لقد ظن البعض في لحظات نجاح الثورة أن رحيل بن على هو نهاية الأحزان لكن تبين اليوم أنه لم يبق من هذه الحملة الشعبية إلا بعض الخربشات على الجدران وأن ما سمي بثورة الياسمين قد استولت عليها الأيادي المتآمرة والمغرضة و أجهز عليها الفساد المستشري في السياسة والإقتصاد والمجتمع.
بقلم أحمد الحباسي
ثلاثة جوائز أوسكار حصدها فيلم “العراب” «Le Parrain» للمخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا، من أقوى الأفلام الأمريكية التي تتناول الجريمة المنظمة، بطولة النجم العالمي مارلون براندو، بمشاركة مميزة للنجم الكبير آل باتشينو.
طبعا قصة الفيلم معروفة لكثير من المتابعين، وهي تدور حول زعيم عصابة المافيا، دون كورليونى (Don Corleone)، الذي يضع كل قوته وسلطته للضغط على الطبقة السياسية الأمريكية لخدمة المافيا وتجارة المخدرات والخمور وبيع الأسلحة والقمار إلى غير ذلك من الجرائم، كل ذلك دون أن يظهر في الصورة وبمقابل لكل الذين يحتاجون حماية ومساعدة المافيا.
الثورة والدولة ومافيا الفساد المستشري
طبعا، من بركات الثورة العمياء لجانفي 2011 بتونس أن أصبحت هناك مافيا تجارة الممنوع ودون كورليونى تخضع له الرقاب وحكومة مرتعشة تضع رأسها في الرمال. لذلك نسمع اليوم عن مليارات التهريب و عن أباطرة العصابات وعن دولة الفساد وعن الديوانة المخترقة وعن قانون الصمت (loi de l’omerta) وعن وزير يريد الحوار مع “العراب “.
في تونس ما بعد الثورة هناك عرابون للإرهاب وللتهريب وللتجارة الممنوعة وللدين التايواني وللشريعة المدنسة بالنفاق، و هناك من يدير في الخفاء دفة ما يسمى بمافيا الفساد وينصب كبار “المسؤولين” فيها و يعزلهم حسب الأهواء وتقلبات الأجواء داخل معترك السياسة التونسية المشوهة.
و رغم أن هناك من الأغبياء والمغفلين من لا يزال يتساءل هل من أجل هذا أسقطنا النظام السابق ودمرنا الوطن وأتحنا للإرهاب مرتعا ومكانا في بيوتنا وشوارعنا وجبالنا وقتل الآلاف من أبناء شعبنا فمن الواضح للمتابعين أن دولة الفساد والإرهاب قد نمت وصارت واقعا ملموسا خاصة في ظل حكومة تتلقى النيران المضادة من كل جانب وأحزاب مشوهة مشبوهة ومعارضة تعيش على وقع الماضي و تدير معارضتها فقط بعقلية أنا أعارض إذن أنا موجود. لذلك لن تنفع للخروج من هذه المعضلة كل “الموائد” المستديرة والمثلثة و المربعة ولا هذا الجيش من المحللين الذين ملأوا مساحات الإعلام بالرداءة وبالغرور وبالكلام الفارغ ولا هذه النقابات الأمنية المشبوهة التي تدعو لتحييد المؤسسة وهي جزء من معركة سياسية لإسقاط الحكومة.
النيابة العمومية في تونس تصوب سهامها دائما نحو الوجهة الخطأ، وتكتفي دائما في “شغلها” بالأدنى المطلوب، وتتعامل مع بارونات التهريب والفساد والإرهاب بتلك المقولة الشهيرة “لا تاذينى لا اذيك”، وإلا كيف نفسر صمت هذه “النيابة العمومية” إزاء كل الإفادات والإشعارات والتصريحات والمقالات الإعلامية التي تفضح يوميا هذا الفساد المستشري وتمد المتابعين بمعلومات واضحة عن هؤلاء المجرمين الذين يدمرون البلد ويوردون الأسلحة ويسهرون على تسفير الإرهابيين إلى سوريا و”يودعون” الأسلحة ببيوت الله و يدمرون عقول أبناء الوطن بدروس الوهابية التكفيرية و”يوردون” الأموال النفطية الخليجية المشبوهة لإنتاج مناخ مضطرب يسهل للمهربين توريد الممنوعات، بل من المعيب أن نجد وزير العدل لا يستفسر النيابة ولا يطالع ما يكتب ولا يتابع ما يقال في منابر الإعلام، فأين دور المسؤول المكلف بالإعلام داخل وزارة العدل وأين مدير ديوان الوزير وأين الحكومة وأين مجلس النواب وأين منظمات المجتمع المدني وأين الأحزاب، كيف لا يسائل هؤلاء وزير العدل ولا يسائلون الحكومة ولا يسائلون مجلس النواب؟
لم يعد هناك مجال للصمت والسكوت على لوبيات الفساد
إن ظاهرة النواب الذين يمثلون لوبيات الفساد قد خرجت رائحتها للعلن ولم يعد هناك مجال للصمت والسكوت عنها وإذا خجلت رئاسة مجلس النواب على فتح الملفات من باب “التوافق” على حماية المفسدين و الفاسدين ومن ورائهم من بعض رجال الأعمال والمنظومات الفاسدة داخل قطاع التعليم والصحة والجمارك وغيرها فإن صمت الأقلام الحرة قد أصبح خيانة موصوفة و عارا لن يمحي بالتقادم كما حصل مع كل الذين صمتوا طوال 23 سنة من حكم الرئيس بن علي ثم لم يلبثوا أن نزعوا ثياب الرذيلة الإعلامية ليتلففوا بثياب الثورة ويصبح لهم اليوم وللأسف باع وذراع في توجيه وصناعة الرأي العام.
لقد ظن البعض في لحظات نجاح الثورة أن رحيل بن على هو نهاية الأحزان لكن تبين اليوم أنه لم يبق من هذه الحملة الشعبية إلا بعض الخربشات على الجدران التي لم يتمكن الطاغية في حينه من محوها بطلاسات قواعده المنتشرة في الشعب الدستورية وأن ما سمي بثورة الياسمين قد استولت عليها الأيادي المتآمرة والمغرضة ولا غرابة إذن أن يطلق القرضاوي و برنار هنري ليفي على نفسيهما لقب عرابي الثورات العربية.
الغنوشي وقايد السبسي، النهضة والنداء، وحكاية الإنفصال المعلن
حرب السكاكين الطويلة في نداء تونس : الأسباب و المظاهر والتداعيات المنتظرة
شارك رأيك