في خطوة قد تعدّ مفاجأة لاسيّما من حيث التوقيت، أعلن حزب الإتحاد الوطني الحر، أمس الأحد 14 أكتوبر 2018، اندماجه في حركة نداء تونس، وذلك عقب إنتهاء أشغال مجلسه الوطني المنعقدة أيام 12 و13 و14 أكتوبر بصفة إستثنائية. ما هي مبررات هذا الإندماج و غاياته المعانة وحساباته الخفية ؟
بقلم سنيا البرينصي
الملاحظ أن حزب الإتحاد الوطني الحر لم يكتف بإعلان إندماجه بشكل رسمي في حركة نداء تونس بل جدّد في الان ذاته دعوته إلى تحوير كليّ للحكومة الحالية يشمل رئيسها يوسف الشاهد ليلتقي في هذا الصدد بمطلب نداء تونس، أو ما تبقّى من الحزب (بعد نزيف الإستقالات)، بقيادة المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي.
إعلان الإتحاد الوطني الحر الإندماج في نداء تونس ومطلبه برحيل الحكومة برمّتها كان في حقيقة الأمر متوقعّا منذ أول أمس السبت بالنظر إلى التصريحات الإعلامية الصادرة عن رئيسه سليم الرياحي، إلى جانب لقاءات وجلسات ماراطونية علنية وغير معلنة إحتضنتها فضاءات معينة في البحيرة والضاحية الشمالية بين سليم الرياحي وحافظ قائد السبسي.
التناقض الواضح في تصريحات الرياحي بين الأمس واليوم
سليم الرياحي أعلن السبت، من سوسة، أن حزبه لن يشارك في ما وصفه ب “الإنقلاب الناعم” لكلتة الإئتلاف الوطني المحسوبة على رئيس الحكومة يوسف الشاهد (بالرغم من نفي قياداتها ذلك)، والتي أكدت في العلن أنها تدعم الإستقرار الحكومي لا شخص الشاهد.
كما اعتبر الرياحي أن كتلة الإئتلاف الوطني أصبحت “ماركة” مسجّلة لحزب الدولة، وهنا لا ندري ما يقصد الرياحي ب “حزب الدولة” لأن المفروض يقتضي توصيف هذه الكتلة الوليدة ب “كتلة الحكومة” إن أراد معارضوها إيفاءها التوصيف الأصحّ والأدقّ مضمونا وشكلا بعيدا عن التجاذبات السياسية “الدونكيشوتية” بما أن المنطق يقتضي أن تكون جميع الأحزاب السياسية الوطنية أحزاب دولة بالنظر لأن الحكومات تأتي وتذهب والدولة باقية ومستمرّة.
سليم الرياحي “المثير للجدل” صرّح كذلك خلال أشغال المجلس الوطني الإستثنائي أن حزبه ساهم في تأسيس كتلة الائتلاف الوطني البرلمانية، لتمرير القوانين فقط… هنا يبدو التناقض واضحا بين تصريحات الرياحي بين الأمس واليوم… والسؤال ماذا تغيّر خلال الساعات الأخيرة؟ وماهي تبعات قرار الحزب الإندماج في نداء تونس، لاسيما وأن هذا القرار تمّ تباحثه سابقا بين قيادات الحزبين وتأجّل الحسم فيه مرارا وتكرارا وفي أكثر من مناسبة.
محاولة لترقيع البيت الداخلي للحزب وملأ فراغات نزيف الإستقالات المتواترة
محاولة لترقيع البيت الداخلي للحزب وملأ فراغات نزيف الإستقالات المتواترة
سليم الرياحي يعود من جديد إلى الواجهة ويصنع الحدث هذه المرّة بعد غفوة طويلة وبعد سبات عميق وإنسحاب من المشهد السياسي على خلفية ملاحقات قضائية وتحجير سفر داما حوالي سنة ونصف السنة، وذلك إستعدادا للإنتخابات المقبلة التي لا يفصلنا عنها سوى عام.
سليم الرياحي رجل الأعمال الثرّي الذي ظهر على حين غفلة بعد أحداث 14 جانفي 2011، وترشّح لإنتخابات 2014 وتحصلّ حزبه على 16 مقعدا بالبرلمان متربّعا بذلك على المركز الثالث بعد نداء تونس وحركة النهضة في مفاجأة أذهلت التونسيين.
حزب سليم الرياحي الذي قدّم للتونسيين وعودا لم تتحقّق على غرار وعود أغلب الأحزاب والشخصيات السياسية التي ترشّحت للإنتخابات التشريعية والرئاسية في 2014، شارك في حكومة الحبيب الصيد، ثمّ انقلب عليها وطالب برحيلها ليغادر ممثّلوه الحكومة، ويخسر في الأثناء عددا من نوابه بمجلس الشعب، بين مغادر وملتحق بكتلة نداء تونس، ليعود من جديد لاحقا في وثيقة “قرطاج 1″، ثم ينسحب، ثم يعود ثانية في وثيقة “قرطاج2”.
سليم الرياحي وبعد جهد جهيد وبعد لأي لتسوية وضعيته القانونية ورفع تحجير السفر عنه يعلن مؤخرا دعمه لإلتحاق نواب حزبه بكتلة الإئتلاف الوطني “الموالية للشاهد”، ليعود لاحقا ويعلن الإنسلاخ منها والإنصهار في نداء تونس “شقّ حافظ قائد السبسي”، وكأنها محاولة منه لترقيع البيت الداخلي للحزب وملأ فراغات نزيف الإستقالات المتواترة التي أدّت في ظرف قياسي إلى خسارة النداء المرتبة الثانية من حيث الأغلبية البرلمانية بمجلس الشعب.
الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي يناور من وراء الكواليس
سليم الرياحي وبعد مغازلة قصيرة الأمد لرئيس الحكومة بإلتحاق نواب حزبه بكتلة الإئتلاف الوطني يقرّر الإنصهار في نداء تونس في مغازلة جديدة لنجل الرئيس، ومن خلفه الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي الذي يؤكد متابعون أنه يناور من وراء الكواليس ولم يفقد جميع أوراقه من أجل رأب الصدع بالحزب الذي أسسّه ووصل به إلى كرسي رئاسة الجمهورية.
لماذا في هذا التوقيت بالذات يبعثر الرياحي جميع الأوراق؟ سؤال تجيب عنه مصادر “أنباء تونس” التي أكدت أن اللقاء الذي انعقد مؤخرا بين الرياحي ورئيس الجمهورية تباحث مسألة اندماج الحزبين ورفع الدعم المحتمل للوطني الحر على رئيس الحكومة، كما تباحث أوراق السبسي الجديدة لدفع النهضة لرفع يدها عن دعم الشاهد.
كما تؤكد مصادرنا أن ما لم يعلن عنه في اللقاء الذي جمع الرياحي بالسبسي هو إمكانية رفع الحظر على أموال الرياحي المجمّدة في قادم الأيام في حال الإنصهار مع النداء، وبالتالي يصبح المطلوب من الرياحي التخندق في المعسكر المناهض لبقاء الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد.
مصادر “أنباء تونس” تؤكد كذلك أن اللقاء الذي جمع رئيس الحزب الوطني الحر برئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مثّل كذلك أرضية ملائمة وحاسمة لقرار سحب الحزب نوابه من كتلة الإئتلاف الوطني.
لقاء ثالث هام وحاسم طبخت فيه العملية واستوت على نار ليست “هادئة بالمرّة” هذه المرّة انعقد بين الرياحي وحافظ قائد السبسي وسفيان طوبال بالمنستير سويعات قبيل إنعقاد أشغال المجلس الوطني للإتحاد الوطني الحر بسوسة.
غايات أخرى في رأس “يعقوب” الرياحي
وتفيد مصادرنا بأن التصريحات الإعلامية التي أدلى بها سليم الرياحي خلال أشغال المجلس الوطني للحزب وبعدها هي تقريبا رؤوس أقلام تمّ الإتفاق عليها خلال الإجتماع الثلاثي المذكور.
كما تفيد مصادرنا بأن الرياحي أجرى اتصالات متواترة مع نواب حزبه، من ذلك نواب استقالوا نهائيا من الحزب ورفضوا العودة إليه، للتنسيق معهم حول اليات الإنصهار مع النداء والموقف من الحكومة والخطوط العريضة لأجندا العمل في ما تبقّى من الدورة البرلمانية.
وأكدت مصادرنا أن كل نواب الحزب لم يبدوا أي إعتراض على قرار الرياحي الإنسحاب من كتلة الإئتلاف الوطني والإندماج في نداء تونس.
وفي هذا السياق، يقول النائب عن الحزب الوطني الحر بمجلس الشعب عبد الرؤوف الشابي، في تصريح ل “أنباء تونس”، إن النواب كانوا على علم وبيّنة من قرار رئيس حزبهم.
ويضيف الشابي أن سبب إنسحاب نواب الوطني الحر من كتلة الإئتلاف الوطني هو توصّلهم إلى حقيقة هو أن هذه الكتلة وجدت لخدمة مصلحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مقابل ضرب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وفق تعبيره.
ويوضّح الشابي أن نواب الوطني الحر التحقوا بكتلة الإئتلاف الوطني لتسريع المصادقة على مشاريع القوانين ليس إلاّ… وهو ما يطرح أكثر من سؤال. هل يكفي هدف تسريع المصادقة على مشاريع القوانين المعطّلة، على غرار المحكمة الدستورية، وغيرها، مع نبله الظاهر، ليقرّر نواب حزب قائم الذات تمّ حلّ كتلته البرلمانية الإلتحاق بكتلة وليدة بطريقة متسرّعة وعشوائية إن صحّ هذا التقدير؟ أم أن الأمر تمّ دون العودة إلى قيادة الحزب؟ أم لغايات أخرى في رأس “يعقوب” الرياحي؟؟ ربّما.
النائب عن الوطني الحر عبد الرؤوف الشابي أكد كذلك أنه تمّ التنسيق بين رئيس الحزب ونوابه حول قرار الإنسحاب من كتلة الإئتلاف الوطني والإندماج في نداء تونس.
ويضيف الشابي أن نواب الحزب، وعددهم 15 نائبا، سيقدّمون يوم الثلاثاء المقبل رسميا إستقالتهم من كتلة الإئتلاف الوطني.
يشار إلى أنه بإستقالة نواب الوطني الحر من كتلة الإئتلاف الوطني بكتلة النداء يصبح عدد نواب هذه الأخيرة 54 نائبا، وبالتالي تعيد إفتكاك المرتبة الثانية من حيث الأغلبية البرلمانية من كتلة الإئتلاف الوطني التي خسرت 15 نائبا متقهقرة بذلك إلى المرتبة الثالثة.
مرّة أخرى لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وهل أجبر السبسي النهضة على رفع الغطاء عن الشاهد؟
دون سابق إنذار تعلن هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عن معطيات جديدة وخطيرة وموثّقة عن وجود تنظيم أمني سرّي لحركة النهضة الإسلامية وتتهّمها علنا بالتورّط الجنائي في ملف الإغتيالات السياسية.
و ما موقع النهضة و موقفها من هذه التطورات ؟
وفي هذا الإطار، تفيد مصادر مطلعة ل “أنباء تونس” بأن عرض المعطيات الخطيرة بخصوص ملف الإغتيالات السياسية للرأي العام من طرف هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي تمّ بتدبير من رئيس الجمهورية وبضوء أخضر منه للضغط على النهضة حتى ترفع يدها عن الشاهد لتتّقي شرّ المحاسبة القضائية.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن إعلان رئيس الجمهورية في خطابه الأخير إنهاء التوافق مع حركة النهضة كان تمهيدا لعرض المعطيات المتعلّقة بإغتيال بلعيد والبراهمي للضغط على النهضة وإبتزازها وحصرها في الزاوية بين خيارين إثنين لا ثالث لهما: إما رفع الدعم عن الشاهد أو الملاحقات القضائية والسجون؟
وأكدت ذات الجهة أن النهضة وافقت في السرّ على تنحية رئيس الحكومة حماية لمصالحها وخوفا من المحاسبة، إضافة إلى أنه بإنسحاب نواب الوطني الحر من كتلة الإئتلاف لا يمكن حسابيا اكتمال النصاب القانوني للمصادقة على بقاء الحكومة الذي يفترض 109 صوتا. وأضافت أن مسألة رحيل الحكومة حسمت تقريبا، لاسيما بعد إستعادة كتلة نداء تونس المرتبة الثانية برلمانيا.
وبالتالي، ووفق ذات الجهة، فإن السبسي، خاصة بعد إستعادة إشعاعه الخارجي في القمة الفرنكوفونية واحتفاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اللافت به، سيدعو قريبا إلى تفعيل الفصل 99، وتحديدا بعد المصادقة على قانون المالية يوم 10 ديسمبر المقبل.
وتابعت ذات الجهة بأن قرار حزب سليم الرياحي الإنصهار في نداء تونس لم يأت من فراغ بل تمّت المراهنة من خلاله على الجواد الرابح، لاسيما وأن رئيس الحزب سليم الرياحي عرف بتخندقه دوما في المعسكر الرابح…إلاّ أن الحروب جولات ومعارك…يوم لك ويوم عليك.. بالنظر إلى أن المشهد متحرّك”، تقول مصادرنا.
وبالفعل بعد إنصهار حزب الرياحي وحزب حافظ قائد السبسي يبقى المشهد السياسي في بلادنا مفتوحا على كل الإحتمالات…وكأنه مشهد أشبه بالمشي على الرمال المتحرّكة، وهي رمال “حارقة” لأنها ستكون حبلى بالمفاجآت والتطوّرات وقد تغرق الكثيرين… ننتظر…
شارك رأيك