تهاطلت الأمطار بغزارة في عدد من الأحياء التونسية يوم الجمعة 17 أوت 2018، لكن حباتها كانت قليلة في قرطاج ولم تمنع الجمهور من التوافد في ليلة المهرجان الأخيرة. جمهور كبير العدد جاء وهو يعي أنه سيعيش أجواء استثنائية وسينصت إلى الموسيقى التونسية المحببة إلى نفسه بأسلوب وتقنيات جديدة.
على ركح المسرح الروماني بقرطاج كنا أمام مجموعتين موسيقيتين الأولى هي أركستر وأصوات أوبرا تونس بمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة بقيادة محمد بوسلامة والثانية يقودها مهندس العرض محمد علي كمون وتتكون من عازفين على الكمنجة ( منهم زياد الزواري)، والناي، والإيقاع (لطفي صوة)، والباطري، والباص، والطبلة، والزكرة، إضافة إلى البيانو الذي عزف عليه قائد المجموعة محمد علي كمون الذي لم يكتف في ليلة اختتام الدورة الرابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي بالعزف وقيادة الفرقة بل غنى أيضا ورقص احتفاء بعطوره الأربع والعشرين، هي نتاج جولاته بين عدد من المناطق التونسية مسجلا سحرها الموسيقي ومترجما أبرز أحداثها بنوتات يمتزج فيها عطر الموسيقى التونسية وروحها بنكهة أركسترالية فخمة.
الإحتفاء بثراء الموروث الموسيقي التونسي
هذا المزج بين المجموعتين، مع براعة العازفين والحرفية العالية لأركستر وأصوات أوبرا تونس سمحا للعرض بأن يكون على مستوى عال من الجودة في التنفيذ، كما جاءت النغمات متفردة فيها مزيج مثير بين الموسيقى التونسية الصحراوية ، تلك الموسيقى التي تذكرنا بالموسيقى الغجرية، والموسيقى البدوية، والمالوف، والموسيقى الصوفية والشاوية بالموسيقى السنفونية مع نغمات الجاز جعلت الجمهور يصفق ويرقص ويهتف إعجابا بثراء الموروث الموسيقي التونسي الطيع بما يسمح بالاشتغال عليه بشتى الأساليب دون أن يتخلى عن تفرده وعن عمقه…
كل هذا مع عطر بصري متمثلا في اللوحات الكوريغرافية التي رافقت بعض الوصلات والشاشة الخلفية المتحركة.
قدم محمد علي كمون في عطوره ست لوحات، افتتح كل واحدة منها بمقدمة موسيقية، واستهل عرضه بنوبة مالوف و”جبل زغوان”، وتميز سفيان الزايدي كعادته في آداء هذا اللون، ثم حط عند اللوحة الشاوية التي افتتحها بمعزوفة “سيكافينيرا” متبوعة بأغنية “ناقوس” وغيرها من الأغاني التي تميزت الفرقة في تنفيذها، ثم اهتز المسرح الروماني بقرطاج مع العطر البدوي الذي افتتحه بمعزوفة “نفطة” وفي تنفيذها أثبت زياد الزواري من جديد براعته في العزف على الكمنجة وهو اليوم عالمي الصيت وله مشاريعه الخاصة. وقدم كمون في هذا العطر ثلاث أغان تحفظها الذاكرة التونسية وأعادت اكتشافها في العرض: “ريت النجمة”، “حبيب خاطري”، و”شية شية”.
خلطة موسيقية عجيبة أثرت في الحاضرين
*المحطة التالية في العرض كانت مع العطر العباسي وفقرة من التراث الجربي والقرقني افتتحها بمعزوفة “عباسية”، تلتها الحضرة النسائية بالمقطوعة الموسيقية “سيدي بوجعفر” وبالجلوة الصفاقسية والساحلية مع أغنية “قولوا لأم الزين”.
وانتهى العرض بالعطر الصوفي مع معزوفة “دار شعبان” وأغان تسمو بالروح من “يا بيضاء” إلى “لميمة”، ومعزوفة “السمراء”.
الجميل في عرض “24 عطر” أن الفنان محمد علي كمون حافظ على تقنيات الآداء البدوي والأندلسي والصوفي والشاوي مع أصوات متميزة: سفيان الزايدي، مريم الكناني، ليليا بن شيخة، مريم بوشلغومة، معتصم الأمير، الشاب فوزي، وغيرها من الأصوات المتفردة القادمة من مختلف الجهات التونسية… خلطة عجيبة أثرت في الحاضرين ممن صفقوا طويلا للعطور في نهاية العرض وأشادوا باختتام ناجح للدورة الرابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي.
(بلاغ).
شارك رأيك