إن جريمة الدولة التي ذهب ضحيتها الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا لا تفتح باب جهنم على المعارضة السعودية كما أراد لها الحاكم بأمره الأمير محمد بن سلمان بل ستفتحه على النظام السعودي نفسه.
بقلم أحمد الحباسى
ربما ينطبق على النظام السعودي، خاصة في زمن ولي العهد الجديد محمد بن سلمان، المثل التونسى الشائع “عزوزة ما يهمها قرص”.
هذه اللامبالاة الكريهة هي أحد سمات الأنظمة الشمولية المتكلسة الرافضة لمنطق العصر ومتطلبات الجماهير.
ليس في السعودية نظام برلماني، لا يهم، ليس هناك ديمقراطية، لا يهم، ليس هناك حريات، لا يهم، ليس هناك حرية تعبير، لا يهم، ليس هناك حق في تكوين الأحزاب، لا يهم، ليس هناك حق في معارضة النظام، لا يهم، ليس هناك أجهزة رقابة ومحاسبة للسلطة، لا يهم…
لو بقينا على هذا الحال في فضح هذا النظام لا ينتهى القرن دون أن نأتي على كل عوراته وهو الرافض لكل محاولات التغيير لا من الداخل و لا من الخارج.
العهد محمد بن سلمان شخص غريب الأطوار منفلت العقال
ربما فرح الشعب السعودى خطأ عند تعيين ولي العهد محمد بن سلمان وهو التعيين المشبوه الذي أسال كثيرا من الحبر وطرح عدة علامات استفهام حوله وظن الناس أن الرجل الذي يتقد شبابا سيأتي بما عجز به الأوائل منذ أكثر من نصف قرن من قيادة مملكة العائلة السعودية لكن بمرور الوقت خابت الامال بشكل مرعب وتفطن الجميع أنهم أمام شخص غريب الأطوار منفلت العقال لا يقف عند أية ثوابت بنى عليها عرش آل سعود.
منذ فترة تم إعدام المعارض الشيخ نمر باقر النمر رغم ما أثاره الحكم وتنفيذه من سخط عالمي و حينها فهم الجميع الرسالة والتي تقول أن النظام مستعد لفعل المحظور لردع معارضيه وإجبارهم على الصمت والخنوع خاصة بعد أن فاحت روائح عفنة جراء تصاعد نسق الفساد داخل العائلة المالكة بشكل تجاوز بكثير ما حصل عند كشف فضيحة صفقة الرشاوي الخيالية التي تلقاها النظام في ما يعرف “بصفقة اليمامة”.
هذا الإعدام الوحشي لرجل عرف بمعارضته السلمية للنظام كشف للمراقبين أن النظام ما قبل الإعدام لن يكون نفس النظام بعد الإعدام وأنه على المعارضة أن تشعر بكونها قد أصبحت مهددة في كيانها الجسدي بعد أن سلط النظام عليها مؤسسته الدينية المشبوهة لتشويهها معنويا وإعلاميا لدى الرأي العام.
هذا الشعور توصلت وانتبهت إليه المعارضة مثلما ينضح من بعض المقالات أو التصريحات المنسوبة لبعض رموز المعارضة داخل العائلة المالكة نفسها، منذ فترة قدم تلفزيون “البي .بي. سي” وثائقيا مهما حول اختطاف 3 معارضين سعوديين وهم سلطان بن تركي و تركي بن بندر وسعود بن سيف النصر. هؤلاء تم اختطافهم في الخارج وترحيلهم إلى الرياض وذلك بسبب معارضتهم للنظام وخاصة الأمير سلطان بن تركي المعروف بانتقاده العلني للنظام. عملية اختطاف هؤلاء المعارضين لا تختلف في تفاصيلها عن عملية اختطاف الصحفي عدنان خاشقجي وتؤكد تدخل المخابرات السعودية في عملية الإختطاف.
تسلط النظام السعودي سيزيد لا محالة من راديكالية معارضيه
تشكل عملية إختفاء الإعلامى السعودي جمال خاشقجي منذ أيام من قنصلية بلاده في تركيا لغزا مهما لا يزال يثير كثيرا من الأسئلة ويسيل كثيرا من الحبر بدليل اهتمام الرئيس الأمريكى نفسه و إطلاقه لتهديدات واضحة للنظام السعودي.
نحن لا نثير قصة هذا الرجل مع النظام والمخابرات السعودية وربما التركية من باب التعاطف، حاشا الله، لأن الرجل لم يكن يوما مهتما بقضايا الأمة العربية ولم يعرف عن قلمه ولسانه دفاعا عن فلسطين أو عن العراق أو عن سوريا أو عن اليمن أو غيرها من البلدان العربية التي استهدفها النظام الوحشي السعودي بالإعتداء والتدمير و الإغتيال.
نحن أمام رجل، رغم وجوده الدائم في الولايات المتحدة الأمريكية، كان “حليما” دائما بنظام آل سعود ولم تصدر عنه مواقف يمكن تبويبها في باب المعارضة رغم ما ارتكبه هذا النظام الدموي من مجازر وخطايا ترتقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية، ولعل عملية احتجازه واختطافه وربما إعدامه قد أعطت للمتابعين الفرصة المواتية لمزيد فهم الطبيعة البربرية والوحشية لهذا النظام.
إن التخلص من هذا الرجل وإعدام الشيخ سلمان العودة وملاحقة المفكرين والدعاة والمعارضين يعطي المتابعين التأكيد القوى على تسلط النظام ورغبته في ضرب المعارضة واستعماله للقتل يجعله مدانا أمام ضمائر العالم الحر وهذا سيزيد لا محالة من راديكالية معارضيه.
لعله من سخرية القدر أن يسلط النظام السعودي آلته القمعية ضد شبه معارض لم يرفع يوما صوته ضد كل تجاوزات النظام واكتفى بالتلميح الخجول دون التصريح الذي كان يظن أنه سيؤدي به وراء الشمس، ولعل الرجل لم يكن ينتظر يوما أن تصل الرغبات المتوحشة للنظام إلى هذا الحد وهو الذى كان دائما السند والعضد للعائلة المالكة.
نحن إذن أمام مشهد سوريالي لا يمكن أن يحدث إلا في المملكة السعودية وبعض دول الخليج، ولكن يبقى السؤال: لماذا تم اختطاف الرجل؟ ولماذا استعملت المخابرات السعودية كل قوتها لإعدامه أو لجلبه للرياض؟ ولماذا تصر القنصلية السعودية بتركيا على نفي دخول الرجل إلى حرمتها رغم صور كاميراتها في مدخل القنصلية؟ وهل أن خاشقجي قد تم اصطياده بواسطة خطة محكمة تداخلت فيها أطراف معينة؟ وهل أن المخابرات التركية بقيادة رئيسها الثعلب هاكان فيدان لم تكن على علم بهذه الجريمة؟ وهل أن النظام السعودى لم يتدخل للتعتيم على الموضوع بالإعتماد على صداقته القوية مع الرئيس التركى؟
إن ما حدث هو جريمة دولة بامتياز شاركت فيها أطراف متعددة داخل وخارج تركيا ولعل الأيام القادمة ستكشف كثيرا من الأسرار المرعبة حول هذا النظام تزيد من فشله السياسي والعسكري و تؤكد أن تبذير الأموال لا يصنع الزعامات.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
قضية الجهاز العسكري السري تربك حركة النهضة : الغنوشي على صفيح ساخن
الوجه العاري لحركة النهضة : ما حكاية التنظيم السري ومخططات الإنقلاب على الدولة؟
هل أسقط التونسيون نظام بن علي من أجل نشر الفوضى والفساد والإرهاب ؟
شارك رأيك