تحت عنوان “البئر العجيبة… والحملة المريبة” نشر النائب عن كتلة الإئتلاف الوطني الصحبي بن فرج تدوينة يشرح فيها حيثيات قرار رئيس الحكومة بإقالة عدد من كبار مسؤولي وزارة الطاقة على خلفية شبهات سوء تصرف أو فساد أضر بمصالح الدولة ودافعي الضرائب في تونس. وهو يقدم معطيات دقيقة و موثقة حول هذا الملف الساخن.
بقلم الصحبي بن فرج
سنقوم فقط بسرد المعطيات الثابتة والمتوفرة للجميع، كي نعلم من هو الإنتقائي ومن الذي يصفّي الحسابات.
أولا، حقل المنزل موضوع رخصة تنقيب واستغلال صادرة في 1979 أسندت إلى شركة أجنبية (ألف أكيتان وشال وأو.أم.في.). ومدة الرخصة 50 سنة حسب القانون الجاري به العمل آنذاك إلى آخر 2029.
ثانيا، في 1999 صدرت مجلة المحروقات الجديدة التونسية وفيها إمتيازات للمستثمرين في قطاع النفط (جبائية وغيرها) ولكنها حددت مدة استغلال رخص التنقيب ب30 سنة عوضا عن 50 سنة في القانون القديم.
ثالثا، خيّرت المجلة الجديدة المتحصلين على رخصة تنقيب أو إمتياز استغلال بمقتضى القانون القديم بين الإنضواء تحت أحكام المجلة الجديدة (بمزاياها الجبائية ولكن أيضا بتخفيضها لمدة الاستغلال) أو التمسك بالخضوع لنفس مقتضيات القانون القديم.
وصدرت في هذا الصدد جملة من الأحكام انتقالية لتأطير العملية قانونيا، ونُشرت رسميا بالرائد الرسمي قائمة في المواقع التي اختار أصحابها الخضوع لمجلة المحروقات الجديدة…. ومن بينها حقل المنزل.
رابعا، الشركة الأجنبية المالكة لحقل المنزل اختارت إذًا الخضوع لأحكام المجلة الجديدة وبالتالي تحصلت على الامتيازات الجبائية الجديدة وتنازلت عن مدة الخمسين سنة لتكتفي ب30 سنة تنتهي في 31 ديسمبر 2009.
خامسا، منذ البداية تم تصنيف البئر بأنها ضعيفة المخزون (إكتشاف 8 ملايين برميل فقط كمخزون ثابت) وقليلة المردودية يعني كلفة تنقيب وانتاج عالية، وكميات قليلة، وأسعار النفط غير مربحة آنذاك.
بالتالي، البئر لم تدخل أبدا طور الانتاج الى يومنا هذا.
فجأة تحدث المفاجأة في 2006 حين تقوم شركة أو.أم.في. ببيع حصصها في الحقل الى الشركة البترولية التونسية توبيك قبل نهاية المدة القانونية بثلاث سنوات فقط.
سنكتفي هنا بطرح تساؤل منطقي ملح وبسيط : كيف ولماذا يشتري مستثمر حقلا نفطيا قديما وتجهيزاته متآكلة، وغير مجدي تجاريا، وتنتهي مدة استغلاله بعد ثلاث سنوات فقط؟
هل كان ارتفاع أسعار النفط الى 130 دولار للبرميل الخام في سنوات ال2000 محفّزا لشراء الحقل الذي أصبح يمثّل كنزًا بحريا “صغيرًا” بمئات الملايين من الدولارات ؟
أم أنه تم إكتشاف إمكانيات إنتاجية أخرى للحقل واعدة وغير معروفة عنه سابقا تبرر المغامرة بشرائه؟ مثلا، توقّعات بمخزون هام من الغاز الطبيعي؟
في جميع الحالات، لا يمكن تصوّر أي إمكانية لاستخراج وتسويق مخزون النفط الثابت (8 ملايين برميل) أو الإفتراضي في مدة الثلاث سنوات المتبقية من مدة الاستغلال.
السؤال البديهي الذي يقفز الى الذهن: هل تحصل المستثمر التونسي على “ضمانات” بتمديد مدة استغلال الحقل، بطريقة أو بأخرى؟
وإذا كانت توجد ضمانات، فمن هي الجهة “الضامنة”؟ جهة رسمية أو غير رسمية؟ وما هي طبيعة تلك الضمانات؟
هل طلب المستثمر تمديد المدة كما تخول له ذلك مجلة المحروقات؟ أم تمسك بما يعتبره حقه في الاستغلال ل50 سنة و فضل البقاء على هذه الوضعية الغامضة؟
الغريب أنه بعد 9 سنوات، ورغم تواصل الغموض المحيط بهذا الملف، نبدأ في تلمّس بعض الأجوبة عن التساؤلات المطروحة منذ 2006.
فعلا، واصلت الشركة المشترية استغلال الامتياز سبع سنوات بعد نهاية المدة برعاية جهات نافذة.
وفعلا، الحقل يمثّل “كنزا” نفطيا قرابة ال500 مليون دولار بالاسعار الحالية للنفط.
وفعلا، الحقل يحتوي على مؤشرات واعدة للنفط والغاز بدليل إدراجه على قائمة المشاريع المعروضة على مؤتمر الإستثمار 2020.
واصلت إذًا الشركة التونسية اعمال الحفر بعد 2011 واستفادت من صمت مريب وأحيانا غض نظر ضمني من جميع إدارات المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وزارات الطاقة المتعاقبة الى أن قررت الشروع في استخراج ال8 ملايين طن من النفط الثابتة بصفة أولية، ووجهت دعوة إلى رئيس الحكومة لتدشين الحقل رسميا.
قبل الاستجابة الى الدعوة وبالتدقيق في ملف الحقل، تبين لرئاسة الحكومة وجود خلل قانوني خطير في الملف، وباستفسارها لدى وزارة الطاقة، أفادتها الوزارة عبر مراسلة رسمية بأن التعاقد مع الشركة المتصرفة في الحقل انتهى قانونيا في 31/12/2009 وهذا ما يُنهي تماما الجدال حول تاريخ نهاية المدة وعرضت الادارة القيام بتسوية الملف وديا مع الشركة.
وعندما قرر يوسف الشاهد إقالة وزير الطاقة وعدد من الموظفين السامين بالوزارة والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية التشكيك والمغالطة والتلاعب بالرأي العام. انطلقت مباشرة بعد ذلك حملة ضد رئيس الحكومة.
ماذا كان مطلوبا من يوسف الشاهد؟ أن يغلق الملف ويقوم بتسوية ويعرّض نفسه للمساءلة؟
هل كانت دعوة التدشين محاولة لتوريط الحكومة ورئيسها سياسيا؟
أم لاضفاء الشرعية على استغلال غير قانوني للحقل عبر فرض امر الواقع يصعب التراجع عنه بعد التدشين الرسمي؟
بإعادة الأمور الى نصابها، يصبح حقل المنزل ملكا خالصا للدولة والشعب بما يحتويه من مخزون ثابت او افتراضي، فهل أجرم يوسف الشاهد بالمحافظة على حق الدولة؟ أم كان عليه أن يصمت كما صمت الذين من قبله، ويدشّن الحقل ويغلق الملف ويتغاضى عن حقّ ثابت للدولة ويتواطأ بالتالي على حرمان الشعب من مئات المليارات؟ فقط كي لا يقال أنه يصفّي حسابا أو يتخلّص من منافس أو يخوض معركة مع الاتحاد أو ينتقي ملفات الفساد؟
لأول مرة في تونس يُفتح جدّيا ملف ثرواتنا الطبيعية والتصرف فيها، وخاصة ملف النفط الذي يُعتبر حكرا على خاصة الخاصة، وأنا متأكد أن هذا الخوض في هذا الملف سيفضي الى اكتشاف كوارث وهو ما يفسّر عنف الهجمة الإعلامية الشرسة التي نعيشها الى جانب طبعا تصفية الحسابات السياسية مع رئيس الحكومة.
شارك رأيك