مسرحية ” انتيقون الخالدة ” من انتاج التياترو، و التياتر ستوديو ،وزنوبيا . بإدارة فنية من توفيق الجبالي و اخراج : خولة الهادف . رؤية معاصرة في مفهوم الممانعة . انتيقون التونسية ، تقول لا في زمن الانبطاح والخنوع .
بقلم شكري الباصومي
يتواصل عرض مسرحية ” انتيقون الخالدة ” بفضاء التياتروحتى يوم 15 اكتوبر 2018. المسرحية من انتاج التياترو، و التياتر ستوديو ،وزنوبيا . بإدارة فنية من توفيق الجبالي .
المسرحية من اخراج : خولة الهادف ، يشارك فيها : فرح الموخر – محمد الزرامي- ايمان بن عمر- هاجر زايدي – عزة الموخر… احمد عليوين – اميرة العريفي- امينة البديري – سفيان بوعجيلة – امان الله اوكاجا مع مشاركة الاطفال: فاطمة مغيربي- مايا مجاجي – سليم الغزواني .
المسرحية مبنية على أسطورة يونانية قديمة تقول بأن أوديب الذي قتل أباه لايوس وتزوج أمه جوكاستا، أنجب من أمه أربعة أبناء : إيتيوكليس وأخاه الأصغر بولينيس و أنتيقون وأختها إسمين. عندما اكتشف أوديب جريمة قتله لأبيه وزواجه من أمه، فقأ عينيه وسار هائما على وجهه، لكنه قبل أن يترك مدينته لعن إبنيه ودعا عليهما بأن يقتل أحدهما الآخر.
يختلف الإبنان على الحكم، إلا أن الأخ الأكبر إيتيوكليس يتفق مع خاله كريون على طرد أخيه الأصغر بولينيس. فقام بولينيس بتكوين جيش حاصر به أخاه وخاله . يقتل الأخوان أثناء المعارك كل منهما الآخر حتى تتحقق النبوءة نتيجة لذلك، يصبح الخال كريون ملك البلاد. يقرر فور تملكة السلطة تشييع جثمان حليفه إيتوكليس في احتفال يليق ببطل عظيم وتوسيد جثمانه القبر بيديه، إجلالا وتشريفا للميت بينما يأمر بعدم دفن جثة بولينيس المتمرد، وتركها مكشوفة لكي تنهشها الوحوش المفترسة والطيور الجارحة ،لان عدم دفن الموتى يعتبر من الكبائر التي تحرمها الديانة اليونانية القديمة . ثم توعد من يخالف أمره ويقوم بدفن الجثة بالموت الرهيب. يعقد الخوف ألسنة الجميع، فلا يجرؤ أحد على مواجهة الملك في قراره الظالم. هنا تبدأ حكاية أنتيقون، حين تتقدم وحدها، لكي تقاوم الملك وحكمه الجائر وتقرر تحدي الأوامر الملكية، وتقوم بدفن جثة أخيها، رغم تحذير شقيقتها إسمين.
“لا امرأة تضع القانون ” : قالها كريون بكل حزم قبل ان تجيبه انتيقون واثقة : “أنا لم أوجد لكي أعيش مع كراهيتك و لكن لكي أكون مع الذين أحبهم ..”
جملتان حددتا مسار الصراع وانبنت عليهما المسرحية بكل تفاصيلها.
ابتكر سوفوكليس الأحداث و توالى مؤلفون آخرون مثل كوكتو ، بريشت ، أنويه ، إيونسكو و غيرهم… و أنتيقون دائما قائمة في الذاكرة لدى أهل الفن و المقاومة اللاعنيفة و لكن صارمة . وبالرغم من كتابة سوفوكليس لهذه التراجيديا الإغريقية قبل الميلاد بعدة قرون، عام 441 ق م، إلا أنها لاتزال حية نابضة.كيف نقول” لا ” لمن تعود ان تسيل امامه وتتدحرج نعم هادئة خانعة مطيعة . انتيقون قال عنها كريون كما قال اخرون : ” ماهي الا مرا ” وليس من حقها ان تضع القانون ” : ” انا القانون ” …
انتيقون خولة الهادف ، انتيقون ، كل عصر، تينع وتزهر. وكلما غابت انتيقون او غيبت ظهرت اخرى . تنتهي مسرحية أنتيجون لسوفكليس بكارثة، حيث ان هايمون ابن كريون، الذي أحب أنتيجون يقتل نفسه. كما تقتل الملكة يوريديس، زوجة الملك كريون، نفسها . تبقى اسمين التي طالما ترجت خالها الا يقتل اختها انتيقون في اخر المسرحية وفية لخط انتيقون . انتيقون المعاصرة صرخة ضد الظلم ، انتيقون هي روح الرفض السلمي الشاهد على ان القيم الخالدة يحرسها الشرفاء ولن تغيب او تموت رغم خفوت صوتها .
لم يعتمد التصور الركحي على بذخ بقدر ما وظف الركح الى تجسيد الصراع بين معسكر الشر كريون وزمرته وزبانيته . وهذا التقسيم املته ضرورة جمالية لكسر حاجز الروتين الذي املته الحبكة التي تصورت الصراع الثنائي بين كريون وانتيقون . فكان الزاوية المخصصة لزبانية كريون مهمة لانها قادح نحو تصعيد الاحداث . من جهة ، وابراز دورها في تغذية نوازع الاستبداد عند الطاغية كريون. وكانت هذه الحاشية مصدرا لتوليد روح مرحة ساخرة عبر ملفوظ هزلي،في مناخ درامي دموي تفوح منه رائحة توفيق الجبالي . وخلافا لكريون الذي كان تحت الاضواء مشفوعا بغطرسته اذ لا شيئ يخيفه او يجعله يخفي ما يقوم به فان الاضواء كانت تغيب عن الحاشية في زاوية ، تنار احيانا وتطفأ حسب شناعة الفعل وقذارته . وحين تبدا حياكة المؤامرات يخفت الضوء : صمتا اننا نتآمر.
الحوارات المعاصرة كما الازياء جعلتنا ننتقل بروح العصرمن 2500 سنة ،نعيش اللحظة التي يستبد فيها كريون ببدلة عصرية . ما معنى الزمن ؟ واي معنى للتطوراذا كان الانسان هوالانسان لا يتغير جوهره ولا تمس قيمه ؟
عفوية الممثلين جعلتنا نعيش تعذيبا ووحشية وعنفا واستبداد من دون دماء ولا موسيقى تبعث فينا الرعب. استحضرنا الاجواء وعشناها كلها، كانت جثة بولينيس تنهشها الكواسر، ماثلة امامنا و استبداد كريون ودمويته في تحركاته المخملية وكلامه الناعم ، يرسل الى الموت خصومه مبتسما . عشناها دون ان نراها . كم كنا في دار التحريض . ما زال زمن انتيقون ممكنا . لتتفتح الف انتيقون وانتيقون.
شارك رأيك