في هذه التدوينة يعلن النائب الصحبي بن فرج أن تونس اليوم في مفترق طرق صعب، فإما أن تركع الدولة بمن فيها (بقطع النظر عن الأشخاص) لشبكة شفيق جراية وإما أن تنحني هذه المنظومة للدولة وتسلّم بسلطتها.
بقلم الصحبي بن فرج*
الجميع يعرف شبكة شفيق الجراية، ربما مثّل غيابه عن الساحة فرصة لنسيان أو لتناسي ما بناه الرجل طيلة ستة سنوات ما بعد 14 جانفي: شبكة تتكون من عشرات النوّاب، عديد الوزراء، أحزاب سياسية، ولاة ، معتمدين، قضاة، محامين، صحفيين، مدوّنين سياسيين، رجال مال وأعمال، إطارات إدارية عليا، إطارات أمنية وديوانية، صحف وقنوات تلفزية، والقائمة تطول، بالاضافة طبعا الى شبكة علاقات دولية متنوعة وممتدّة مركزها طرابلس وممتدة الى أوروبا، تركيا والخليج.
لو توفر للرجل البعض من الوقت أو القليل من “المقبولية” او شئ من الثقافة او المعرفة أو الوجاهة …
جمهورية شفيق أخطر من شبكة شفيق
لكنا اليوم نعيش فعلا في جمهورية شفيق الأخطر من شبكة شفيق هي المنظومة التي أنتجت شفيق، المنظومة التي تحرك شفيق الجراية ضمن ألياتها وقوانينها وعناصرها، هذه المنظومة تمكّن أي شخص، أي شخص أو مجموعة لها ما يكفي من الذكاء والعلاقات والأموال من بناء شبكة أو لوبي أو مركز ضغط بنفس حظوظ ونفوذ وتأثير شبكة شفيق الجراية: يكفي أن تجمع عددا من النواب على مجموعة من السياسيين النافذين مع ثلّة من الإعلاميين والمدونين وإذاعة أو تلفزة خاصة… كي ننطلق على بركة الله.
جميعنا يعلم أن منظومة ما بعد 14 جانفي أنتجت عشرات الشبكات واللوبيات ومراكز الضغط الوطنيّة والجهوية وحتى القطاعية متفاوتة القوة والنفوذ والتأثير، تتقاسم المصالح والغنائم فيما بينها وتحتكر لأعضائها المنافع والتسهيلات، ونحن نتحدث عن مصالح بآلاف المليارات وعن تأثير حاسم في القرار السياسي والاقتصادي للجمهورية الثانية وعن خراب ممنهج ومهيكل للسياسة والإقتصاد والدولة والمجتمع لمصلحة مجموعات مالية/سياسية/إعلامية تتحكم في كل شئ من وراء الستار.
قوة هذه الشبكات تكمن في معرفتها الدقيقة بالمفاصل الرخوة للدولة واستغلالها المُتقن لكل الثغرات لتنفيذ ما تشاء وتمرير ما يتماشى مع أغراضها ومصالحها وبالتالي لا أمل في أي إصلاح في ظل سطوتها ونفوذها… لا إصلاح ضريبي ولا مكافحة التهريب ولا مقاومة الفساد ولا تأهيل الديوانة ولا رقمنة الاقتصاد ولا تعصير الإدارة ولا مراقبة مسالك التوزيع ولا استغلال عادل ولا تثمين للثروات الوطنية…
نحن نتحدّث ببساطة عن المنظومة التي خرجت من رحمها شبكة شفيق، وقادرة على إنتاج نسخ أخرى من شفيق.
يوسف الشاهد يضرب رأس الأخطبوط
جريمة يوسف الشاهد أنه تجرّأ يوما وفقأ عين الأخطبوط (شبكة شفيق) فتحركت الأذرع في كل الاتجاهات (كامل المنظومة، ربما لم يكن يعلم يوسف الشاهد يوم 23 ماي 2017 أنه بضرب رأس الشبكة، مهما كانت الأسباب أو الآليات أو المنهجية أو المسار وحتى المشروعية القانونية …) قد أصبح عمليًّا العدوّ الوجودي لكامل الشبكة، ولكن وبالخصوص لكامل المنظومة التي استشعرت الخطر الداهم عليها، عاجلا أم آجلا، فكان فعلها المباشر أقوى بكثير من ردّة فعل شبكة شفيق … وأكثر تركيزا، وأعمق أثرًا وأشد مفعولاً.
مخطىء (أو مغالِط) من لا يضع في أعتباره وتحليله وفهمه للأحداث، معطى إيقاف شفيق الجراية يوم 23 ماي 2017 وغافل (أو متغافل) من لم يتجاهل أن إسقاط يوسف الشاهد يمثّل هدفًا حيويا ومصيريا لشبكة شفيق وأذرع منظومة “ما فوق” شفيق.
دعكم من مسائل الفشل، والنمو، والدينار والتضخم وانقطاع الماء والدواء وتأخر الجرايات، وكلها مواضيع هامة وجدية وخطيرة تُناقش موضوعيا في إطارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وسياقها الزمني وليس بإسقاطها حصريًّا وبطريقة مبتذلة على رأس يوسف الشاهد بدون أي إعتبار لأمراض النظام السياسي، وعِلل الأحزاب الحاكمة، ونقائص مجلس النوّاب، وكارثية الوضع السابق لتسلم الحكومة لمقاليد الحكم …….. بالتأكيد لا يعني ذلك تبييض الحكومة ورئيسها من مسؤلية الوضع الاقتصادي الحالي ولا أن كل من يعارض الحكومة أو يطالب بإسقاطها أو إقالة يوسف الشاهد يعمل ضمن صفوف الشبكة أو المنظومة…
يجب أن نتوقع الأسوأ من الشبكة ومن… المنظومة
لم أقل هذا أبدا ولكن، وكما أعرف جيّدًا قدرة المنظومة العميقة على تحريك أذرعها وعملائها فإني أعلم أيضا وبالتدقيق قدرتها على توجيه نظر الرأي العام (والخاص) نحو الزاوية التي تختارها…
تذكروا أنها منظومة متكاملة الأركان وممتدة “الأطراف” ومتنوعة الأشكال، ومتعددة المواهب والاختصاصات والمصالح.
يوسف الشاهد ليس معصومًا من النقد ولا محصّنا ضد المعارضة ولا ممنوعا من الإقالة أو الاستقالة ولا أفضل رئيس لأفضل حكومة أُخرجت للناس … لمجرد أنه أمر بإيقاف وسجن شفيق ولكن، تأكدوا أنه لو أن يوسف “طفّى الضوّ” على شفيق لكان اليوم ينعم بكل الدعم والتأييد والمباركة والحِلم مع نفس نسب النمو والتضخم الحالية، وبنفس سعر الدينار الحالي ونفس مشاكل الماء والدواء والجرايات…
لذلك، لا أستغرب اليوم مما يقع وَلن أستغرب أبدا مِمَّا سيقع لأنني أتوقع الأسوأ من الشبكة ومن… المنظومة.
نحن اليوم في مفترق طرق سيحدّد مستقبل تونس في العقد القادم، إما أن تركع الدولة بمن فيها (بقطع النظر عن الأشخاص) وإما أن تنحني المنظومة للدولة وتسلّم بسلطتها.
- نائب في مجلس نواب الشعب.
شارك رأيك