بقلم أحمد الحباسي
الشعور السائد اليوم لدى أغلبية المواطنين وبالذات أغلبية ناخبي حركة نداء تونس أن الرئيس الباجي قايد السبسي يسعى بقوة لتوريث ابنه حافظ حكم البلاد، هذا المسعى خطير وخطير جدا لأنه يتنافى مع مقاصد الثورة التي أتاحت لشخص مثله الفرصة التاريخية لرئاسة البلاد والسهر على إنجاح مطالبها التي نالتها بتضحيات الدم والصبر على الوجيعة سنوات الجمر.
الخلاف المعلن بين ابن الرئيس و رئيس الحكومة
ربما نجح الرئيس في إقصاء حركة النهضة من الحكم بإنشاء كيان اسمه حركة نداء تونس وربما ساهمت كما يقول عديد المراقبين كل جرائم و أخطاء و هفوات ونزوات حركة النهضة وطفولتها السياسية في نجاح حركة النداء في الإنتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014، كما ساهم سقوط التجمع في صعود حركة النهضة سنة 2011، لكن من المؤكد أن مجيء ابن الرئيس لحلبة هذا الحزب قد أفقده أولا وقبل كل شيء مصداقية الناخب، وتأكد ذلك في الانتخابات الجزئية بألمانيا والتي سمحت بصعود احد كبار المتطرفين الفكريين ليحتل مقعدا بمجلس نواب الشعب، ثم في التراجع المرعب والمعبر أثناء الإنتخابات البلدية الأخيرة والتي مكنت حركة النهضة من “احتلال” عدة بلديات مهمة من بينها بلدية تونس، يضاف إلى ذلك طبعا حالة من التشرذم غير المسبوقة داخل الحركة ونشوب حرب إعلامية وكلامية أساءت للحركة و بعثت في التونسيين كثيرا من علامات الاستفهام و الحيرة.
الرئيس يريد توريث ابنه بالقوة و مهما كان الثمن، هذا باختزال شديد ما يقوله الشارع و ما تقوله المعارضة وما يخرج من أفواه كثير من السياسيين والمفكرين والإعلاميين.
حتى نؤكد هذا علينا بالرجوع إلى تصريح الرئيس الأخير لقناة نسمة، لقد كان لافتا أن الرئيس لم يتعرض لابنه ولما يحصل في حركة النداء بسبب ابنه و لما تعيشه البلاد من تخبط على كل المستويات بسبب إذكاء ابنه للصراع الحاد مع رئيس الحكومة، مما دفع بهذا الأخير لرد الفعل بصورة عنيفة ومباشرة.
الرئيس يخدم طموحات ابنه غير المشروعة في الرئاسة
هذا الخلاف المعلن بين ابن الرئيس و رئيس الحكومة يدوم الآن ما يقارب السنة، وهو أحد الأسباب المهمة في ارتباك عمل هذه الحكومة المتعثرة أصلا، لكن رئيس الدولة تجاهل الأمر ولم يشف غليل المتابعين، كل ذلك حتى لا يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع عبث ابنه وسوء تقديره السياسي وجهله التام والمدقع لكيفية التعامل مع الأحداث السياسية وافتقاره للكاريزما الأخلاقية والسياسية القادرة على لم الشمل.
في السياسة يمثل صمت الرئيس و تجاهله موقفا سياسيا يصب في مصلحة ابنه كما يمثل دعما قويا ضد معارضيه ويكشف بالنهاية أن الوالد قد قرر وضع كل ثقله وخبثه و حنكته السياسية ليكون الرافعة التي ستنجح مسعى الإبن في الصعود إلى كرسي الرئاسة.
لعل الرئيس قد سقط هذه المرة في الفخ الذي نصبته حركة النهضة حين أعلنت تمسكها بعدم رحيل يوسف الشاهد، كل ذلك لتسقط وثيقة قرطاج أو ما يسمى بوثيقة 64 بندا بحيث تعطى لرئيس الحكومة فرصة ربح كثير من الوقت على حساب منافسه ابن الرئيس وتضع هذا الأخير في موقف لا يحسد عليه، وقد تبين ذلك من تصريح ساكن قرطاج حين عبر عن ارتباكه حول الطريقة التي سيتم بها عزل رئيس الحكومة فاكتفى بمطالبته بطرح نفسه على ثقة مجلس نواب الشعب، وهي نصيحة خبيثة يراد من ورائها تعريض الرجل إلى هزيمة ثقة بحكم عدم توازن القوى داخل المجلس، ورفض كثير من النواب من بينهم نواب المعارضة إعطاءه الثقة لأسباب مختلفة و التخلص منه بأسهل الطرق دون دفع ثمن سياسي لحركة النهضة.
لعل الرئيس بتمسكه بإنجاح مشروع التوريث لم ينتبه إلى حالة الإحتقان وسوء الظن التي يشعر بها الناخبون ضده مباشرة بسبب نكثه لكل وعوده الإنتخابية التي لها تأثير مباشر على معيشته اليومية وبسبب فشله المعلن في اختيار رئيسي حكومة تبين بالكاشف أنهما السبب في مزيد انهيار الوضع الإقتصادي وتصاعد حدة الإحتقان، هذا الأمر تبينه آخر الاستطلاعات التي تكشف تدنى نسبة الثقة في الرئيس وفي رئيس الحكومة.
عرض ابن الرئيس على الفحص الطبي للتثبت من مداركه العقلية
لعل الرئيس لم يكتف بنكث وعوده الإنتخابية، وكان رده على هذا الأمر مثيرا لكثير من السخط لدى متابعي تلك المقابلة الشهيرة التي أسالت كثيرا من الحبر والتعاليق بل كان من العبث أن يصر على نكث وعد مهم أخر و هو الحرص على تنفيذ مطالب الثورة من بينها عدم التوريث.
يقول الكثيرون من القيادات المؤسسة لحركة النداء أنهم تجمعوا حول شخصية الرئيس ولم يأتوا ليتجمعوا حول شخصية ابنه الفاقدة لجميع الأدوات السياسية، بل ذهب السيد الأزهر العكرمى في تصريح أخير لإذاعة موزاييك إلى المطالبة بعرض ابن الرئيس على الفحص الطبي للتثبت من صحة مداركه العقلية.
بهذا المعنى يعتبر هؤلاء الرافضون المعارضون لما يحدث في حركة النداء أن الرئيس قد نكث وعده بتكوين حزب للوقوف سدا منيعا ضد المشاريع المشبوهة لحركة النهضة بعد أن سمح لابنه بالاستحواذ على الباتيندة دون ذرة خجل وتنصيب نفسه زعيما طامحا للرئاسة ولو على جثة الحركة التي تحولت إلى مصب زبالة لكل طامع وخبيث يريد التقرب من هذا الرئيس المفترض.
بالنهاية نكث الرئيس وعده بعدم التحالف مع النهضة كما نكث وعده بتحسين القدرة الشرائية للمواطن والمساهمة في تراجع البطالة وكشف حقيقة اغتيال الشهداء، وبالنهاية يريد اليوم تنصيب ابنه الفاشل بقوة الألاعيب السياسية الخبيثة على رأس ما تبقى من وطن مغتال، وتلك قمة الوقاحة السياسية في زمن شاهدنا فيه كل الخيانات و بيع الضمائر.
شارك رأيك