عندما يتم إيقاف برهان بسيس بهذه السرعة فيما تظل قضايا أخطر من التي اتهم فيها هذا الأخير مثل الإغتيالات السياسية لبلعيد والبراهمي تراوح مكانها في أروقة قصر العدالة فإنه من حق المراقبين التساؤل باستغراب شديد عما يحصل داخل القضاء التونسي…
بقلم أحمد الحباسى
أولا ومن البداية نؤكد أن هذا المقال لا يستهدف لا إستقلالية القضاء ولا الدفاع عن شخص برهان بسيس ولا الوقوف لا مع ولا ضد، لكن من حق المتابع اليوم، وهو المستهدف الأول من حملات التضليل والضرب تحت الحزام بين المتامرين السياسيين والذين يسعون بقوة لتدجين القضاء والمس من هيبته، أن نكشف إليه كثيرا من الحقائق وأن نفتح بعض الدفاتر القديمة وأن نقول كلمة الحق مهما تكلفت لأنه ليس من عادتنا إطلاق الرصاص على سيارات الإسعاف ولا الإقتناع ببكاء بعض التماسيح الذين وصل بهم اللؤم حد مطالبة رئيس الدولة بإصدار عفو رئاسي في حق السجين برهان بسيس استنادا في ظاهره لتقرير الحكم الجزائي الصادر ضده من المحكمة الابتدائية بأريانة في بداية سنة 2018 بعامين سجنا مع النفاذ والغرم، وتأكيك الحكم في طور الإستئناف منذ يومين، ومسارعة السلطة التنفيذية القضائية بعملية الإيقاف في سابقة غير معهودة أثارت كثيرا من علامات الإشتباه و الريبة.
أسئلة مهمة يطرحها هذا الحكم والإسراغ بتنفيذه
نحن إذن أمام حكم بات وفي حل من كل مساءلة أخلاقية أو قانونية ومن حقنا أن نناقش حيثيات القضية وأطوارها وما حف بها من منزلقات وتسييس واستغفال للرأي العام ومحاولة ضرب حكومة يوسف الشاهد استكمالا لمخطط جهنمي يستهدف ضرب مؤسسات الدولة.
هناك أسئلة مهمة تطرح نفسها من البداية : متى انطلقت الأبحاث ومن أثار الدعوى العمومية؟ ولماذا تباطأ القضاء في البحث؟ ولماذا تم إقرار الحكم أخيرا؟ وماذا حصل من أطوار مشبوهة لدى محكمة البداية؟ وما هو التفسير المنطقي لنص الإحالة؟ ولماذا تمت تبرئة السادة مدير شركة سوتيتال الهادى الفريوى، الرئيس المدير العام محمد الهادى الدريدى، ومنتصر الوايلى الرئيس المدير العام السابق لشركة إتصالات تونس، وأسامة الرمضاني، المدير العام السابق لوكالة الإتصال الخارجي، إضافة إلى محمد الغرياني المدير السابق للتجمع الذي تم سماعه في إطار نفس القضية؟
لماذا تمت تحلية الحكم بالنفاذ العاجل؟ ولماذا تم إيقاف المحكوم عليه ساعات بعد النطق بالحكم في سابقة غير معهودة؟ ومن أراد إقصاء بسيس من المشهد السياسى طيلة الفترة القادمة إلى حين الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسية؟ وهل أن هذا الحكم قد جاء لضرب ابن الرئيس وتوجيه رسالة مشفرة إلى الرئيس نفسه؟ وهل أن هناك من أراد استغلال منظومة نور الدين البحيرى للإيحاء بكون رئيس الحكومة هو من يقف وراء هذا الحكم نكالة في شخص المدير التنفيذي للنداء؟ ولماذا تم إيقاف بسيس بعد ساعات في حين ظل وزير الداخلية السابق ناجم الغرسلي حرا طليقا وهو المتهم بتهم متعددة تتجاوز في أهميتها وخطورتها الجنائية التهمة التي أحيل بموجبها بسيس على القضاء؟
هل كان بوسع برهان بسيس رفض مكرمة بن علي ؟
لعل قراءة بسيطة ومتأنية و فاحصة لمنطوق نص الإحالة تؤكد للمتابع أن النص لا ينطبق اطلاقا على وقائع القضية لأن برهان بسيس لم يكن موظفا أو مديرا أو مستخدما بالمعنى المتعارف عليه للكلمة بل هو شخص تم “إسقاطه” داخل هذه المؤسسة بقوة الفعل الأميرى وبقوة المحاباة والتدخلات ولم يكن باستطاعته رفض هذه المكرمة الرئاسية التي أريد بها مكافأته على ما قدمه من خدمات مشبوهة للنظام. وضعية الرجل تشبه وضعية شخص تم منحه وساما أو مكرمة عينية من الرئيس فهل كان بوسعه رفضها في تلك الفترة؟
ثم لنتساءل بعفوية تامة من أثار الدعوى العمومية وفي أي وقت حصلت وما هي ظروف تلك الإثارة و غاياتها السياسية؟ من المعلوم أن “مجموعة من الأفراد” داخل مؤسسة سوتيتال هم الذين كانوا وراء انطلاق الأبحاث ومن المعلوم أن هؤلاء “أولاد الحلال” قد كانوا قريبين من حركة النهضة (أو هذا ما يقال) وأن تلك الإثارة قد تمت أمام قضاء نورالدين البحيرى وفي عهد حكم الترويكا سىئة السمعة وحين نعلم دور برهان بسيس في كشف حقائق الإخوان و غاياتهم السياسية القذرة وما طرحه من أفكار مؤثرة معادية للحركة طيلة حكم بن على ندرك بالحدس والتخمين والإستنتاج لماذا كانت البدايات وكيف ستكون النهايات.
هل هناك جهاز قضائي موازي يأتمر بأوامر النهضة ؟
ربما هناك من سيعارض بأن الحكم الابتدائي قد صدر في فيفرى 2018 و في عهد حكم حزب النداء ولكن من حقنا أن نرد بأن منظومة قضاء نور الدين البحيري لا تزال فاعلة وهذا الأمر تؤكده شواهد قضائية كثيرة وربما أكدته تصريحات كثير من رجال القضاء وعلى رأسهم كلثوم كنو وأحمد صواب فضلا على أن ما كشفته الندوة الصحفية لحركة الجبهة الشعبية منذ يومين من وجود جهاز أمن مواز وجهاز قضائي لا يزال في قبضة النهضة هو تأكيد فاضح بكون الحركة وهذا لم يعد سرا قد استقوت على الجميع وصارت تبحث عن ضرب كافة مؤسسات الدولة باستخدام أساليب قذرة ومختلفة تستهدف فيما تستهدف رئاسة الحكومة لإضعافها بطرق غير مباشرة والإيحاء بكون رئيسها يسعى إلى التخلص من خصومه السياسيين تماما كما حصل حين تولى جيش الفيسبوك التابع لحركة النهضة بث الإشاعات بكون إيقاف شفيق جراية هو تدبير يوسف الشاهد للتخلص من الرجل تجنبا لكشف كثير من التفاصيل المربكة.
إن تصريح القيادى بالنهضة العجمى الوريمي الذى يطالب فيه رئيس الدولة بإصدار عفوه على بسيس هو تصريح يحمل في طياته كثيرا من الرسائل المشفرة والغاية منه إشعار رئيس الحكومة والرئيس وابنه بأن حركة النهضة قادرة اليوم على ضرب كل من يعادى أو يقف اويكشف مخططاتها الجهنمية لضرب الإستقرار في تونس والإستيلاء على الحكم بواسطة الفوضى الإرهابية الخلاقة.
عندما يتم إطلاق سراح مدير الشركة ومساعده و يتم إخراج أسامة الرمضاني من نطاق المطالبة ويتم سماع محمد الغرياني على سبيل الإسترشاد وعندما يدفع برهان بسيس كافة الأموال التي قبضها من الشركة ثم يتم الحكم بالسجن والقضاء بالنفاذ العاجل استئنافيا ويتم إيقاف الرجل ساعات بعد نطق الحكم فيجب أن يكون المتابع مغفلا ومتناولا لجرعات كبيرة من الخمور حتى تنطلى عليه هذه المسرحية ولا ينتبه الى أنها حبكة سياسية كثيرا ما نفذت مثلها الحركة الإخوانية ولعل في تغييب سر جريمة اغتيال الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى دليل قاطع على قدرة الحركة على تنفيذ أقوى المناورات السرية ضد خصومها السياسيين.
عندما تصمت النيابة العمومية على ما تضمنه المؤتمر الصحفى للجبهة الشعبية من اتهامات خطيرة وعندما لا يتم كشف الحقيقة في خصوص الإغتيالات وما يتعرض اليه العسكريون والأمنيون من إرهاب وعندما يتعرض المجلس الأعلى للقضاء لكل هذا الضرب تحت الحزام في علاقة بعدم التمديد للرئيس الأول لمحكمة التعقيب المقرب من البحيري وتضاف إلى ذلك المناوراث الخبيثة لتعطيل تركيز المجلس الدستورى فمن واجبنا أن نتساءل باستغراب شديد ماذا يحصل داخل الجسم القضائي ونعيد السؤال لماذا تم إيقاف بسيس بهذه السرعة ومن يقف وراء محاولة اخراج الرجل من اللعبة السياسية في هذه الفترة.
مقالات لنفس الكاتب بكابيتاليس :
هل أسقط التونسيون نظام بن علي من أجل نشر الفوضى والفساد والإرهاب ؟
الغنوشي وقايد السبسي، النهضة والنداء، وحكاية الإنفصال المعلن
شارك رأيك