التريث الحكومي يبقى من السمات الأبرز لفترة حكم السيد يوسف الشاهد ولذلك أسباب كثيرة داخلية وخارجية ترتبط بمصالح الفاعلين السياسيين وموقفهم الحقيقي من التحولات السريعة التي تشهدها تونس والتي تزعج بعضا من هذه الأطراف.
بقلم أحمد الحباسي
كل من يعترضك من المواطنين يصر على أنه ليست هناك حكومة في تونس منذ تولي السيد يوسف الشاهد وأن من حقائق هذه المرحلة أو من غرائبها وعجائبها أن هذه الحكومة تحمل طاقية الإخفاء كما يقال فهي حكومة لا يراها أحد لا بالنهار ولا بالليل ولا في كامل الفصول الأربعة ولا بالمناظير الليلية ولا بالرؤية كما يحصل معنا كل سنة عند حلول شهر الصيام.
هذه حكومة متريثة إلى حد الملل وحكومة عاجزة عجز هؤلاء الذين”فقدوا” جرايتهم ولم يجدوها كما وعدت هذه الحكومة العتيدة لا في صناديق التأمين التي أودعوها وديعتهم على سبيل الأمانة طيلة سنوات شقائهم وعملهم ولا في بنوك المتاجرة بدماء الغلابة التى نهبها الطرابلسية ومن جاء بعدهم من حركة النهضة و غيرها ولا في مقرات البريد المتلونة بالأصفر كحال وجوه هؤلاء المغرر بهم الذين التحقوا بمكاتبها ليرجعوا بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها بل فيهم من أعيته الحيلة وكبرت همومه فبقي على أعتابها متمسحا منتظرا بلا حول ولا قوة حلول ركب “الماندة” إياها فلا حصلت المفأجاة السارة ولا عللت هذه الحكومة بما يشفي الغليل هذه السقطة الإنسانية فى مثل هذه المناسبة.
إتحاد الشغل تحول إلى بؤرة توتر سياسي
هناك احساس لدى عامة من نقابلهم فى الشارع من عامة الشعب الكريم بأن رئيس الحكومة مكبل ومقيد وغير قادر أصلا على القيام بمهمته التاريخية في هذه الظروف البالغة الصعوبة، بل هناك إحساس بأن كل هذه الضغوط المسلطة من إتحاد الشغل الذي لا يتورع البعض من تسميته باتحاد الخراب سواء على مستوى تواصل ارتفاع نسق المطلبية المالية بدون أدنى مبرر منطقي فى مثل هذه الظروف الإقتصادية الخطيرة والصعبة أو على مستوى عدم تشجيعه لزيادة الإنتاج والإنتاجية أو فرض مناخ متعفن من باب الضغط على أغلب المؤسسات الأجنبية المشغلة لمغادرة الوطن والتسبب في زيادة أعداد العاطلين عن العمل حتى تخضع الحكومة.
الإتحاد كطرف سياسي و ليس نقابيا يقرأ المشهد العام وفق مصالحه الأنانية الضيقة ولغايات قذرة تخدم أجندات خارجية مشبوهة ولذلك نراه يقوم بدور الطرف المعطل ويستنفر كل قواه وأبواقه حتى لا تحصل تسوية في خصوص النقطة 64 من إتفاق قرطاج المتعلقة بذهاب أو بقاء الحكومة.
في هذا الإطار يدخل التهديد المسبق الذى أطلقه الأسعد اليعقوبي وكرسه الأمين العام نفسه نور الدين الطبوبي بسنة دراسية بيضاء وبصراعات نقابية سياسية بين الحكومة والمنظمة النقابية التى تحولت الى بؤرة توتر سياسي و أمني و اجتماعي وأخلاقي.
حركة النهضة تفرك أياديها في انتظار الإجهاز على الدولة
على الجانب الاخر نجد حركة النهضة ذات الميول القطرية التركية المشبوهة تفرك أياديها في انتظار الإجهاز على هذه الحكومة الايلة للسقوط بفعل كثرة الثغرات والأنواء والعواصف من داخلها ومن خارجها، ولعل “المرشد العام” راشد الغنوشى كما وصفه رئيس الدولة فى ايحاء واضح لكون الرجل لا يزال تحت عباءة الإخوان ومن الأعوان المطيعين لفكر هذه الجماعة الإرهابية قد تفطن أو كان يعلم علم اليقين أن تونس اليوم تشبه باخرة فى بحر متلاطم من الأمواج العاتية والفرصة مواتية هذه المرة لهؤلاء القراصنة لاقتحامها من كل الجهات وتحقيق حلم الثمانين سنة بإقامة دولة الخلافة البائسة على أرض إفريقية الموعودة كما تؤكده كل كتب أنصار الشريعة وأنصار التوحيد وجبهة النصرة وبصورة عامة كتب وأدبيات هذا الفكر التكفيري المتطرف الذى يضرب كل البلدان العربية ويدمر تاريخها و هويتها.
في هذا السياق لا شك أن رئيس الحكومة يعلم كثيرا من التفاصيل المهمة والخطيرة حول ما يدور على الساحة وبالذات ما تدبره هذه الحركة المتشددة دينيا وما تمثله من خطر داهم يضر بمدنية الدولة وبالامكان أن يتسبب فى حرب أهلية مدمرة.
ربما أثبت رئيس الحكومة بدخوله فى حرب مكافحة الفساد والقبض على بعض رموزه لمحاسبتهم قضائيا أنه قادر على اتخاذ القرارات الصعبة و المؤلمة وربما كما يقول البعض يتريث الرجل فى فضح المخطط النهضاوى المتشابك مع كثير من المصالح المشبوهة لبعض الأحزاب والشخصيات وبعض مؤسسات المجتمع المدني التى تبين أنها تستخدم كحصان طروادة لضرب الإستقرار في تونس على جميع الأصعدة.
الأهم فى كل هذا أن يتخلص حزب النداء من حمولته الزائدة المتمثلة في ابن الرئيس الذي أصبح وجوده شخصيا يمثل خطرا على تواصل المسار الديمقراطي والإنتقال السلس من دولة الحزب والفرد الواحد الى دولة المؤسسات وأن تخرج وزارة الداخلية من حالة الإرباك والإرتباك حتى تواجه تبعات كل المظاهرات المشبوهة التي أوقدها الرئيس السابق محمد المرزوقى في الجنوب لتتحول الى كرات ملتهبة من النار مكنت الجماعات الإرهابية من استغلال هشاشة الوجود الأمنى المتشتت.
من الواضح ان رئيس الحكومة يجد صعوبة فى الملف الإقتصادي فى ظل كل هذه التجاذبات السياسية وعدم الإستقرار الأمنى ولعل البعض لم يتفهم طبيعة هذا الإشكال المتشعب ويظن ان الإقتصاد يتعافى بكبسة زر.
سياسات خليجية عدوانية لا تريد خيرا للشعب التونسي
لعل هناك أسئلة تتعلق بعدم تنفيذ أحكام الإعدام ضد المحكوم عليهم فى القضايا الإرهابية لكن من الواضح أن طرح مثل هذه المواضيع لا يتم من باب البحث عن القصاص بل يتم لأسباب انتهازية حزبية ورئيس الحكومة لا يمكنه أن يغفل عن هذا.
لهذا سنحاول كشف المستور و طرح بعض الأسئلة ومن بينها هل أن الحكومة قادرة حاليا على تحمل تبعات تنفيذ مثل هذه الأحكام فى علاقة برفض المجتمع الدولى لتطبيق عقوبة الإعدام؟ هل أن المؤسسة الأمنية قادرة على شل كل الجماعات الإرهابية حتى لا تقوم بردود فعل دموية عنيفة من باب الانتقام؟ هل أن الإقتصاد التونسي قادر على تحمل ضربات إرهابية قاسية مثل ضربتي باردو وسوسة عام 2015 ؟ ما هو رد فعل بعض أجهزة المخابرات الخليجية المتعاطفة مع الجماعات الإرهابية بعد تنفيذ هذه الأحكام ؟ هل أن تونس بمقدورها تحمل دورة عنف كما حدث فى أواخر حكم حركة النهضة وما تلى تلك الفترة من ضربات إرهابية موجعة؟ هل لا يتطلب هذا القرار إجماعا وطنيا ملموسا على جميع الأصعدة ومن كل الأطراف؟ هل أن هناك من يدفع بهذا الموضوع لإحراج رئيس الحكومة وبقية مؤسسات الدولة ؟ لذلك نتفهم تريث الرجل وندرك صعوبة اتخاذ القرار الحاسم فى الوقت الحالي.
لا شك أن أغلب الدول الخليجية والغربية لم تتعاطف ماديا مع الثورة التونسية وبقيت تصرفاتها وقرارتها مرتبكة وغير مفهومة وفي هذا السياق من الواضح أن كل الوعود التى قطعتها هذه الدول على فترات وفي مناسبات معلومة قد تلاشت مع الوقت ولأسباب مختلفة يطول شرحها.
إن نكث هذه الدول لوعودها لا يمكن أن يكون بدون أسباب ومسببات وإذا سلمنا أن السياسة مصالح وتحالفات فإن انكفاء هذه الدول مقصود لضرب الإقتصاد التونسي بل لنقولها صراحة هو موقف معاد لاستقلال القرار التونسي وهدفه كسر شوكة هذه الحكومة التى رفضت كثيرا موقف المضاربة بالمصلحة التونسية العليا مقابل بعض الأموال والوعود.
إن عدم وفاء هذه الدول بوعودها يضع السيد يوسف الشاهد الذي يرفض لأسباب موضوعية فضح المستور في موقف محرج أمام الرأى العام ولعله يدفع ضريبة عدم الإفصاح عن بعض السياسات الخليجية العدوانية التي لا تريد خيرا للشعب التونسي.
فى هذا السياق تفهم الزيارات المتتابعة للشاهد إلى إفريقيا والصين من باب تنويع مصادر الإستثمار و الدعم الدولي الخارجي للسياسة الإقتصادية التونسية ليبقى التريث الحكومي من السمات الأبرز لفترة حكم السيد يوسف الشاهد.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس
في نكسات شعب الله المختار : كيف أصبح العرب أضحوكة بين الأمم ؟
شارك رأيك