بقلم أحمد الحباسي
في سوريا سواد، في العراق سواد، في تونس سواد، في مصر سواد، في غزة دخان سواد، هذا ما جناه عشقنا للسواد من سواد، تمتعوا بالسواد أيها السواد الحامل للرايات السوداء، فلا مكان في هذه الأرض العربية للبياض أو بقية ألوان الأمل…
” يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا”… هذا ما قالت سيدة نساء العالمين مريم العذراء عندما جاءها المخاض وهي تلد سيدنا عيسى عليه السلام.
أجد في نفسي اليوم نفس المشاعر والإحساس مع الفارق طبعا بين الحادثة القرآنية المعجزة وبين الحادثة اليومية التي نعيشها في هذا الزمن السيء.
طبعا، لا أقدر الإلتزام بالصمت كما التزمت سيدة نساء العالمين بأن لا تكلم إنسيا، و لن ينفع الكلام المباح حتى تتساقط الأحداث العربية بالرطب الجنية، و لن يكون لكتم الصوت أو رفعه فائدة وعرب القوم نيام يغطون.
عروبة ناكرة، جاحدة، مائعة، بلا بوصلة…
سنوات عجاف، مع أن هذا الوطن العربي المنهك لم “ينجب” سنوات سمان، سنوات بلون السواد، فتاوى سوداء، جهاد نكاح أسود، رايات سوداء، خطب سوداء، دخان أسود، كتب سوداء و إعلام أسود.
إنها النهاية أليس كذلك؟ أم أنها البداية لسنوات النهاية، لا أدرى؟ هل ما زال أمل؟ أمل في ماذا بالتحديد؟ أمل في من بالتحديد؟ ولماذا الأمل أصلا في زمن يكره و يحقد ويخاصم ويقتل كل مبشر بالأمل، الأمل الزائف في العروبة، ما خلاص، انكشف المستور و اللي كان كان.
هذه عروبة ناكرة، جاحدة، مائعة، بلا بوصلة، ما خلاص، تعبنا كثيرا من مشوار العروبة ومن النداء على العروبة والحديث عن العروبة وباسم العروبة، ما خلاص، تعبنا، أتعبونا، أفشلونا، ضيعونا، خذلونا، ما خلاص، هؤلاء قوم لا ينفع مع بعضهم الصراخ أن أفيقوا، أن الموج قادم، أن النار ستحرق الكل، دعهم يموتون، يحترقون، ما خلاص .
انتحر محمد البوعزيزى، قالوا أنه مات منتحرا كافرا، يقولون أنه شهيد، يقولون، يقولون، يقولون، هم هكذا يتلونون، بالفطرة المعكوسة، حسب المناخ، وحسب المصلحة الأنانية الضيقة، يقولون نفاقا أنه مفجر هذه “الثورات” العربية…
أين تذهب ثورة قامت على الإنتحار؟
يعاند آخرون بأن الإنتحار لا يمثل عنوانا مطلوبا ومحبذا للثورات، يقفز الشيخ عبد الفتاح مورو زعيم المنافقين في حركة النهضة التونسية بالقول أن البوعزيزى شهيد وأمير الشهداء كمان… فهمتم شيئا، أبقوا على غبائكم، لا جدوى من محاولة فهم الأحداث العربية، فهم المتحول والثابت في هذه الأحداث، الغباء أحسن في بعض الأحيان، أين تذهب ثورة قامت على الإنتحار؟ طبعا إلى الإنتحار… لا تتعجبوا من سيول الدماء، فثورات الإنتحار تؤدى إلى الإنتحار .
يرفعون الرايات السوداء بزعمهم أنها رايات ”نبوية” و تأسيا بما يزعمون أنها الرايات التي “عاشرت” سنوات الفتوحات الأولى، لكن إذا كانت تلك الفتوحات قد فتحت هذه البلاد العربية؟ فلماذا يصرون على فتحها من جديد؟ فهل تحتاج كل هذه المآذن إلى فتح جديد وإلى مؤذنين برايات سوداء وعقول وقلوب أسود من السواد؟ لماذا تراجع شيخ الإرهاب أسامة بن لادن عن فتح “الدول المغلقة” وعادت “قواته الإرهابية” الدموية لفتح المفتوح، وكسر صمت قبور الأنبياء والصحابة والخيرين في هذه الأمة؟ و هل في نبش قبر أو تدنيسه أو نثر عظام الموتى غنيمة تعز الإسلام و المسلمين؟ وهل في انتهاك شرف مسلمة عزة للإسلام و المسلمين؟ وهل في شواء رأس مسلم مقطوع مفخرة وشهادة انتصار للإسلام على أعدائه؟
كرهت النقاب لمجرد أنه أسود، كرهت من بداخله، كرهت ذلك الإنسان الذي لا أعرفه، أريد أن يرفع النقاب الأسود حتى أراه ولتطمئن نفسي بعد أن أصبح النقاب قنبلة تؤذى ملايين البشر في جسدهم و في عاطفتهم.
أكره القنبلة المتخفية وراء نقاب، أكره الفضيلة التي تتحول في لحظة إلى رذيلة ومصيبة وخطيئة… أكره اللحية الطويلة السوداء لأنها عنوان خطاب ولغة الموت… أصبحت أتحاشى النقاب و اللحية السوداء، أتحاشى الموت ”المتحرك” في شكل نقاب ولحية سوداء… أرفض التحية و مبادلة التحية مع كل شيء متحرك أسود، الأسود يذكرني بالأبيض، بالموت، بالكفن الأبيض، حتى أنني أتساءل لماذا لا يلبسون الأبيض، لماذا يصرون على السواد، مع أنه لون كئيب، حزين، و مثير للقلق .
في سوريا سواد، في العراق سواد، في تونس سواد، في مصر سواد، في غزة دخان سواد، هذا ما جناه عشقنا للسواد من سواد، تمتعوا بالسواد أيها السواد الحامل للرايات السوداء، فلا مكان في هذه الأرض العربية للبياض أو بقية ألوان الأمل…
أقبضوا هذه الأرواح الكافرة، أصلبوها، قطعوها، رشوها و أنفضوا عليها كثيرا من البسملة الشيطانية وبعض الفتاوى السقيمة وكثيرا من التهليل القبيح كما تفعل الكلاب الجائعة المسعورة أمام قطعة لحم…
أرقصوا على الجثث وخذوا صورا للذكرى وللأحباب والأبناء، غنوا فرادى وجماعات كالمساطيل ومدمني حبوب الهلوسة، أقتلوا الوطن، الإنسان، الحجر، الزرع، اقتلوا العلم، العلماء، حفظة العلم، لا تبقوا على شيء، فمختصر الجهاد “المقدس” أن لا بقاء إلا للموتى وللدخان، هذا زمنكم، زمن السواد.
شارك رأيك