انطلقت، اليوم الجمعة 12 اكتوبر 2018، بأحد فنادق مدينة الحمامات اعمال ندوة علمية دولية حول “السياسات التراثية فى البلدان المغاربية “بمشاركة عدد من الباحثين والخبراء والاكاديميين من تونس والمغرب وليبيا وموريتانيا وفرنسا والجزائر وانقلترا.
وستتناول هذه الندوة التي تتواصل يومي 12 و13 اكتوبر، واقع السياسات التراثية في البلدان المغاربية، والى أي حد ساهمت هذه السياسات في المحافظة على المخزون التراثي في هذه البلدان وتثمينه وإبراز خصوصياته الثقافية والحضارية.
كما يبحث المشاركون في هذه الندوة التي تنتظم بالتعاون بين المركز العربي لابحاث ودراسة السياسات فرع تونس ومخبر اشتغال الأرض، التعمير وأنماط العيش في المغرب العربي في العصور القديمة والوسيطة بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، الجوانب القانونية والتشريعية لمنظومات حماية التراث في هذه الدول وفرص وضع آليات لحوكمة سليمة للقطاع.
وخلال الجلسة العلمية الاولى، تناول الباحث بالمعهد الوطني للتراث بتونس منصور الشقي ما اعتبره مكونا اساسيا من التراث التونسي والمغاربي وهو التراث الامازيغي والذي ينتشر في جل البلدان المغاربية لكن الاهتمام به وابراز خصوصياته المعمارية والثقافية والتاريخية يختلف من بلد لأخر لاعتبارات عديدة، واشار الى ان جردا بسيطا لهذا التراث الامازيغي يؤكد ثراءه وتنوعه وهو يشمل تقريبا جل المجالات والمرافق الحياتية ويمثل اليوم “ثقلا” مهما في هوية التراث المغاربي وان اي مجهود لحماية هذا التراث لا يجب ان يتجاهل هذا الامر
واشار الباحث الصادق بعزيز من المعهد الوطني للتراث الى ان دولة الاستقلال في تونس لم تعر اهتماما كبيرا بالتراث الاثري لأسباب تاريخية وان الساسة وكذلك الباحثين فشلوا في وضع سياسة وطنية واضحة في مجال صيانة هذا التراث وتثمينه اقتصاديا واجتماعيا.
وقال ان العديد من المؤسسات التي انشأت بهدف المحافظة على التراث الاثري منذ عهد الحماية الفرنسية لم تحقق الشيء الكثير في هذا المجال لغياب رؤية علمية تساعد على النهوض بهذا التراث وتثمينه فاغلب الجهود والتدخلات التي بذلت في هذا الصدد اتسمت بالارتجالية فضلا عن صعوبات مؤسساتية وادارية وتشريعية.
واشارت الاستاذة والباحثة الجزائرية نبيلة الشريف الى ان المنظومة القانونية والتشريعية المنظمة لقطاع التراث فى الجزائر تعيش فترة انتقال وترقب بسبب مراجعة قانون حماية التراث الوطني الذي اعتمد منذ عشرين سنة وهو ما اعتبرته فرصة تاريخية لفرض مجموعة من التنقيحات لتحيين منظومة التصرف فى قطاع التراث فى الجزائر على مستوى المؤسسات والتكوين وتحسين مهارات الباحثين وهو ما من شانه ان يساعد على تجاوز الهنات الواردة فى القانون فى نسخته القديمة.
وتمحورت مداخلة الباحث الموريتاني محمدو ميينافاد ان سياسة بلاده فى مجال حماية التراث تمحورت حول المعهد الموريتاني للبحث العلمي الذي قام بالعديد من النشاطات البحثية والاستكشافية فى عدة نواحي من موريتانيا وحققت نتائج هامة، كما نشطت المبادرة الخاصة فى مجال جمع وعرض العديد من القطع الاثرية التراثية فى اكثر من مدينة تراثية حيث نشأ خواص متاحف تراثية، مشيرا الى هذه الجهود العمومية والخاصة استفادت من العديد من المساعدات المالية والتقنية لدفع العمل الوطني فى مجال المحافظة على التراث فى موريتانيا.
وخلال مناقشة هذه المداخلات اشار الحضور الى تواضع البرامج والتدخلات الموجهة لصيانة التراث الاثري التونسي خاصة رغم توفر الاعتمادات المرصودة لهذا الغرض ومنها الموارد التي تمت تعبئتها في اطار التعاون الدولي، كما ان حالة الفلتان الامني التي سادت تونس مثلا بعد جانفي 2011 ضاعفت من المخاطر التي تهدد المواقع الاثرية والتراثية والتاريخية،
وتساءل البعض الاخر عن اسباب ضعف الاهتمام في تونس بالسياحة الثقافية رغم مكانة بلادنا ضمن الوجهات السياحية المتوسطية والعالمية وثراء محزونها التاريخي والاثري.
كما تمت الاشارة الى ان تواضع عدد الباحثين المختصين في مجال التراث وغياب حلقات تكوين لتحسين مهاراتهم اثر بدوره على جهود حماية التراث في تونس وفى البلدان المغاربية.
وكان الدكتور مهدي مبروك مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس اشار قبل ذلك الى أهمية طرح سؤل السياسية العمومية حول التراث في البلدان المغارية وخصوصا في تونس في ظل تنامي الطلب على التراث من حيث تحديد محتواه و صيغ التصرف فيه حفظا و صيانة وتمويلا وهي مطالب لا تخلو من رهانات لا يمكن لراسمي السياسات العمومية ان تتجاهلها.
وتساءل” كيف يمكن رسم سياسات تراثية وفق معايير الحوكمة؟ كيف يمكن ان تصاغ السياسات العمومية التراثية على قاعدة المشاركة؟ كيف يمكن للشعوب المغاربية ان ترسمل تراثها من اجل دعم الهويات المتعددة على اختلافها و تنوعها ضمن اطر وطنية جامعة، وماهي المخاطر التي تهدد التراث في ظل تغيرات مناخية وحروب و كوارث بيئية و انفلاتات امنية وكيف بتم التوقي منها.
بدوره اشار الدكتور عبد اللطيف مرابط مدير مخبر اشتغال الأرض، التعمير و أنماط العيش في المغرب العربي في العصور القديمة والوسيطة بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، الى اهمية موضوع الندوة اعتبارا لقلة البحوث والدراسات التي تناولت هذا المحور وايضا لانهاستتيح تشخيص واقع السياسات المغاربية في مجال حماية التراث وتثمينه، وهل ان السياسات المعتمدة حاليا في هذا المجال تستجيب لطموحات الشعوب المغاربية وما يمكن فعله تحديدا وبصفة مشتركة لصيانة المخزون التراثي المغاربي.
شارك رأيك