كشفت منظمة أنا يقظ أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية دفعت 250 مليار نظير شرائها لالتزامات وتعهدات ورخص منتهية وديون شركة “PA RESOURCES” مشيرة إلى أن الحقل الوحيد الذي قد يكون ذا مردودية يواجه صعوبات تقنية ومالية ولوجستية في الوقت الذي شهدت فيه هذه المؤسسة الوطنية تراجعا بـ24% في عائدات الاستغلال بخسارة قدرت بـ297 مليار سنة 2016.
وفي ما يلي نص الدراسة التي نشرتها المنظمة:
أنفقت المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ما لا يقل عن 250 مليار، نظير اقتنائها حقوق والتزامات شركة PA Resources السويدية بتونس، رغم انتهاء كل رخص البحث عن البترول وضعف مردودية حقول الاستغلال التي اقتنتها، بينما يبقى أهم حقل أوفشور (حقل زارات) اشترته هذه المؤسسة العمومية، المتوفر على احتياطي هام من النفط، وفق تقديراتها، رهين تذليل كل الصعوبات التقنية والمالية واللوجستية.
فقد اشترت المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (”إيتاب”) في 2016، من الشركة السويدية التي كانت تستثمر في قطاع المحروقات بتونس مجموع 4 رخص بحث وهي زارات وجلمة ومكثر وجناين الوسطى و4 امتيازات استغلال وهي الدولاب وطمسميدة وسمامة وديدون بالإضافة الى زارات.
حقيقة الكلفة الجملية لـ”وردة”
كلّفت الصفقة 31 مليار من المالية العمومية كقيمة أولية حسب اجابة “ايتاب” على مطلب نفاذ لمنظمة أنا يقظ، بينما تشير مختلف المعطيات والوثائق والبيانات الأخرى التي حصلت عليها أنا يقظ من المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ووزارة الطاقة الى أن السعر الحقيقي لهذه الصفقة قد بلغ أضعاف ما تم الإعلان عنه. نتحدث عن كلفة جمليّة بما بـ 250 مليار.
تؤكد البيانات التي وفّرها الرئيس المدير العام الحالي للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية منصف الماطوسي لمنظمة أنا يقظ بتاريخ 1 جوان 2018، إثر مطلب نفاذ الى المعلومة ان الكلفة الجملية للصفقة التي تبلغ 250 مليار موزعة كالآتي:
عملية الاقتناء: 31 مليار
التعويض للعمال: 19 مليار
عملية هجر ديدون: 168 مليار
حفر بئر في رخصة الزارات: 7 مليارات
مسح زلزالي في رخصة جلمة: 15 مليار
حفر بئر في رخصة مكثر: 10 مليار
يذكر ان مبلغا ماليا بقيمة 250 مليار قد يوفّر ما لا يقل 6 آلاف موطن شغل أو يساهم في ترميم ما لا يقل 2500 مدرسة اذا تم استثماره وفق مبادئ الحوكمة الرشيدة في المالية العمومية، وفق ما أكده المستشار الاقتصادي عز الدين سعيدان في تصريح لمنظمة أنا يقظ.
معطيات متضاربة وأخرى خاطئة
في الثالث من شهر ماي 2016 استغل محمد العكروت، الرئيس المدير العام السابق للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، اجتماعا لمجلس إدارة المؤسسة ليطالب أعضاء مجلس الإدارة بتأجيل النظر في بقية نقاط جدول أعمال المجلس، مقترحا مناقشة نقطة إضافية لم تكن مدرجة في جدول الأعمال.
تعلّقت هذه النقطة باقتناء حقوق والتزامات سندات المحروقات السارية بتونس، الراجعة بالنظر لشركة PA Resources ، في حين طلب العكروت التعامل مع هذا المشروع في إطار السرّية نظرا لطبيعة المناخ التنافسي لهذه العملية.
أما عن الحقوق والاتزامات التي اقتنتها المؤسسة الوطنية فتتمثل في 45% من رخصة البحث زارات و35% من رخصة البحث جلمة و45%من رخصة البحث مكثر و30% من امتياز ديدون و70% من امتياز دولاب و70% من امتياز سمامة و95% من امتياز طمسميدة.
في سياق استعراضه لتفاصيل الصفقة وضّح محمد العكروت أن أصول الشركة السويدية في تونس تضم بالإضافة الى رخص البحث وامتيازات الاستغلال، معدات حفر وتطوير ومرافق انتاج وقطع غيار وحجم احتياطي ثابت بقيمة لا يقل عن 106مليار.
من جهته “أفاد السيد ياسين المستيري المدير العام المساعد بالمؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية ان هناك من المعدات النفطية لحفر بئر بأكمله، مشيرا الى أنه قام بمعاينة المخزون بنفسه وتأكد من حسن تخزينه”، وفق ما جاء في محضر اجتماع مجلس إدارة ETAP رقم 185 لسنة 2016، في حين يشير جرد لمعدات الشركة السويدية بتونس حصلت عليه أنا يقظ إثر مطلب للنفاذ الى المعلومة الى أن 32% من المعدات ليست صالحة للاستعمال. لقد اعتبرها هذا التقرير مجرّد خردة scraps.
وأطنب العكروت في الثناء على هذه الصفقة، واصفا إياها بـ”الفرصة الثمينة التي ستمكّن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية من مباشرة عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج كمشغل “، ومبشّرا بإمكانية مساهمة تطوير حقل زارات في تشجيع تطوير الحقول الصغيرة الموجودة بخليج قابس على غرار حقلي عليسة ويوغرطة، وهو ما أكده في تصريح لأنا يقظ بحديثه عن تنزل هذه الصفقة في اطار توجه استراتيجي للدولة التونسية لضمان احتياطي غازي من شأنه المساهمة في التخفيض في التبعية الطاقية للخارج.
المعطيات التي قدّمها العكروت خلال الإجتماع الأول لمجلس إدارة المؤسسة بتاريخ 03 ماي 2016 كانت متضاربة مع ما قدّمه في الاجتماع الثاني بتاريخ 5 اوت 2016 ما يعني تسرّعه في ابرام الصفقة رغم ضبابية المعطيات الاقتصادية ودون دراسة جدوى في بادئ الامر.
في البداية تحدث محمد العكروت عن إمكانية تحمّل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية لمصاريف هجر امتياز ديدون بقيمة 42 مليون دولار وتكفّل الشركة السويدية بايداع مبلغ 2 مليون دولار كتعويض عن الموظفين المنتظر تسريحهم، ثم تراجع خلال الاجتماع الثاني مؤكدا ارتفاع كلفة هجر امتياز ديدون الى 70 مليون دولار وتخصيص المؤسسة التونسية لمبلغ 8 مليون دولار لتعويض موظفي الشركة السويدية، ورغم ذلك حظي طلب الرئيس المدير العام بموافقة مجلس الإدارة على إهدار ما لا يقل عن 250 مليار في الصفقة.
كما جاء في محضر اجتماع مجلس إدارة المؤسسة إن عضو مجلس الإدارة رشيد بن دالي قد أبرز” أنه نظرا للصفة الاستعجالية وسرية المفاوضات، لم يتسنى لأعضاء المجلس دراسة معمّقة للموضوع وطالب ادراج كل المعطيات والبيانات في تقرير تفصيلي يتضمن عدة نقاط من بينها الجدوى الاقتصادية للصفقة بالنسبة للدولة وللمؤسسة باعتبار جميع الجوانب الترتيبية والقانونية بما في ذلك كلفة الهجر بعد الإنتاج والالتزامات السابقة للشركة السويدية والاحتياطات المتبقية للإنتاج الاقتصادي للحقول وخطة المؤسسة في الاستمرار في استغلال الحقول والمنشآت النفطية البرية والبحرية باعتبار أن هذه الصفقة ستعجّل بتفعيل دور المؤسسة كمشغّل لأول مرة بدون سابق استعداد من الناحية التنظيمية والفنية والهيكلية.”
وبما إن مجلة المحروقات تشترط حصول الشركة المُحيلة لأي رخصة استكشاف او بحث امتياز استغلال على ترخيص من الوزير المكلف بالمحروقات بناء على رأي بالموافقة صادر عن اللجنة الاستشارية للمحروقات، توجّه العكروت الى كل من وزارة الطاقة واللجنة الاستشارية للطاقة، ولكن قبل ذلك حاول شراء أسهم الشركة السويدية لكنه جوبه برفض وزارة الطاقة وفق ما أكده وزير الطاقة السابق منجي مرزوق لأنا يقظ.
قضية الإحالة بين أروقة الوزارات
طيلة السبعة أشهر الأخيرة من سنة 2016، شهدت كل من رئاسة الحكومة وزارة الطاقة وزارة المالية ووزارة الخارجية والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وسفارة تونس بستوكهولم والبنك المركزي التونسي وشركة PA RESOURCES بتونس وشركة المشتركة للنفط تصاعدا للنقاشات والمفاوضات والضغوطات، فضلا عن تبادل ما لا يقل عن 32 مراسلة داخلية بين كل هذه الوزارات والإدارات.
وفي خضم ارتفاع وتيرة الجدل حول الجدوى من هذه الصفقة، لجأ وزير الطاقة والمناجم منجي مرزوق الى عقد اجتماع سرّي جمعه بالعديد من الخبراء في الطاقة لمناقشة “قضية وردة” لست ساعات مطولة بالوزارة، للنظر في مردوديتها وانعكاساتها. وقد تم تشفير الملف بإسم قضية “وردة” للتكتم على صفقة إحالة حقوق والتزامات شركة PA RESOURCES في انتظار الحسم فيه.
ويبدو من خلال محتوى مراسلة توجّه بها وزير الطاقة الى المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بتاريخ 28 جويلية 2016 رفض وزير الطاقة في مرحلة أولى الموافقة على عملية الإحالة بسبب:
تضارب البيانات المدرجة بالدراسة الاقتصادية في نسخها المتتالية
غياب بعض البيانات الخاصة بالملف الاجتماعي بخصوص أعوان الشركة السويدية وكذلك التعويضات المزمع صرفها لهم
عدم تأكد الصلة بين الصفقة وتطوير الدور الاستراتيجي للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وتحوّلها الى مشغّل OPERATEUR
عدم وقوف تطوير مشروع غاز خليج قابس على عملية اقتناء أصول والتزامات PA RESOURCES
عدم تسوية الوضعية الجبائية للشركة السويدية وفروعها بتونس.
واللافت ان وزير الطاقة هو نفسه الذي وافق قبل شهر في اجتماع للجنة الاستشارية للمحروقات وبصفته رئيسا للجنة على إتمام عملية الإحالة مع التنصيص مشترطا:
تكثيف النقاش مع المشتركة للنفط لإتمام اتفاقية الاستغلال الموحّد وخطة التطوير المشتركة قصد عرضهما على المصادقة
إتمام إجراءات اسناد امتياز استغلال زارات وذلك بايداع خطة واضحة لتطويره تشمل برنامجا زمنيا محددا وطريقة تصرف وتشغيل واضحة
أموال طائلة مقابل رخص منتهية
بالتمعن في مختلف رخص البحث وامتيازات الاستغلال التي اقتنتها “إيتاب” من الشركة السويدية من اليسير اكتشاف انقضاء الآجال القانونية لكل هذه الرخص.
في هذا السياق توجهت أنا يقظ بمطلب للنفاذ الى المعلومة الى المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية للاستفسار عن أجال انتهاء رخص البحث وامتيازات الاستغلال التي اشترتها من الشركة السويدية فكانت الإجابة كالاتي:
رخصة جلمة الموجودة في ولاية سيدي بوزيد: انتهت اجالها في 26 سبتمبر 2016 أي بعد اقتنائها بأشهر. كما وقعت هذه الرخصة تحت طائلة القوة القاهرة أي في منطقة عسكرية
رخصة جناين الوسطى بالقصرين: انتهت آجالها في 15 مارس 2018
رخصة مكثر بسليانة: انتهت آجالها في 10جويلية 2016 ودخلت تحت طائلة القوة القاهرة ثم تمت اعادتها الى السلطة المانحة (الدولة التونسية) لتصبح منطقة حرة BOLC LIBRE
رخصة زارات بخليج قابس: انتهت اجالها في 24 جويلية 2012. تعتبر هذه الرخصة في حالة توقف (STAND BY) الى حين مصادقة مجلس نواب الشعب
اكتشاف زارات بخليج قابس: استوفى جميع التمديدات والتجديدات القانونية في 24 جويلية 2012 دون ان يوافق المجلس التأسيسي على طلب تمديد بثلاث سنوات في مدة صلوحية التجديد الثالث
امتيازات دولاب وسمامة وطمسميدة: تنتهي اجالها بين 2018 و2027 وتشكو من وضعية اقتصادية صعبة وعديمة الجدوى مع نفاد احتياطها
ينص الفصل 61 من مجلة المحروقات على أن “يعيد صاحب رخصة الاستكشاف أو رخصة البحث أو امتياز الاستغلال، المساحات المرجعة أو مواقع الاستغلال المتروكة الى حالتها الاصلية، عند انقضاء رخصة البحث سواء بنهاية أخر فترة صلوحيتها أو التخلي أو الإلغاء أو عندما يقرّر صاحب امتياز الاستغلال انهاء أنشطة الاستغلال بما من شأنه الا يلحق، على المدى القصير أو الطويل، ضررا بسلامة الغير أو بالبيئة والموارد..
وتخضع عمليات ترك مواقع الاستغلال والتفكيك وإزالة المنشآت البترولية البحرية وكذلك ارجاع المواقع البحرية الى سابق حالتها للتشريع والتراتيب الجاري بها العمل وكذلك للمقاييس والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية.. ويتعين على صاحب الرخصة تقديم خطة هجر تتضمن شروط الهجر وإرجاع المواقع الى سالف وضعها”
لقد ارتكبت إدارة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية خطأ في اقتناء رخصا منتهية الآجال، عوض انتظار عودة هذه الرخص للدولة التونسية ليتم منحها بصفة مجانية لهذه المؤسسة العمومية، خاصة وان الشركة السويدية قد اخلّت بالتزاماتها على مستوى انجاز العديد من الأشغال المتعهد بها في الرخص التالية:
في رخصة جلمة: لم يتم حفر بئر استكشافية ولم يتم تسجيل 500 كلم من المسج الزلزالي بتكلفة قدرت بـ16 مليار
في رخصة مكثر: لم يتم حفر بئر استكشافية بتكلفة قدرت ب12 مليار
في رخصة جناين الوسطى: يتم حاليا التحضير لإنجاز مسح زلزالي ثلاثي الابعاد بتكلفة قدرت بـ12 مليار.
كما قبلت المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية شراء رخصة جناين الوسطى رغم امتلاكها لها واكتفاء الشركة السويدية بالقيام بدور المقاول لفائدة المؤسسة التونسية.
مجلة المحروقات التي تنظم قطاع البترول في تونس تعرّف المقاول بـ”المؤسسة التي تقوم لحساب المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية في إطار مقاسمة الإنتاج بتنفيذ وإنجاز وتسيير اعمال الاستكشاف وأنشطة البحث واستغلال المحروقات”.
وقد تم التطرق لهذه النقطة في اجتماع اللجنة الاستشارية للمحروقات المنعقد يومي 27 و28 جوان 2016، ما دفع بقيس الماجري المدير العام السابق للمصالح المشتركة بوزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة الى الدعوة الى إيجاد صيغة قانونية واجرائية في مطلب إحالة هذه الرخصة حتى لا تقتني المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية رخصة هي صاحبتها.
في هذا السياق بيّن وزير الطاقة عند استفساره من قبل أنا يقظ عن سبب اقتناء رخص منتهية عوض انتظار عودتها الى الدولة التونسية، ان الصفقة تمت في فترة كانت فيها الشركة السويدية في حالة أزمة ما دفع بالجميع الى التسريع في نسق إحالة حقوقها والتزاماتها قبل ان دخولها في حالة تصفية ما سيعطّل كل شيء
حقول ذات مردودية ضعيفة
صفقة إحالة حقوق وامتيازات الشركة السويدية للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية تتضمن الى جانب رخص البحث، 4 امتيازات استغلال، وهي حقول ديدون ودولاب وطمسميدة وسمامة، وهي حقول بصدد الإنتاج بالإضافة الى اكتشاف حقل زارات الذي لم يدخل بعد طور الاستغلال.
وعلى خلاف ادعاءات محمد العكروت طيلة أشهر مناقشة جدوى ابرام هذه الصفقة، تشير المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في اجابتها على تساؤلات أنا يقظ بتاريخ 1 جوان 2018 حول الوضعية الاقتصادية للحقول التي اقتنتها من الشركة السويدية الى الوضعية الحرجة لهذه الحقول. فحقول استغلال دولاب وطمسميدة وسمامة هي “حقول ذات مردودية ضعيفة،”، والعبارة لإدارة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية. بدورها نصت الدراسة الاقتصادية التي قام بها مكتب ERC equipoise على توفّر هذه الحقول الثلاثة على مخزون ممكن يتراوح بين 0،6 و1،2 مليون برميل مكافئ نفط في 2014.
هنا لا مناص من التأكيد على تعويل إدارة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية على تقرير عن مقدرات احتياطي PA RESOURCES منجز من طرف مكتب ERC equipoise بطلب من الشركة السويدية، دون عملها على تكليف مكتب ثان للتثبت من المعطيات الواردة في هذا التقرير.
كما اضطرت “إيتاب” الى إيقاف حقل ديدون، نظرا لانعدام مردوديته وارتفاع كلفة استخراج البترول. اذ أشار تقرير مكتب الدراسات الى تسبّب استخراج البترول من حقل ديدون في خسارة مالية متراوحة بين 19 و45.6 مليون دينار. هذا الحقل يحتاج أيضا الى استثمارات هامة لتحسين المردودية ولملاءمة عملية الاستغلال لشروط السلامة.
حقل زارات.. نقطة قوة أم ضعف؟
بنى محمد العكروت خطّته لإبرام الصفقة على حقل زارات الذي تم اكتشافه في 1990 بخليج قابس دون أن يتم تحويله الى امتياز استغلال. وتحدّث عن توفّر هذا الحقل على مخزون نفطي بقيمة 106.5 مليون دولار. ورغم موافقة اللجنة الاستشارية للمحروقات على امتياز الاستغلال، بعد اعداد خطة استغلال موحدة مع شركة المشتركة للنفط الليبية (joint oil)، بما ان هذا الحقل يقع على الحدود مع رخصة لشركة ليبية ما يتطلب استغلال موحدا، فإن الصعوبات والتحديات أمام استغلال الحقوق البحرية (off shore) والتي لا تملك المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية أي خبرة فنية في استغلالها، قد تعيق استغلال هذا الحقل أو حتى تذهب كل الاموال التي تم انفاقها في الصفقة سدى.
وفي صورة عدم توفّق كلتا الشركتين في استغلال حقل زارات تكون المؤسسة الوطنية ملزمة بتحمل مصاريف هجر هذا الحقل بما لا يقل عن 820 مليون دينار، حسب تأكيد المؤسسة نفسها في اجابتها على استفسار لأنا يقظ بتاريخ 1 جوان 2018، ما يعني ان كلفة هذه الصفقة قد تصل ما يناهز المليار دينار، اما في صورة نجاج المؤسسة في استغلال المخزون الطاقي المتوفّر فستكون مداخيل الدولة والمؤسسة التونسية للانشطة البترولية تعادل 2604 مليون دولار، حسب خطة التطوير التي أودعتها المؤسسة لدى اللجنة الاستشارية للمحروقات لتطوير اكتشاف الزارات.
محاولة حفظ ماء الوجه
ملف اقتناء حقوق والتزامات الشركة السويدية بتونس في موفى جوان 2016، لم يغلق بمجرد موافقة اللجنة الاستشارية للمحروقات برئاسة وزير الطاقة منجي مرزوق، بل دخل طورا اخر بتجميد وزارة المالية للأموال التي نزّلتها المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في حساب الشركة السويدية بتونس، نظير اقتناء حقوقها والتزاماتها، بالإضافة الى مختلف الحسابات البنكية للشركة بتونس، شفعها استخلاص الأموال المتخلدة بذمة PA RESOURCES لفائدة مصلحة الجباية، ما دفع بالمشرفين على الشركة المُحيلة بالتوجه الى سفارة تونس بستوكهولم ثم مراسلة رئاسة الحكومة قصد حث وزارة المالية على الافراج عن حساباتها البنكية دون أن توفق في ذلك.
ويبدو ان اجراء تجميد أموال الشركة السويدية بتونس قد كان أحد الحلول التي تم اللجوء اليها لإنقاذ ما يمكن انقاذه في هذه الصفقة بعد تفطّن وزارة الطاقة الى عدم جدواها وضعف مردوديتها بالنسبة لتونس، وذلك وفق ما أكده مصدر مطلع بالوزارة لأنا يقظ.
واللافت أيضا أن الإدارة العامة الجديدة للمؤسسة التونسية للانشطة البترولية ووزارة الطاقة لم تحاولا سبر اغوار هذا الصفقة المريبة ولم تفتحا أي تحقيق في الملابسات التي حفت بها ولم تكلفا القضاء بالتعهد بها للتثبت في أي تجاوزات أو فساد محتملين.
يذكر ان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد قرر اليوم الجمعة 31 اوت 2018 القيام بجملة من الإجراءات التي مست قطاع الطاقة، وذلك عبر:
– اعفاء وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة وكاتب الدولة للمناجم.
– اعفاء المدير العام للمحروقات، والرئيس المدير العام للشركة التونسية للأنشطة البترولية، والمدير العام للشؤون
القانونية بوزارة الطاقة، من مهامهم
– الحاق مصالح وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة بوزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة. وتشكيل لجنة خبراء لدى رئاسة الحكومة لإعادة هيكلة الوزارة ومراجعة حوكمة قطاع الطاقة
– تكليف كل من هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية، وهيئة الرقابة العامة للمالية بفتح تحقيق معمق في الوزارة
المؤسسة التونسية للانشطة البترولية دفعت إذن ملايين الدينارات نظير شرائها لالتزامات وتعهدات ورخص منتهية وديون شركة PA RESOURCES والحقل الوحيد الذي قد يكون ذا مردودية يواجه صعوبات تقنية ومالية ولوجستية. ألا يمكن الحديث عن تضحية محمد العكروت الرئيس المدير العام الأسبق للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية -بمباركة من وزير الطاقة- بما لا يقل عن 250 مليار لاقتناء “وردة ذابلة” في الوقت الذي شهدت فيه هذه المؤسسة الوطنية تراجعا بـ24% في عائدات الاستغلال بخسارة قدرت ب297 مليار سنة 2016؟ ألم يكن من الاجدى والانفع الاقتصار على شراء حقل زارات بدل تكبّد أموال طائلة في حقول غير ذات مردودية أو رخص بحث منتهية الاجال والنسج على منوال شركة Enquest التي سبق لها أن ابرمت التزاما لاقتناء 70 % من أصول حقلي ديدون وزارات دون غيرهما؟ ألا يعتبر في عقد هذه الصفقة تسرّعا بتحويل المؤسسة الوطنية للانشطة البترولية الى مشغّل رغم عدم جاهزيتها بشريا وتقنيا ولوجستيا؟
وفي مايلي الوثائق التي عرضتها أنا يقظ:
شارك رأيك