الحضارة الفرنسية ليست خالصة من الأدران والدماء والآلام والجرائم ضد الإنسانية بل لعل فرنسا لا تقل مسؤولية جزائية عن الجزار الصربي سلوبودان ميلوزوفيتش وحين نشاهد إصرار الرئيسين جاد شيراك ونيكولا ساركوزى على محاكمة جزار البوسنة متجاهلين عارهم الدموي في كل بلدان العالم تنتابنا نوبة من الغثيان.
تعد فرنسا من ألد أعداء العرب التقليديين وتعد السياسة الإستعمارية الفرنسية من أكثر السياسات قذارة وقتلا وإرهابا للشعوب العربية والإفريقية على وجه العموم، ولأن الثورة الفرنسية وخلافا لما يقول البعض أو يتصور عن حسن نية قد قامت أساسا وبالذات على الاغتيالات والقتل والكراهية والبؤس الفكري فقد كان لهذا الفكر الدموي الوحشي تواصل في الزمن والتاريخ بحيث تم استعمار عدة دول عربية وإفريقية وأسيوية بقوة البطش والسلاح والإغتصاب والنفي في المعتقلات البعيدة ولم يقف هذا الفكر الإستعماري الدموي عند هذا الحد بل استمرت الحكومات الفرنسية المتعاقبة في سياسة الإغتيالات لكل معارضيها من الرؤساء الأفارقة ومن الشخصيات ذات الوزن السياسي.
الحكومات الإستعمارية الفرنسية استعملت كل الأساليب الوحشية
في هذا السياق استعملت الحكومات الفرنسية الإستعمارية الهوى كل الطرق والأساليب الوحشية للنيل من هذه القيادات الوطنية وكان هناك دور لبعض العصابات المتطرفة مثل منظمة “اليد الحمراء” ولكل الأجهزة الإستخبارية المدنية والعسكرية الفرنسية في حملات استهداف المعارضين للسياسة الإستعمارية الفرنسية.
إثنان وعشرين رئيسا إفريقيا من كبار الزعماء الافارقة تم اغتيالهم بالتمام و الكمال منذ سنة 1963 دون احتساب اغتيال المناضلين الجزائريين و التونسيين والمغاربة وعلى رأسهم طبعا المناضلين الكبيرين فرحات حشاد والهادي شاكر والمهدى بن بركة.
لا يجب أن ننسى عدد الإنقلابات الدموية التي دبرتها فرنسا بمساعدة المرتزق الشهير بوب دينارد أو سعت لإحباطها في آخر لحظة مراعاة للمصالح التآمرية الفرنسية والتحقق من الأمر ولعل تدوين الشهادات والتثبت من المعلومات والوثائق يحتاج إلى أطنان من الورق والحبر ويكفى أن نقول أن فرنسا لم تشأ إلى اليوم فتح خزائن أرشيفها السياسي لمعرفة خفايا اغتيال الزعيم حشاد والمهدي بن بركة وغيرهما من الرفاق الأفارقة والمغاربة ـ أيضا رفضت فرنسا الاستعمارية الإعتذار على حقبة استعمارها للدول المغاربية والإفريقية وبقيت صماء أمام كل النداءات الصادرة في هذا الغرض رغم اعتذارها لليهود عن الحقبة النازية وما حصل لهم في فرنسا.
تواطؤ الإستخبارات الفرنسية في عمليات اغتيال كثيرة
لا يجب أن ننسى أن فرنسا حاولت عديد المرات اغتيال الرئيس الجزائري المرحوم هوارى بومدين وعبد العزيز بوتفليقة وقد تم كشف هذه المحاولات القذرة من أجهزة البوليس الجزائري وتمت عدة محاكمات لهؤلاء القتلة الذين تصرفوا بأوامر من السلطة الفرنسية كما جاء في الأبحاث والغريب أنه لا أحد من جماعة حقوق الإنسان في فرنسا وفي الدول الغربية قد رفع يده للتنديد بهكذا تصرفات مما يؤكد سياسة المكاييل المختلفة التي تعتمدها دكاكين حقوق الإنسان في التعامل مع مثل هذه المسائل الإنسانية.
ربما لا ينتبه البعض إلى تواطؤ الإستخبارات الفرنسية مع المخابرات الصهيونية لاغتيال الشخصيات والكوادر الفلسطينية المطلوبة للإحتلال كما لا ينتبه البعض إلى دور هذه المخابرات في التغطية على الإغتيالات الصهيونية للعلماء العرب في باريس ومن بينهم عالم الذرة المصري الشهير يحي المشد وغيره كما يتجاهل البعض أن هذه المخابرات قد كان لها نصيب الأسد في اغتيال الكوادر الفلسطينية في تونس ومنهم أبو جهاد وأبو إياد خاصة بالنظر إلى علاقة تبادل المعلومات بين فرنسا وإسرائيل منذ عهد الرئيس شارل ديغول نفسه ونذكر هنا حادثة تهريب غواصات شربورغvedettes de Cherbourg) ) وتقديم المعلومات في عملية اكيلى لاورو الشهيرةَAchille Lauro) )، كما لا يجب أن ننسى دور المخابرات الفرنسية في إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين وفي اغتيال بعض قيادات حزب الله هذا الدور يعلمه الجميع خاصة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومحاولة هذه المخابرات إلقاء التهمة على الجانب السوري في البداية وإعطاء الذريعة للدبلوماسية الفرنسية لاستصدار القرار 1559 لإخراج سوريا من لبنان ثم على حزب الله حتى يتم تشويهه من طرف الدول الخليجية كما حصل عند قيام الجامعة بوصفه بالإرهاب.
من قتل الرئيس البوركينابى توماس سانكرا يوم 15 اكتوبر 1987؟ …لعل تصاعد حملات النواب والشخصيات الفرنسية للمطالبة بفك الأختام على الأرشيف الفرنسي لمعرفة مدى مشاركة المخابرات الفرنسية في عملية الاغتيال وإصرار السلطات الفرنسية على الرفض تفضح التورط الفرنسي ومحاولة الرئاسات الفرنسية المتعاقبة التستر على الجهاز وعلى بعض تجاوزات السلطة الفرنسية في حق الشعوب الإفريقي.
الحضارة الفرنسية ليست خالصة من الأدران والدماء
لذلك لم يأخذ البعض تصريحات الرئيس فرانسوا ماكرون في القمة الإفريقية الأوروبية وفي بوركينا فاسو بالذات عندما لمح إلى قرب رفع الحظر على الأرشيف الفرنسي، ربما لم يحاول البعض استثارة الرئيس الفرنسي بالحديث عن الجرائم المرعبة التي ارتكبتها القوات الفرنسية في عدة دول افريقية بحجة إعادة الأمن أو الديمقراطية في تلك البلدان ولكن التاريخ سيبقى يتذكر كل هذه الجرائم وبالذات جرائم المرتزق الشهير بوب دينارد ليقول للعالم أن الحضارة الفرنسية ليست الحضارة الخالصة من الأدران والدماء والآلام والجرائم ضد الإنسانية بل لعل فرنسا لا تقل مسؤولية جزائية عن الجزار الصربي سلوبودان ميلوزوفيتش وحين نشاهد إصرار الرئيس جاد شيراك ونيكولا ساركوزى على محاكمة جزار البوسنة متجاهلين عارهم الدموي في كل بلدان العالم تنتابنا نوبة من الغثيان.
منذ فترة صدر في فرنسا كتاب مهم بعنوان “الرئيس لا يجدر أن يقول هذا”، يقول الرئيس فرانسوا هولاند بأنه أجاز لأجهزة الاستخبارات الخارجية الفرنسية تنفيذ أربعة عمليات اغتيال على الأقل، اغتيالات تهدف لتحقيق مصالح فرنسا في الدول التي تمت فيها عمليات الاغتيال القذرة.
يقول الرئيس بلا خجل أن الإغتيالات آلية سياسية معتمدة في فرنسا مما طرح لدى المراقبين التونسيين السؤال حول هل يمكن أن يكون من بين هؤلاء الشخصيات المستهدفة الزعيمان شكري بلعيد ومحمد البراهمى وهل أن عمليتي الإغتيال قد جاءت في سياق إسقاط حركة النهضة وإعادة المنظومة الحاكمة القديمة في تونس الموالية للمصالح الفرنسية القديمة خاصة و أن التحقيقات قد دلت على وجود أصابع خارجية أجنبية بقيت مجهولة نتيجة ما حف بهذه التحقيقات من تشويه و محاولات طمس حقائق و أثار للجريمتين ولعل هناك من يشير إلى الإرهابي أبو بكر الحكيم السجين السابق بفرنسا والذي تم إطلاق سراحه من المخابرات الفرنسية قبل مدة من الفاجعتين اللتين هزتا المشهد السياسي التونسي إلى الآن بشكل لم يسبق له مثيل.
طبعا نحن إزاء سياسة دولة تنفذ الإغتيالات لأهداف سياسية بل نحن أمام دولة إرهاب تتحدث في المحافل الدولية عن مكافحة الإرهاب.
ما لا يعرفه البعض أن المخابرات الفرنسية قد استعانت بعملاء ومخبرين وقتلة من اليمين الفرنسي المتطرف في كثير من عمليات الاغتيالات التي تمت في كثير من دول العالم من بينها اغتيال المناضل فرحات حشاد ولعل ما جاء في كتاب “رواية حقيقية لفاشى فرنسي” عن مشاركة اليمين المتطرف في اغتيال المناضل ضد الاستعمار هنري كوريال في 4 ماى 1978 بباريس يعطى مزيدا من الأدلة حول هذا التورط خاصة وقد عملت الإستخبارات الفرنسية على طي ملف التحقيق فضلا عما كشفته التحقيقات من تورط الرئيس الفرنسي السابق فالبرى جيسكار ديستان و موافقته على عملية الاغتيال التي هزت المجتمع الفرنسي في تلك الفترة لما عرف به الرجل من مساندة لقضايا التحرر العربية، و رغم أن النائب الفرنسي الإيكولوجي نوال مآمير كان قد طالب بإنشاء لجنة تحقيق مستقلة واصفا هذه الجريمة “بعملية اغتيال صادرة عن دولة ” فلا يزال المطلب قيد الدرس ولا تزال الحكومات الفرنسية المتعاقبة تخفى حقائق مرعبة عن دور المخابرات الفرنسية.
شارك رأيك