تتكدس الأدلة والوثائق لتثبت تورط حركة النهضة الإسلامية قديما وحديثا في عمليات إرهابية تستهدف أجهزة الدولة التونسية وأمنها واستقرارها، وذلك بالتسلل إلى أجهزتها الأمنية والعسكرية والإدارية، دون أن يحرك القضاء ساكنا بل يعمل على التعمية والتعتيم على الحقائق الدامغة. تونس إلى أين في ظل التوافق المغشوش ؟
بقلم أحمد الحباسي
لعل السؤال المهم الذي يطرحه الجميع خاصة بعد المؤتمر الصحفي الذى أعدته مِؤخرا لجنة الدفاع عن الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى و الذى كشفت فيه بالأدلة والوثائق أن هناك جهاز عسكرى سري لحركة النهضة مهمته الاغتيالات و التفجيرات و تعقب المعارضين وضرب مؤسسات الدولة والتخابر مع جهات أجنبية وتنفيذ بعض المهمات الخاصة في عدة بلدان خارجية مما يؤكد وجود حالة اشتباك مصالح بين الحركة وبين بعض الدول و الأجهزة الإستخباراتية الخارجية.
هل النهضة تنظيم إرهابي فعلا ؟
هذا السؤال المهم يقول : هل أن المطلوب اليوم من حركة النهضة الموصومة بممارسة إرهاب الدولة بعد أن مارست إرهاب العصابات أن تثبت للجميع أنها فصلت الدعوي عن السياسى أم أن المطلوب تفصل النهضة نفسها عن الإرهاب و عن ممارسة العمليات الخاصة ضد معارضيها وهل أن النهضة قد نفضت يدها نهائيا من مخططات الإستيلاء على الحكم بالقوة الإرهابية وبمساعدة بعض الدول الخارجية مثل قطر و تركيا وهل أن العلاقة بين النهضة والإرهاب لم تعد قائمة؟
في هذا الإطار تبرز الأسئلة الحارقة التي لا تتفهم كيف تضع النهضة يدها على لجنة التحقيق البرلمانية في ملف تسفير الإرهابيين إلى سوريا وكيف تضع النهضة يدها على ملف القضاء لإجباره على عدم الخوص في حيثيات ملف الجهاز السري.
إن الحديث عن وجود جهاز سرى لحركة النهضة يدير الاغتيالات ويسعى لقلب الحكم لم يعد سرا وهناك تأكيدات بوجود هذا التنظيم الإرهابى صادرة عن المرحوم منصف بن سالم في كتابه “سنوات الجمر” و هو أحد قادة النهضة وأحد المشرفين على هذا الجهاز الذي تم إيقافه بتهمة الإعداد للإنقلاب على الزعيم الحبيب بورقيبة في سنة 1987 وقبل انقلاب الجنرال بن علي. تضاف الى ذلك طبعا شهادات احمد المناعي وعبد الفتاح مورو والصحبي العمري وكثير من الشهادات الأخرى التي صدرت عن قياديين في النهضة.
المنصف بن سالم يعترف بقيادته للجهاز السري في أواخر الثمانينات.
بطبيعة الحال حركة النهضة هي حركة تابعة ومنضوية تحت جناح الإخوان المسلمين وبهذا المعنى فقد سعت بدعم من حركة الإخوان في مصر إلى إنشاء هذا الجهاز الدموى الخطير وتلقت في الغرض مساعدات عسكرية وتدريبية وبصورة عامة كل ما يحتاجه هذا التنظيم المتآمر من معدات و أسلحة ووثائق لتسهيل عمليات المتابعة والرصد وتنفيذ الإغتيالات للمعارضين إضافة الى جمع المعلومات حول أبناء المؤسستين العسكرية والأمنية واختيار العناصر الملائمة لتفخيخ الثكنات والمؤسسات الأخرى بالخطاب التكفيرى.
لماذا يعزف القضاء التونسي عن واجب الكف عن الحقيقة ؟
هذا كله موثق بالأدلة التي عرضتها لجنة الدفاع والتي رفض القضاء التعهد بها وتقصيها في محاولة لعدم الكشف عن هذا الجهاز السرى والاضرار بمصالح و مخططات الحركة الرامية الى الاستيلاء على الحكم بالقوة.
تؤكد كل الكتب الصادرة عن القيادات السابقة في حركة الإخوان أن حسن البنا مؤسس هذه الجماعة المتامرة كان يؤيد العنف بأشكاله وهو القائل بأن القوة شعار الإسلام وأول درجاتها قوة الإيمان ثم الوحدة ثم قوة الساعد والسلاح وهذه المراحل تم حرقها سريعا للوصول الى مرحلة التمكين لإقامة دولة الخلافة والتي لا يكون السبيل اليها إلا باستعمال السلاح حتى لو أدى الأمر إلى حرب أهلية.
في هذا الإطار سعت حركة النهضة وفي هذا الاطار تم تكوين هذا الجهاز السري وتدريب عناصره ولذلك لا يمكن لعاقل أن يقبل بعدم علم مرشد الإخوان راشد الغنوشي بهذا الجهاز ولا يمكن أن يتم تكوين جهاز بمثل هذه القوة وتدريبه وتسليحه دون موافقة مجلس شورى الحركة، ولهذا فإن محاولة بعض قيادات الحركة استغفال الشعب التونسي لم تعد تنفع و لا تنطلى، ثم هل يمكن القبول بأن المنصف بن سالم قد كون هذا الجهاز بتلك القوة والمعدات والتدريب استعدادا للساعة الصفر للإنقلاب على بورقيبية دون علم رئيس حركة النهضة وعلم قيادات الصف الأول على الأقل؟ وهل كان المنصف بن سالم يخطط لانقلاب بمثل هذه الخطورة دون أن يتجاهل ما سيحصل للحركة ومناصريها في حالة الفشل؟ وهل يمكن للرجل أن يتحمل تبعات مثل هذه الخطوة لو لم يتحصل على الضوء الأخضر من الحركة ومن الجهات الأجنبية الممولة ودون دعم من المخابرات الأجنبية في تلك الفترة العصيبة من تاريخ تونس؟
سيد الفرجاني أحد رموز الجهاز السري في توافق ناعم…
العنف شريعة مستقرة ووسيلة عمل لدى الجماعة الإسلامية
لقد ظل العنف شريعة مستقرة لدى الجماعة رغم تبرئهم اللئيم منه و لكن الظاهر أن هذه الجماعة لم تتعلم دروس الماضى و لا تريد أن تدرك أن تجربتها المخادعة المفلسة طيلة نصف قرن لم تأت إلا بالدمار والخراب وأن التآمر على الوطن لن يؤدى إلا للإساءة للدين الذين جعلوا منه أداة لضرب الإستقرار وتغذية العنف ونشر ثقافة الكراهية.
إن ادعاء الجماعة بكونهم قد خرجوا من عباءة الدعوى إلى عباءة المدنية هو مجرد لغو لئيم واستعداد مؤقت للوثوب على السلطة والإستمرار في طريق الإرهاب الذي لم تقلع عنه يوما.
إن مأساة حركة النهضة أنها لا تريد إدراك حقيقة أن اعتصام الرحيل لم يكن اسقاطا لحكمها فقط بل كان تعبيرا مواطنيا شعبيا عن رفض هذا الفكر اللقيط المتامر وأن إصرار الحركة مجددا على اتباع ومواصلة نفس هذا النهج كما كشفته وثائق المؤتمر الصحفي ستعجل بصدور شهادة الوفاة الرسمية لهذا الفكر المتطرف القبيح.
لا تصالح مع الإرهاب الذى أصبحت حركة النهضة عنوانه الرئيسي، ليبقى السؤال لماذا لم تتجه الحركة بدل إنشاء هذا التنظيم لاغتيال الحياة إلى انشاء مشاريع وتقديم برامج مجتمعية تنهض بمستوى المواطن؟ ولماذا تصر الحركة على بقاء هذا التنظيم و”استعجال قطف الثمرة قبل نضجها” كما يقول فتحى يكن أحد قادة تنظيم الإخوان في مصر؟ ولماذا تصر الحركة على عدم كشف هويتها الحقيقية؟ وربما لهذا يقول فتحى يكن: “لا يجوز أن تكشف الحركة كل ما عندها من مخططات وتنظيمات، فليس في ذلك مصلحة على الإطلاق، بل إن ذلك يعد جهلاً بالإسلام، وتعريضاً للحركة وأفرادها لمكر الأعدا ء”…
تلاحظون معي أن الرجل يتحدث عن هذا الشعب بتوصيف الأعداء وهذا ما يختزل كل شيء.
شارك رأيك