بقلم الحبيب القزدغلي
برحيل المفكر الكبير سمير أمين – الذي غادرنا مؤخرا- يفقد الفكر الاشتراكي لبلدان الجنوب، الإفريقية و الآسيوية منها خاصة، أحد أهم منظريه في قضايا كانت و لا تزال أساسية،
بالرغم من التحولات العميقة التي شهدها العالم على الأصعدة الاقتصادية و الجغرا- سياسية و الأيدولوجية طيلة الفترة التي تواصل فيها إنتاجه الثري و الغزير و المتنوع، أي منذ ستينات القرن الماضي. اهتم سمير أمين على مدى أكثر من خمسين سنة بقضايا تحرر المستعمرات القديمة و تنميتها و بمسألة فك الارتباط بالمنظومة العالمية الرأسمالية و بالتمركز على الذات الأوروبية كأيديولوجية هيمنة على الصعيد العالمي ثم بالطرح النظري الهادف لإرساء عولمة بديلة. و المتابع لتطور فكره يرى بوضوح أن المجهود النظري للرجل لم يكن نتيجة مجرد ترف فكري و انما كان تجسيدا لالتزامه القوي بالعدالة الاجتماعية و بقضايا تحرر شعوب العالم الثالث وانعتاقها.
مثلت النظريات و المفاهيم التي بلورها سمير أمين أدوات تحليل و منهجا لتجديد الأفكار اعتمدها أجيال من اقتصاديي و علماء اجتماع و مثقفي هذه الشعوب الأمر الذي مكنهم من القيام بتحليل نقدي للعلاقات الاقتصادية بين الشمال و الجنوب، فتبنوا قراءته للتبادل اللامتكافئ و للتنمية اللامتكافئة و فكرة التناقض بين المركز و الأطراف، الذي أصبح يشكل في نظره التناقض الرئيسي للمنظومة الرأسمالية عوضاً عن التناقض الطبقي في مجتمع واحد كما كان الشأن عند ماركس. ولئن ظل سمير أمين ماركسياً إلى آخر حياته -كما ذكر بذلك في تونس خلال المحاضرة التي القاها بالمركب الجامعي بالمنار يوم 27 فيفري 2015 أمام جمهور غفير من الأساتذة و الطلبة- فإنه يعتبر من المفكرين العرب النادرين الذين نجحوا في تطوير و إثراء و خاصة تجذير النظرية الماركسية في محيط غير غربي و ذلك بعد النجاح في نقد الأيديولوجيا المتمركزة على الذات الأوروبية و إبراز رواسب هذه الأيديولوجيا عند ماركس نفسه.
لقد استطاع سمير أمين بفضل المراجعات النظرية التي قام بها والمفاهيم الجديدة التي استنبطها أن ينجح في تطوير النظرية الاشتراكية ويتجاوز المركزية الفكرية الأوروبية. ولكل هذه الأسباب سيبقى التراث الفكري لسمير أمين مصدر إلهام لكل مثقفي العالم وللجنوبيين منهم بالخصوص لبناء المقاربات والنظريات النقدية لديهم خدمة لأوطانهم ومصالح شعوبهم.
للاشارة فقد توفي الكاتب والمفكر الاقتصادي المصري سمير أمين في باريس مساء الأحد 12 اوت 2018 عن عمر ناهز 87 عاما. ويعد أمين من أبرز خبراء الاقتصاد في العالم ومن مؤسسي نظرية المنظومات العالمية.
*أستاذ التاريخ المعاصر ورئيس مخبر التراث بمنوبة
شارك رأيك