بقلم فتحي الهمامي
في 13 أوت القادم يكون قد مرّ عام كامل على الأمر الرئاسي عدد 111 لسنة 2017 المؤرخ في 13 أوت 2017 و الذي بِمُقتضاه تمّ إحداث لجنة الحريات الفردية و المساواة التي كلفت بإعداد تقرير حول الإصلاحات الواجب القيام بها في مجال الحريات الفردية و المساواة لتكون متلائمة مع مُقتضيات الدستور التونسي و المعايير الدولية لحقوق الإنسان .
و بالفعل أنجزت اللجنة المكونة من خبرات مرموقة أعمالها في ظرف أشهر معدودات و قدمت في 1 جوان 2018 تقريرها إلى رئيس الجمهورية و إلى الرأي العام الوطني .
و قد أتى التقرير وافيا شافيا ضافيا حول مواطِن الخلل الواجب تنقيحها في المنظومة القانونية التونسية٬ من قوانين قديمة عفا عليها الزمن و تجاوزها الواقع نظرا لِطابعها التمييزي إزاء المرأة و انتقاصها لِحقِها الكامل في المساواة مع الرجل إلى قوانين ذي طبيعة قهريّة تطالُ الحق الكامِل في الحرية الفرديّة و الحياة الخاصة إلى غيْرها من القوانين التي هيّ بِحاجة إلى تدقيق أو تطوير أو حتى إلى إبطال .
فالتُرسانة القانونيّة القائِمة و باعْتراف أخصائي القانون و عُلماء الاجتماع و غيْرهم أضْحى جانب منها خارج مُتطلبات العصْر بل أنّ الروح التي بُنيّت عليها بحاجة إلى مُراجعة عميقة لِترْتقي إلى مصافِ المنظومات القانونيّة العصريّة القاطِعة نهائِيا مع الاستبداد بِكافة أشْكاله و المُعززة لِقيمة الإنسان و حُقوقِه الفردية الغيرُ القابِلة للتصرفِ.
لهذا فانه من الطبيعي أنْ يُبادر المُجْتمع المدني إلى طرْح مطالِب تتعلق بِتغيير القوانين الزجرية و الظّالمة و أن تُشكّل اللّجان لِاقتراح التّعديلات و البدائل و أنْ يُبادر المُشرّع من وقت إلى الآخر إلى إعادة النّظر في المنظومة القانونيّة القائمة لِمُوائمتِها مع مقتضيات الدستور الجديد و الاتفاقيات الدولية المُصادق عليها ٬ خاصة و إننا قد :
– ارْتضيْنا لأنفُسِنا و بِالتوافقِ دستورا مدنيّا ركائزه مبدءا الحريّة و المُساواةِ الكونيتيْنِ ؟
– قررنا في الدستور أنموذجا للمُجتمع ينبذ التمييز و يساوي بين المواطنين في الحقوق و الواجبات؟ – بوّأنا الاتفاقيات الدولية المُصادق عليها مِن قِبل الدولة التونسية مكانة أعلى من القوانين المحلية؟ – عبّرنا سوى في ثورة 14 جانفي أو في مسار الانتقال الديمقراطي عن تعلقنا بِقيمتي الحريّة و الكرامة و نبذنا لِقيمتي الاستبداد و التمييز ؟ – ثابرنا على امتداد تاريخ بلادنا على انتهاج طريق الإصلاح الاجتماعي لِنُحقق من خلاله على مكاسب جمّة أصبحت جزءا من هويتها؟ – رسّخنا في عقلنا الجمْعي و وِجْدانِنا مُقاربة للإسلام اصْطفاها الطاهر الحداد و قائمة على ذلك السؤال المُفعم بالحِسِّ الاجتهادي: ” هل نقِف عند ما جاء به الإسلام أمْ نتطلّع إلى ما جاء من أجله ؟
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه نظرا للتعقيدات التي تحف بأي إصْلاح لهذا لا تلقى اقتراحات التقرير ” الثورية ” التِرحاب من قِبل شريحة تأْبى أن تُفرّط فيما تبقى لها من سلطان تاجه “المعرفة الدينية” ٬ لهذا تنتظر التقرير معارضة شديدة من قبلهم و التي بدأت طلائعها في الهجوم !
فقدرُ كلُ جديدٍ عامة أنْ يستقبل بالمُعارضةً والصدّ – لا يُسْتثنى هنا مجتمع أو عصر- لأنّه ببساطة يهزّ ما اسْتقر في ذهن الناس من مُسلمات و يُعيد النّظر في منظومة قِيمهم ٬ لذا ينْبري المُحافظون – الذي سيهزّ القادم الجديد أركان سلطتهم – يتوعدون و يُهاجمون لعلّهم يفشلون ولادة الجديد و لا يتوانوا في الاسْتناد إلى الدّين لِما يُشكّله من ثقل رمزي لِتفْسير رفضهم و إلى جمهور المُؤمنين يعبئون مشاعره الدينيّة .
و في بلادنا لا يزالون – أحفاد الشيخ محمد الصالح بن مراد المُشتهر بِمُعارضتِه للطاهر الحداد -يُؤثرون في شرائح من المجتمع لما يلقونه من دعم من قِبل الوهابية الآسرة لنفوسهم و هُم يأمْلون – بالفعل – صدّ هذا التطلّع الجديد نحو الإصْلاح بإشهار نفس ” سلاح” شيخِهم : التخويف و التضليل و اعتماد نفس أسلوب خِصْم الحداد الوارد في كتابه “الحِداد على امرأة الحداد” : التمسك بتلابيب المنظومة الفقهية القديمة منتهية الصلاحية .
فقِراءتهم للإسلام المتوارثة عن الأولين و نظرتهم الجامدة له تقدم الدين و كأنه في خصومة مع روح العصر ٬ فبِماذا سيجيبون على أسئلة الحاضر الحارقة و بِماذا سيُواجه هؤلاء استحقاقي الحرية و المساواة اللّهم التلويح بإعادة إنتاج نظام الحِسْبة المتهالك. بِالمقابل تسْتنِد اللّجنة إلى مُقاربة تحرريّة للإسلام تُواصل رُؤية الحداد و تُطورها باستيعابها الكلي لِمنْظومة قِيم حُقوق الإنْسان الكونية٬ فلوْ كُتب لتلْك المُقاربة التجسيم الكامل لتخلّص- حسب رأينا- الإسلام نهائيا من عبء تلك الشريعة التي كبّلت الإنسان و قيّدت الدولة ٬ و لا انْطلق المُسلم نحو أفاق التديّن الروحي الصِرف بعد أن تحرّر من سِجنِها الخانق .
ننْتظر – إذا – و بمناسبة عيد المرأة يوم 13 أوت القادم أن يُعزّزّ مجهود لجنة الحريّات الفرديّة و المساواة بأن :
1- يتولي رئيس الجمهورية التعبير عن تضامُنِه مع مُكونات اللّجنة لِما لحِقها من تكفير و حملة كراهية وعن التزام الدولة بالدستور و بِحماية الحق في التعبير عن الرأي و أن يقدم تصوره لآليات تجسيم مقترحات التقرير ( تقديم مبادرة تشريعية مثلا)٬
2- تقلع القِوى السيّاسية المحسوبة على الحداثة و التقدّم الاجتماعي عن وضع الانتظار و تُعلن ( كما فعل حزبا العمال و المسار) موقفها الواضح من التقرير٬
3- يتولي الاتحاد العام التونسي للشغل هذه المنظمة التقدمية العريقة تقديم رأيه الصريح في التقرير و أن يدلي بدلوه في النقاش الفكري القادم ٬
4- تُعبّر الحكومة عن التزامها بِتحييد المساجد و بتطبيق القانون على مُقترفي جريمتيْ التكفير و بث الكراهية٬
5 – ينطلق نقاش عمومي حول التقرير يُبسّط معطياته للعموم الناس و يفتح الباب لِمختلف الآراء للتعبير عن نفسها بأسلوب حضاري
6- يواصل المجتمع المدني حملات مناصرة لفائدة تقرير لجنة الحريات الفردية و المساواة .
و هكذا تُزفّ البُشرى إلى لجْنة ” بُشرى ” بمناسبة 13 أوت و يكون عيدها عيدين !
*عضو هيئة مديرة سابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
شارك رأيك