تقدير وتبجيل يصل إلى حد تنظيم مناسبات دورية سنوية لمنحهم جوائز قيمة تليق بإبداعاتهم ومساهماتهم في نشر الوعي الحضاري و الثقافي، يتساءل هؤلاء المتابعين باهتمام وبحذر شديد هل غفلت الحركة عن هذا المسعى رغم أهميته في ما يعرف ب”سياسة التمكين” التي يتبعها الإخوان وهل أن قيادات الحركة لا ترى أن الثقافة هي مدخل مهم للقلوب وللإستحواذ على الرأي العام وجلبه إلى حظيرة الإسلام السياسي ومشروع الإخوان في التغلغل داخل الوجدان ومكونات الدولة.
أيضا يتساءل هؤلاء لماذا ترفض قيادات النهضة الجواب على هذا السؤال بمنتهى الصراحة ولو أنهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن الحركة ليست في وارد الإستثمار في الثقافة لأنها ترى الفن بكل عناوينه الإبداعية عدوا لفكرها التخريبي التفكيري القائم على معاداة الحضارة الإنسانية.
المنتسبون لثقافة بول البعير يرهبون المبدعين
في تاريخ الحركة وفترة حكمها أنها عادت الثقافة والمبدعين بشكل علني ومخيف وصل حد حرق دور الثقافة والإبداع وتهديد المبدعين ومحاولة ترهيبهم بالاغتيال والسحل في الساحات العامة وقد شاهدنا ما تعرض إليه الفنان لطفي العبدلي من اعتداءات وحشية تؤكد همجية هؤلاء المنتسبين لثقافة بول البعير وشيوخ الظلام ومشروع الفتنة المتحول في كل الأقطار العربية.
إن ما حدث في أفغانستان وسوريا والعراق من تدمير لمعالم الإبداع الإنساني والتراث الحضاري البشرى ليس فكرا بعيدا عن فكر حركة النهضة فالإرهابيون الذين دمروا الآثار التاريخية في أفغانستان وأثاروا حفيظة البشرية في كل أصقاع العالم هم أنفسهم من دمروا تراث الإنسانية و حضارتها في مدينة “تدمر” السورية ومن نهبوا آثار العراق.
لعله من المفارقات المحزنة أن يتلاقى في نفس المكان والزمان مشروع إسرائيل في تدمير الإرث الحضاري العراقي مثلا مع مشروع الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تنتسب إليها حركة النهضة قلبا و قالبا، بدليل تصريح شيخ الحركة الذي اعتبرها تمثل ما سماه “الإسلام الغاضب”، في تدمير هذه الآثار وتسهيل عملية نهبها من كل قطاع طرق العالم.
هذا التزامن في الغايات الخبيثة يؤكد تشابك مصالح حركة النهضة ومصالح الصهيونية العالمية والتقاء إرادتين خبيثتين لتدمير وتفتيت الدولة العربية حتى يمكن نصب الخلافة السادسة التي بشر بها رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالى هذه الجماعات الإرهابية التي كانت تنشط داخل تراب الجمهورية وخارجه.
عداوة قيادة حركة النهضة للثقافة والمثقفين
إن عداوة قيادة حركة النهضة للثقافة والمثقفين وللإبداع عموما أمر محسوم بكثير من الأدلة والبراهين والتصريحات ولعل ما تخبطت فيه تونس طيلة حكم هذه الحركة التكفيرية من فوضى و اعتداء وتهديد قدجعل المبدعين يعملون وسط مناخ رهيب وتحت طائلة تهديدات تصل إلى حد القتل كما حصل لصاحب معرض الصور بالعبدلية أو برنامج “اللوجيك السياسي” أو قناة نسمة أو صالة العرض السينمائي بشارع بورقيبة من محسوبين على التيار السلفي الجناح العسكري لحركة النهضة رغم صراخ و انتقادات عدة منظمات دولية مثل منظمة “هيومن رايتس ووتش”، يقول موقع “الأخبار” اللبناني في مقال بعنوان “معركة مفتوحة و رقابة باسم المقدس” بتاريخ 27/1/2012 “لم يكن المبدعون التونسيون يتخيّلون أنّهم سيضطرون إلى الدفاع عن مكتسبات اعتقدوا أنّها من الثوابت! إلا أنّ ما حصل منذ صعود الترويكا، التي تسيطر عليها حركة النهضة الإسلامية، فتح عيون المبدعين على واقع لم ينتظروه بعد “ثورة 14 يناير”. بدأت متاعب المبدعين: حصار واعتداءات سلفية متكررة. اعتدى سلفيون على المسرحي رجب مقري، كما اعتدت مجموعة أخرى على النحّات الشاب حلمي الناجح وكسروا أعماله الفنية”.
من عادة حركة النهضة أنها تضع جميع أفراد الشعب المعارضين لسطوتها وإرهابها ومشروعها التكفيري في سلة واحدة ومن عادة الإسلام السياسي انه يعادى كل المتحررين من سطوته بمن فيهم من كانوا يوما من بين مؤسسي هذه الحركة الإرهابية وقد شاهدنا ما حصل لكبار المثقفين المصريين و نظرائهم التونسيين مثل يوسف الصديق وألفة يوسف وقد نال الإعلام نصيبه من التحذيرات و التهديدات المباشرة كما حصل للإعلاميين لطفي لعمارى و حمزة البلومى و زياد الهانى وغيرهم.
وقد شهد مقر التلفزيون والإذاعة التونسية في عهد حكومة النهضة غزوات الإرهابيين وتهديداتهم العلنية تحت تواطىء المؤسسة الأمنية بقيادة وزير الداخلية على لعريض أحد عتاة الحركة والذي لم يتورع عن ضرب أهالي مدينة سليانة بالرش دون أن تتم محاسبته قضائيا لحد الآن.
إن معادة حركة النهضة للثقافة أمر موروث من حركة الإخوان المسلمين في مصر لأن مؤسس الحركة حسن البنا لم يكن يرى في الثقافة إلا عدوا لمشروعه الرامي إلى استغلال عقول البسطاء لدفعهم إلى المعصية التكفيرية واستغلال هشاشتهم النفسية والروحية للإيحاء إليهم بان ما يسمى بالجهاد “لدى الجماعة هو الطريق الأقصر للوصول وإدراك الجنة وحورها الحسان.
الثقافة بالنسبة لحركة النهضة عدو مبين وما نشهده من مصافحات وزيارات مجاملة بين الحركة و بعض الفنانين أو الرياضيين هي مسرحية عرجاء لا تنطلي إلا على المغفلين وتبقى علامة فارقة على عداء النهضة للثقافة.
شارك رأيك