بقلم أحمد الحباسي
مع هبوب رياح ما سمي بالربيع العربي فوجئ المتابعون بتكاثر نسل مجموعة منظمات المجتمع المدني تحت يافطات و عناوين مختلفة. الغريب في هذا الأمر أن الحكومة لا تعطى توضيحا أو بيانا حول أسباب تكاثر هذا النسل الغريب والمشبوه بل لا تعطى أرقاما واضحة عن عددها أو مصادر تمويلها.
يمكن أن نقول أن هناك شبه تعتيم مقصود على الموضوع وحتى الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بالبحث قليلة وقليلة جدا بالمقارنة مع أهمية الظاهرة ومدى انعكاسها على الأمن الوطني تحت غطاء العمل الخيري والإعلامي والحقوقي، خاصة وأن بعض الأطراف لم تتورع عن اتهام بعض هذه المنظمات بكونها أدوات استخبارات و تمثل خطرا صريحا و معلنا على أسرار الدولة المتعلقة بعدة قطاعات حيوية.
تحت غطاء العمل الخيري والإعلامي والحقوقي
هذا ما يدفعنا للسؤال : ما هو الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني تحت غطاء العمل الخيري والإعلامي والحقوقي؟
للإجابة نقول بمنتهى الوضوح والبساطة وبحكم علمنا بالنوايا الخبيثة للدول والمنظمات الأجنبية الممولة أن هذه المنظمات “التونسية” يتم استغلالها لتتغلغل القوى الإستعمارية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية داخل الذهن التونسي حتى يتم التسويق بخبث كبير للمشاريع الصهيونية الأمريكية في المنطقة، كل ذلك تحت يافطة الدفاع عن الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان.
لا شك أن الإدارة الأمريكية وبعض المنظمات المشبوهة التي تنشط بعلم المخابرات الأمريكية ذاتها تضخ أموالا طائلة بعلة المساعدة في بناء الديمقراطية والتنمية، لكن الخطير في الأمر أن هناك حالة تجنيد واستخدام لبعض النفوس المريضة داخل ما يسمى بالنخب السياسية والإعلامية والفكرية، وهناك تمويل بغرض إنشاء مؤسسات كرتونية تكون يافطة تخفى وراءها النشاط الفعلي لهذه المنظمات بدليل أن المواطن التونسي لا يعرف من هذه المنظمات المتناسلة إلا عددا قليلا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في أقصى الحالات.
لا شك أن سرية حسابات “منظمات المجتمع المدني” والتكتم الشديد على مواردها المالية يزيدان من الشكوك في نواياها كما حدث منذ أشهر قليلة في قضية التمويل الأجنبي لبعض جمعيات المجتمع المدني في مصر التي كشفت عن معلومات مالية مرعبة عندما أعلن مستشار وزير التضامن المصري أن هناك 200 مليون دولار حصلت عليها هذه المنظمات الأهلية التي تم التدقيق في حساباتها.
هذا الرقم المرعب يعادل خمسة أضعاف المبالغ التي حصلت عليها هذه المنظمات المشبوهة على مدار السنوات السبع السابقة للثورة المصرية، والجدير بالذكر في هذا السياق أن المنظمات الخمس التي وجهت لها التهم في قضية التمويل هي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي، ومنظمة ”فريدوم هاوس” والمركز الدولي للصحافيين، وهي جمعيات أمريكية معروفة بضاف إليها منظمة “كونراد أديناور” الألمانية، وكلها متواجدة ولها ممثلوها في تونس.
تنفيذ السياسات الخبيثة للجهات الأجنبية الممولة
ربما يظن البعض نتيجة أن نشاط هذه الجمعيات يقتصر على مجال مراقبة سير العمليات الإنتخابية أو متابعة شؤون مجلس نواب الشعب أو مراقبة سير عمل بعض الوزارات، لكن الأمر أوسع من ذلك بكثير لأن هذه الجمعيات تأخذ على عاتقها العمل في مجال حقوق الإنسان والمرأة والطفل والسكان والبيئة والديمقراطية والأحوال الشخصية وثقافة السلام وهي نشاطات متفرعة تهم كل مجالات الحياة وتمكن هذه المنظمات من استيعاب أكثر ما يمكن من الناس واستقطباهم لتنفيذ السياسات الخبيثة للجهات الأجنبية الممولة واستمالتهم إلى جانب المشروع الفكري الإستعماري الأمريكي وجعلهم يتخلصون مع الوقت من إرثهم الحضاري و الديني. والأهم من كل ذلك نزع كامل ثقافة العداء والمواجهة للسياسة الإمبريالية الصهيونية في المنطقة العربية.
في هذا السياق يتحدث الجميع عن دور فرع الوكالة الأمريكيةUSAID بتونس الذي يقوم بممارسة نشاطاته المشبوهة تحت يافطات إنسانية وخيرية، وقد رصدت هذه الوكالة مبالغ خيالية تتعدى 70 مليون دولار منها 7 مليون دولار لعدة ولايات مثل سيدي بوزيد وقفصة ومدنين وتطاوين، وتتحدث بعض التقارير المتضافرة أن هذه الوكالة المشبوهة قد استغلت عامل الثورة واهتزاز الوضع الأمني بقوة لربط الصلة مع عشرات الأحزاب والمنظمات والسياسيين والإعلاميين، و لعل اخطر ما قامت به هذه المنظمة هو تمويل “مدارس المواطنة” وهي نواد يتم فيها استقطاب المتفوقين فى التعليم وتسهيل ترحيلهم إلى أمريكا وبعض الدول الغربية لخدمة السياسة الإستعمارية الأمريكية.
لقد أطلقت هذه الوكالة كما جاء بعديد التقارير الصحفية المتابعة لنشاط هذه الجمعيات المشبوهة برنامج “شبكات المجتمع المدني الإقليمية” من أجل جمع أكبر قاعدة بيانات حول حياة الناس في البلاد مع الترويج للمفاهيم والقيم الغربية والحلول السياسية الأمريكية كالتطبيع وحوار الأديان . ولعل “جمعية المواطنة” من أخطر الأوبئة السرطانية التي تم إنشاؤها لهذا الغرض.
في حساب الإدارة الأمريكية أن عهد الاستعمار العسكري قد ولى و انتهى خاصة بعد سقوط أكبر دولة عربية و أكبر نظام عربي معاد للصهيونية والامبريالية وهو النظام العراقي بقيادة الرئيس صدام حسين وأنه لا مجال لدخول أمريكا حروبا تخسر فيها كثيرا من الموارد الإقتصادية والإمكانيات العسكرية و البشرية و لذلك وقع التفكير في كيفية تنفيذ السياسات الأمريكية الاستعمارية دون ضحايا، ولذلك رسخت استعمارها من خلال مجموعة أدوات منها : مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط التي أطلقتها الخارجية الأمريكية في 2002 وتسمى اختصارا “ميبي” وتقوم بدور مساعدة المنظمات الأهلية. في سنة 2008 أعلن في تونس عن بدء تقديم المساعدات بما يزيد عن 3 مليون دولار و قع تخصيص اغلبها لفائدة الجمعيات النسائية والمنظمات المهنية.
لقد أطلقت السفارة الأمريكية في تونس برنامج “ميبي” تحت عنوان “المبادرة للتحول في تونس” خصصت له مبلغ يفوق 50 مليون دولار. هذا البرنامج يشمل إدارة برامج في كل من تونس و الجزائر ومصر ولبنان وليبيا والكيان الصهيوني، وقد نظم مكتب تونس مؤتمرات إقليمية عديدة منها “مؤتمرات نساء الأعمال” و “مؤتمرات القادة الطلاب” و مؤتمر “تدريب سيدات الأعمال الشابات”.
وفي سنة 2011 و مع سقوط نظام الرئيس بن على مولت “ميبي” منظمة “منتدى المواطنة” في برنامج شراكة مع نادي اليونسكو بباردو من أجل تكوين القيادات الشبابية بحسب الرؤية الأمريكية.
رضوان المصمودي ومركز دراسة الإسلام والديمقراطية الأمريكي
يتحدث المتابعون انه تم التسويق علنا للأهداف الأمريكية من هذه التظاهرات المتمثلة أساسا في ترسيخ فكرة التطبيع مع إسرائيل والتسويق لأهمية الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وما يسمى بالسلام الأمريكي ( pax americana).
يعتبر مركز دراسة الإسلام والديمقراطية الذي ينشط فيه القيادي في حركة النهضة رضوان المصمودي من أخطر المراكز الأجنبية المشبوهة في تونس و هذا المركز الذي يرتبط مؤسسه جون اسبوزيتو بعلاقات قوية مع جماعات الإسلام السياسي وبالذات أهم ممثل لها وهي جماعة الإخوان المسلمين يراه المتابعون من أكبر مسوقي الأنموذج الأمريكي، هذا الأنموذج اختزلته الرسالة الفضيحة الموجهة والموقعة بتاريخ 22/5/2009 من العديد من السياسيين والمفكرين و الإعلاميين التونسيين مثل المنصف المرزوقي ولطفي زيتون ورضوان المصمودي التي طالبت الإدارة الأمريكية علنا بالتدخل في الشؤون الداخلية التونسية لفرض أو بلغة أدق تعميم النموذج الديمقراطي الأمريكي على المنطقة رغم ما ثبت من معاناة الشعب العراقي من “الديمقراطية” الأمريكية بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين وبالذات ما كشفته من فضائح مرعبة في سجن أبو غريب على سبيل المثال وما ارتكبته هذه “الديمقراطية” العسكرية الأمريكية من جرائم حرب ضد المدنيين.
في مقال مثير بموقع “بوابتي” بتاريخ 3/7/2014 بعنوان “مركز الإسلام و الديمقراطية الكل يتهافت عليه ولا أحد ينبه لخطورته ” يشير الكاتب فوزي مسعود إلى أن هذا المركز الذي وصفه بالمشبوه يقوم “بتأطير عمليات انتقال الثورة التونسية من خلال الندوات التي يختار كل مرة مواضيعها والتي تدور حول محور الإسلام والديمقراطية ولكنه محور مدخل للتوجيه والإملاء الأجنبي الضمني وللمركز فرع بتونس وآخر بأمريكا، مما يعطي فكرة عن قوته المالية، وقد نظم المركز منذ أسابيع لقاء بمقره بأمريكا جمع شخصيات أمريكية مع سياسيين تونسيين، على رأسهم بالطبع الحاضر الدائم في أنشطة المركز راشد الغنوشي مع آخرين كان منهم نجيب الشابي”.
يستطرد الكاتب ليكتب أن “أنشطة المركز بتونس دورية ومكثفة، ويغطي الإعلام التونسي عموما أنشطة المركز، خاصة الإعلام الدائر في فلك حركة “النهضة”، كما يستدعى المصمودي صاحب المركز ويظهر في وسائل الإعلام المقربة من “النهضة” كقناة “المتوسط” وال”تي ان ان” وجريدة “الضمير”.
لم يقم إعلام ما سماه الكاتب بإعلام الثورة المضادة “بالحديث والتنبيه على خطورة مركز الإسلام والديمقراطية باعتباره مركزا ممولا أجنبيا يعمل على تأميم الثورة التونسية وجعلها ذات سقف أمريكي، ولعل السبب في هذا القصور على الأرجح أن جماعة الثورة المضادة أنفسهم يتلقى جلهم تمويلات أجنبية، فهم لا يرون إذن بأسا في التمويل الأجنبي والعمل الخياني عموما…”
و يختم الكاتب قائلا أن “المركز تموله جهات أمريكية، فهو منظمة مشبوهة تعمل على تحقيق أهداف الممول الأجنبي لا محالة ولم ينكر المصمودي ذاته التمويل الأمريكي لمركزه، وهو على أية حال لن يستطيع نفي ذلك” (يتبع) .
شارك رأيك