بقلم أحمد الحباسي
الشيء من مأتاه لا يستغرب، لذلك لم يتوقع أكثر المتفائلين أن نسمع من الجماعة إياهم ما يؤكد وطنيتهم أو ولائهم أو خجلهم أو انتماؤهم، ولم يكن هناك حقا من ينتظر من النائبة سامية عبو مثلا أن تخرج للعلن حتى من باب رفع العتب لتعلن تنديدها بالعملية الإرهابية التي استهدفت أبناءنا في ولاية جندوبة.
بطبيعة الحال، السيدة النائبة كانت متلهية بما هو أهم من هذا الحدث ومن هذه الفاجعة الإنسانية المؤلمة وهو التفوه كالعادة وبمناسبة أو بغير مناسبة بعبارات جارحة ضد وزيرة التربية مجدولين الشارنى.
كانت مدام النائبة السليطة اللسان الفاقدة للكياسة والهدوء المتعودة على اللغط المبالغ فيه والساعية دوما لنصب المشانق تبحث عن وخز إبرة لفظية تسيء بها إلى مجلس النواب في المقام الأول وإلى السيدة الوزيرة في المقام الثاني وإلى الشعب الكريم المتابع لأعمال هذا المجلس غير الموقر الذي تحول إلى سوق عكاظ تتبارى فيه النطيحة و المتردية وما ترك السبع.
تفضلت السيدة النائبة فأخرجت من فمها ما يليق بذوقها المتدني فأسمعت السيدة الوزيرة “وسخ وذنيها” كما يقال، وبعد ذلك عادت إلى قواعدها سالمة غانمة كأن شيئا لم يكن تحت تشجيع نواب السفارات وأفراد اللوبيات ومن تبقى من الهامشيين المراقبين لهذه المهزلة.
كان متوقعا أيضا أن لا نسمع همسا أو وشوشة من عدنان منصر ومن طارق الكحلاوى ومن عبد اللطيف المكي ومن الحبيب اللوز ومن وليد البنانى ومن رضا بلحاج ومن محمد المرزوقي ومن بقايا حزب التكتل ومن تلك الدكاكين المشبوهة التي تمثل ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني المتخصصة في تبييض أموال الخليج والتي تعتني بما يسمى بحقوق الإنسان في حين أن سيرتها العفنة قد أصبحت على كل لسان.
كان منطقيا أن لا نسمع مجرد همز أو لمز أو تنديد من هؤلاء لأنهم لا يزالون على غيهم يناضلون و يعاندون بان الإرهاب فزاعة وأن هؤلاء الإرهابيين هم بقايا الزعيم الخالد صدام حسين والرئيس بن على والرئيس بشار الأسد.
على الأقل هذا ما رشح من فم الطرطور محمد المرزوقي في تصريح أثار كثيرا من السخرية في وقت تعانى فيه عائلات الشهداء الأبرار من صدمة نفسية عنيفة بسبب فقدان فلذات أكبادهم بتلك الطريقة الوحشية التي تؤكد مرة أخرى بربرية فكر حركة النهضة وأتباعها التكفيريين الذي يذكر إرهابهم و تقطيعهم لأوصال الأبرياء وسحلهم ومضغ قلوبهم و شواء رؤوسهم كما شاهدنا في سوريا والعراق وليبيا شيخ حركة النهضة بشبابه الذي قضاه في بعث هذه الخلايا الإرهابية النائمة وفي محاولة زعزعة أسس الدولة المدنية التي بناها هذا الشعب بتضحيات آلاف الشهداء.
يشير رئيس الدولة في تصريحه المثير إلى قناة نسمة أن تغيير بعض القيادات الأمنية خاصة تلك القيادات التي لها علاقة بالاستخبارات وبالرصد والتعقب بعد إعفاء السيد لطفي براهم قد كان له دور فاعل في نجاح عملية اغتيال الشهداء، وهناك غمز بين السطور يتعلق بمسؤولية رئيس الحكومة ووزير داخليته بالنيابة غازي الجريبى عن هذا الإخفاق المريع، بل هناك تحميل للمسؤولية، وهناك غضب وعدم رضا عن أداء الحكومة برمتها بينته كمية الأخطاء و علامات الفشل والإرتباك المتكررة والتي أدخلت البلاد إلى منعرج خطير يؤكد فيه البعض أن إصرار الرئيس على عدم تغيير الحكومة قد يؤدى إلى كارثة أو حرب أهلية على المدى القريب خاصة في ظل تصاعد حالة الغضب الشعبية إلى منسوب يضاهى المنسوب الذي وصل إليه ليلة 14 جانفى 2011، يتحدث المتابعون أنه لم يعد بالإمكان في ظل رفض الرئيس اتخاذ الإجراءات الحاسمة التي دعته عديد الأطراف لاتخاذها وعلى رأسها تغيير رئيس الحكومة إلا الدعوة الملحة لعودة الشعب للشارع في شبه اعتصام الرحيل الذي أدى إلى سقوط حكومة على العريض ورحيل الإخوان من الحكم مؤقتا على الأقل على أن لا تقل المطالب هذه المرة عن المطالبة بانتخابات تشريعية و رئاسية مبكرة يتم فيها إعطاء كامل الفرصة للمستقلين كما تم في الانتخابات البلدية منذ أسابيع.
لعله من العار والفضيحة التي ستبقى عالقة بجبين الثورة أن يضحى أبناء الشعب بأعز ما يملكون من اجل حماية بعض المرتزقة السياسيين وبعض الميليشيات الإرهابية وكثير من الخونة الذين فاحت روائحهم الكريهة من فرط الأدران التي تعلقت بضمائرهم ولعله من العار أيضا أن يضحى أبناء الشعب المسكين في حين تصر الدولة التي تزعم أنها شكلت حكومة حرب لمواجهة الإرهاب بقطع رواتب الشهداء في تصرف مهين لكل القيم الإنسانية.
ربما هناك صمت مريب لوزير الدفاع السيد عبد الكريم الزبيدى على قطع رواتب الشهداء وربما تتجرع المؤسسة العسكرية في عهد هذه الحكومة كما في عهد الحكومات السابقة مرارة إحساسها بالظلم وبالإهانة وبعدم تقدير تضحياتها التي حمت هذه الثورة وحمت أسس الدولة المدنية وحمت أسس الجمهورية و لكن من واجبنا اليوم أن نندد تنديدا عاليا بهذا التصرف المهين لعائلات الشهداء وندعو كل الضمائر الحية لرفع الصوت بعد أن فقد الشعب ثقته في الرئيس و في رئيس الحكومة و في مجلس نواب الشعب.
شارك رأيك