يحتل الجزء العسكري والأمني الصدارة في أولويات العلاقات الإفريقية الإسرائيلية، إذ بدأت المساعدات العسكرية الإسرائيلية لبعض الدول الافريقية حتى قبل استقلال هذه الدول، فقد قامت كل من أوغندا وغانا في العام ” 1962 ” بإرسال عسكريين وضباط للتدرب في إسرائيل، وبالمثل أرسلت تنزانيا مجموعة من الضباط للتدرب في المعاهد الحربية الإسرائيلية، كما دربت إسرائيل أول مجموعة من الطيارين من أثيوبيا وغانا وأوغندا، ودربت طيارين مدنيين من نيجيريا.
وفي العام “1966 ” أنشأت إسرائيل أول كلية حربية في غانا، حيث كان يتواجد فيها “100 ” ضابط إسرائيلي كخبير ومدرب، وتواجد في أوغندا أكبر بعثة اسرائيلية في العام ” 1965 ” وكان ضباط وجنود الجيش والشرطة وجهاز الاستخبارات الأوغندية يتلقون تدريبهم على يد ضباط من الجيش الاسرائيلي، وهنا من الجدير ذكره أنه حتى خلال الفترات التي تم فيها قطع العلاقات من قبل الدول الإفريقية مع إسرائيل ، لم تؤثر على مستوى هذا التعاون العسكري بين الطرفين .
اتفاقيات سرية
وترتبط اسرائيل بمعاهدات عسكرية وأمنية سرية مع العديد من الدول الإفريقية، تتضمن تدريب الجيوش وأجهزة الاستخبارات في تلك الدول، وذلك للحفاظ على استمرار الأنظمة الديكتاتورية في إفريقيا التي تجد فيها إسرائيل ضالتها لتحقيق أهدافها .
فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت إسرائيل بتوقيع معاهدة سرية للتعاون العسكري مع زائير التي طلبت مساعدة إسرائيل على أثر محاولة الانقلاب الفاشلة فيها، وقامت إسرائيل بمساعدة الجيش الليبيري في قمع التمرد على النظام، وعقدت معها صفقة عسكرية بملايين الدولارات، ويقوم الخبراء الإسرائيليين بتدريب الجيش الكاميروني ، وباعت لها إسرائيل طائرات من نوع “كفيرو عرافا “، ناهيك عن التعاون العسكري الإسرائيلي مع أثيوبيا التي تحتل موقع الصدارة في اهتمامات قادة اسرائيل كونها البلد الوحيد الغير عربي المطل على البحر الأحمر .
وعلى امتداد السنوات الماضية، إضافة إلى حصدها الأموال من النزاعات الدموية في القارة الافريقية، قامت إسرائيل بتوظيف علاقاتها المميزة مع العديد من الضباط في المؤسسات العسكرية والأمنية الإفريقية، لاختراق القارة وللحفاظ على مصالحها الاستراتيجية فيها على المدى البعيد .
وقد نقلت إسرائيل سياستها في إشعال فتيل الحروب والنزاعات، وإذكاء التناقضات المتعددة، وممارسة الخداع والابتزاز، وإثارة النعرات القومية والمذهبية، نقلت كل هذا الميراث البغيض الذي كان يشكل بالنسبة لها نهجاً منتظماً في علاقاتها مع محيطها العربي طوال عقود إلى القارة الإفريقية، ولا تتردد إسرائيل في عمل كل شيء في سبيل تحقيق أهدافها، فتراها تستغل على سبيل المثال، النزاعات الإرتيرية وحالة الفوضى الأمنية السائدة في الصومال من أجل تعزيز علاقاتها مع أثيوبيا التي قامت بالحصول على كميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية بهدف تأزيم منطقة القرن الإفريقي التي تعاني بالأصل من أزمات متفجرة متعددة.
نتيجة للدعم الإسرائيلي غير المحدود يصنف الجيش الإثيوبي ثالث أهم جيش في القارة الإفريقية بعد مصر والجزائر، ويحتل الموقع 42 عالمياً، بامتلاكه 2300 دبابة، و800 مركبة، 200 صاروخ متعدد، 90 طائرة مقاتلة، 43 طائرة مروحية، بحسب الأرقام التي نشرها موقع “جلوبال باور فاير”.
الاقتحام الناعم
نعود قليلاً إلى الوراء، فبعد قيام دولة إسرائيل في العام 1948 عاشت الدولة الجديدة عزلة مع محيطها العربي والإفريقي، هذا التهميش الذي تعرضت له إسرائيل من قبل جيرانها جعلها تستنبط أساليب جديدة لكسر هذه العزلة، فظهرت فكرة المساعدات للدول الإفريقية المجاورة الفقيرة، فبدأت إسرائيل بطرق أبواب القارة وتقدم نفسها على أنها فاعل خير، وبدأت مساعداتها تصل إلى بعض الدول الإفريقية وفي مقدمتهم إثيوبيا، ومع وصول هذه المعونات الإسرائيلية تباعاً إلى إفريقية كانت إسرائيل تنفذ إلى قلب القارة، وكان وجودها يتبلور ويتعزز في إفريقية خاصة في إثيوبيا لتصبح حليفة إسرائيل المطلة على البحر الأحمر.
في بداية الستينيات من القرن العشرين أرسلت إسرائيل عدد من المستشارين العسكريين كي تقوم بتدريب المظليين الإثيوبيين، وكذلك تدريب وحدات خاصة لمكافحة التمرد والشغب، كما قامت إسرائيل بتدريب جنود وضباط الفرقة الخامسة في الجيش الإثيوبي لمواجهة جبهة التحرير الإرتيرية.
في العام 1973 قطعت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وإثيوبيا تضامنا مع مصر والعرب، لكن استمرت إسرائيل بإرسال قطع الغيار للطائرات والذخيرة للأسلحة أمريكية الصنع التي يملكها الجيش الإثيوبي، وكذلك استمر تواجد عدد كبير من المستشارين والخبراء العسكريين الإسرائيليين في أديس أبابا، ولم يتغير هذا الوضع حتى مع وصول الرئيس الإثيوبي ذو التوجه الماركسي “مانجستو هيلا مريام” للسلطة في العام 1974 من القرن العشرين، لكن هذا الوضع تغير في العام 1978 حين قام الرئيس “مانجستو” بطرد جميع المستشارين الإسرائيليين من إثيوبيا على أثر انكشاف علاقة البلدين مما اعتبر خرقاً لقرارات مجلس الوحدة الإفريقية ووضع إثيوبيا في حرج شديد من الدول الإفريقية.
في العام 1983 ورغم استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين إثيوبيا وإسرائيل، قامت الأخيرة بتدريب عسكري وأمني للحرس الرئاسي ولجهاز الشرطة الإثيوبي ولرجال بعض الأجهزة الأمنية ومنها المخابرات.
ثم بدأت إسرائيل في استقبال يهود الفلاشا الذين هاجروا من إثيوبيا بناء على اتفاق بين الحكومتين في العام 1985 مقابل مساعدات عسكرية تقدمها إسرائيل لأديس أبابا، ولغاية العام 1987 كانت إثيوبيا تلقت معونات عسكرية بقيمة 85 مليون دولار مكافأة لها على السماح ليهود الفلاشا بالهجرة إلى إسرائيل، وأرسلت تل أبيب 300 مستشار وخبير أمني وعسكري إلى إثيوبيا، وقامت خلال هذه الفترة بتدريب 40 طياراً إثيوبياً في إسرائيل، في العام 1989 من القرن العشرين تم إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتم افتتاح السفارة الإسرائيلية في أديس أبابا، وقدمت إسرائيل المزيد من المساعدات العسكرية لإثيوبيا.
في العام 1990 قدمت إسرائيل حوالي 150 ألف بندقية للجيش الإثيوبي بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، وتوسعت مساعدات إسرائيل لتضم معونات صحية وأدوية، وكذلك أرسلت خبراء في مجال الري والزراعة، وفي العام 1991 قامت إسرائيل بنقل 15 ألف يهودي من الفلاشا مباشرة عبر جسر جوي من أديس أبابا إلى إسرائيل، ودفعت للرئيس الإثيوبي مبلغ 35 مليون دولار قبل أن يطيح به انقلاب شعبي ضده فهرب إلى زيمبابوي، وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن إثيوبيا لا تبلغ ميزانيتها العسكرية سوى 0,8 في المائة، إلا أنها أصبحت ثالث أقوى جيش في القارة السمراء بفضل الدعم العسكري الإسرائيلي.
تفتيت العلاقات العربية -الافريقية
أصبح من المؤكد أن إسرائيل استطاعت وعبر برنامج المساعدات العسكرية بشكل رئيسي، والإنمائية بدرجة أقل، استطاعت أن تفسد العلاقات التاريخية بين العرب ومصر بوجه خاص وإثيوبيا، وأنها تمكنت من إخراج مصر من إثيوبيا والحلول مكانها، وبدأ فصل جديد من فصول الضغط الإسرائيلي على مصر والسودان عبر أذرعها الإفريقية في إثيوبيا وغيرها من الدول الإفريقية.
إن التعاون العسكري وتقديم مساعدات عسكرية إلى الدول الإفريقية، وكذلك تدريب ضباط الجيش والأجهزة الأمنية الإفريقية، كان ولايزال يستحوذ على أهمية خاصة في الاستراتيجية الإسرائيلية، لتوظيف هذا الملف في ممارسة الابتزاز والضغوط والمقايضة، والأهم هو استخدامه كسلاح في مواجهة الدول العربية لتهديد أمنها والضغط عليها لتغيير مواقفها في بعض الملفات، ومن أجل هذه الرؤية عملت إسرائيل على تكثيف نشاطها وتواجدها العسكري في إفريقيا، وقامت بإرسال كثير من الخبراء والمستشارين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين إلى عدة دول إفريقية من أجل تدريبهم والإشراف عليهم، حتى أن إسرائيل قامت بتدريب كثير من الحراس الرئاسيين الذي يتولون حماية قادة ورؤساء القارة السمراء، وجلبت الآلاف من الأفارقة للدراسة والتدريب في معاهدها الحربية وكلياتها العسكرية.
ولم تكتفي إسرائيل بتقديم السلاح وتدريب الجنود والضباط، بل قامت أيضاً بنقل تجربتها في العمل مع منظمات الشباب الشبه عسكرية مثل تجربة منظمتي “الناحال” و”الجدناع” وقامت بإرسال مستشارين ومدربين إلى بعض الدول الإفريقية لتعليمهم كيفية تنظيم صفوف الشباب الإفريقي في فصائل تجمع العمل المدني والتدريب العسكري سوية.
أيضاً أرسلت إسرائيل عدداً من مدربيها للإشراف على تنظيم الخدمة العسكرية التي تفرض على الشباب الإفريقي لفترات زمنية محددة كما هو الحال في إسرائيل، وقامت أيضاً بإرسال عدد من الخبراء لتدريب قوات الشرطة في تنزانيا، ودربت قوات المظليين في الكونغو، ثم أنشأت مدرسة هناك وقدمت لجيش الكونغو أسلحة وعتاد، ثم في سيراليون أيضاً يتكرر ذات السيناريو حيث أرسلت إسرائيل خبراء عسكريين وضباط من أجل تدريب الجيش السيراليوني، ثم أنشأت لهم مدرسة عسكرية في فري تاون.
والجدير بالذكر هنا أن إسرائيل استطاعت أن تبني قواعد جوية وبحرية في دول القرن الإفريقي، وبالطبع الغاية الرئيسية منها هو تهديد الأمن العربي والضغط على مصر والسودان، وقد تحولت جميع هذه القواعد إلى مراكز للتجسس على الدول العربية وعلى الدول الإفريقية نفسها، كما شكلت إسرائيل فرق عمل أمنية ومجموعات عسكرية بشكل مشترك مع عدد من الدول الإفريقية، الغاية منها هو تقوية نفوذ إسرائيل داخل الأجهزة العسكرية والأمنية الإفريقية عبر هذه المجموعات التي تضم الكثير من كبار الضباط الذين تلقوا تدريبهم في المعاهد العسكرية الإسرائيلية في إسرائيل أو تدربوا بواسطة مستشارين إسرائيليين في بلدانهم جميعهم يدينون بالولاء للمصالح الإسرائيلية ، وتربطهم علاقات مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ومعظم هؤلاء الضباط من إثيوبيا والكونغو ورواندا وزائير وساحل العاج ومن جنوب إفريقيا وإريتيريا وكينيا وأوغندا وتنزانيا.
وفد شجعت إسرائيل الأجيال الجديدة من القادة الأفارقة الذين ينتمون إلى أقليات عرقية أو مذهبية في بلدانهم، ويرتبطون بعلاقات جيدة مع إسرائيل، ومنهم “مينيس زيناوي” في إثيوبيا و “أسياسي أفورقي” في إريتيريا و “جون جارانج” في دنوب السودان و “يوري موسيفيني” في أوغندا، وكل هؤلاء أصبحوا قادة بلدانهم وأصدقاء مخلصين لإسرائيل ويدافعون عن مصالحها.
إن إسرائيل ترتبط مع إريتيريا باتفاقية أمنية تم توقيعها في العام 1996، حصلت بموجبها إريتيريا على مساعدات عسكرية ضخمة، وحصلت إسرائيل على تسهيلات لتعزيز وجودها في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وأصبح لها تواجد عسكري في مضيق باب المندب.
في الصراع الذي وقع في منطقة البحيرات العظمى في العام 1994 قامت إسرائيل بتزويد كل من رواندا وبوروندي والكونغو بالأسلحة وبالمستشارين العسكريين وذلك بهدف إثارة النعرات والقلائل لتبقى هي المستفيد الوحيد والقادر على إدارة هذه الصراعات في المنطقة.
وقام جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد من خلال مكتبه في نيروبي، ومن خلال تعاون إسرائيل الأمني مع كينيا بتحريض الأخيرة على إثارة التوترات فيما يتعلق بأزمة مياه النيل مع مصر في العام 2003، وظلت إسرائيل تضغط على كينيا حتى أعلنت انسحابها من معاهدة حوض النيل الموقعة في العام 1929، وكررت إسرائيل نفس السيناريو مع أوغندا التي أعلنت أنه يجب إعادة التفاوض حول موضوع مياه النيل والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، أو أنها سوف تنسحب من الاتفاقية كما فعلت كينيا.
وقد أصدر الدبلوماسي الإسرائيلي السابق “آريه عوديد” كتاب “إسرائيل وإفريقيا” في العام 2014 وترجمه إلى العربية الدكتور عمر زكريا المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، وتظهر قيمة هذا الكتاب الهام من أن مؤلفه كان من الذين وضعوا خطط اختراق القارة الإفريقية من قبل إسرائيل، وساهم في عملية بناء وتعزيز العلاقات الإسرائيلية الإفريقية على مدار عقود، وكان قد بدأ عمله الدبلوماسي في أوغندا في العام 1961، وانتقل ليرعى المصالح الإسرائيلية في كينيا في سبعينيات القرن العشرين، ثم في تسعينيات القرن الماضي عمل سفيراً في سوازيلاند وكينيا، ثم عين سفير غير مقيم في لاسوتو وزامبيا وموريشيوس وجزر سيشيل، وعمل محاضراً للدراسات الإفريقية في الجامعة العبرية في القدس.
علاقات سرية رغم المقاطعة
يذكر الدبلوماسي الإسرائيلي في كتابه آنف الذكر، أن إسرائيل ظلت على علاقات سرية مع الدول الإفريقية التي قطعت علاقاتها الرسمية العلنية مع إسرائيل في مراحل مختلفة خلال القرن العشرين، نتيجة للضغوط التي تعرضت لها تلك الدول الإفريقية من الأنظمة العربية، وظلت إسرائيل تعمل بكامل حريتها في تلك الدول، ويقر “عوديد” أن إسرائيل استمرت في تقديم كافة أنواع المساعدات العسكرية والأمنية للدول الإفريقية، وذكر أن إثيوبيا وإريتيريا لاحقاً كانتا مهمتان جداً لإسرائيل من أجل تأمين الطرق الملاحية للشرق الأقصى ولجنوب إفريقيا، والموانئ الموجودة في مومباسا في كينيا ودار السلام في تنزانيا هي موانئ مهمة لإسرائيل بهدف كمحطات في الطرق الملاحية، ويقول أن التواجد العسكري الإسرائيلي في إثيوبيا وأوغندا وكينيا بالغ الأهمية من الناحية الجيوسياسية لتطويق العرب.
وكان عوديد قد درس في جامعة ماكريري البريطانية في أوغندا، وقد درس معه في هذه الجامعة العديد من الزعماء الأفارقة الذين وصلوا إلى هرم القيادة السياسية والعسكرية في بلدانهم فيما بعد ومنهم “بنجامين مكابا” الرئيس التنزاني السابق، وقام الدبلوماسي السابق اثناء عمله بإرسال الكثير من الطلبة الأفارقة للدراسة في إسرائيل، وكان يختارهم بمعاونة رجال المخابرات الإسرائيلية الموساد بناء على معايير معينة أهمها مدى قدرة هؤلاء الطلبة على تبوأ مناصب قيادية في بلدانهم لاحقاً، ودرجة صداقتهم مع إسرائيل، ومن بين هؤلاء الذي أرسلهم للدراسة “يوسف لولي” الذي أصبح رئيس أوغندا بعد سقوط عيدي أمين.
وكشف عن الدور الخطير الذي لعبه الجيش الإسرائيلي وجهاز المخابرات الموساد في بعض الدول الإفريقية من خلال السفارات الإسرائيلية وبعض ملحقياتها التجارية والثقافية، بواسطة مستشارين أمنيين بلغ عددهم العشرات في كل من إثيوبيا، أوغندا، الكونغو، تنزانيا، كينيا، إريتيريا.
أوغندا النموذج
وكانت إسرائيل ساعدت الرئيس الأوغندي “أوبوتي” بناء على طلبه في مساعدة حصل عليها من إسرائيل لتنظيم وتدريب جيشه لمواجهة أعدائه في السودان التي كانت إسرائيل تدعم قيام كيان غير عربي في جنوبه، الاهتمام الإسرائيلي بأوغندا يأتي من كون منابع النيل الأبيض فيها، وكونها تقع جنوبي مصر والسودان الدولتين العربيتين اللتين تريد إسرائيل حصارهم والضغط عليهم، مما دفع إسرائيل إلى القيام بتدريب سلاح المشاة والمظلات والمدرعات والقوات الجوية في الجيش الأوغندي، ودربت أيضاً رجال وضباط الشرطة، وأول دبابة حصل عليها الجيش الأوغندي كانت مقدمة من إسرائيل ضمن ست دبابات، ودربت الطيارين العسكريين الأوغنديين في معهد للطيران قامت ببنائه إسرائيل في أوغندا، ثم قدمت لهم أربع طائرات تدريب ظراز “بوخانا” ولاحقاُ باعت لهم 12 طائرة من نوع “بوجا”، وفي فترة لاحقة دؤبت إسرائيل 30 طيار أوغندي في إسرائيل، ودربت معهم عشرات الفنيين لصيانة الطائرات.
ثم جاء الوقت كي تحصد إسرائيل فيه ثمار هذه المساعدات والدعم الكبير الذي حصلت عليه أوغندا التي أصبحت من الدول الإفريقية التي تمتنع عن التصويت في القضايا التي تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي في المحافل الدولية.
وعلى سبيل الذكر عارضت أوغندا مشروع قرار حول القدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2003، كما امتنعت عن التصويت في قضية جدار الفصل العنصري الذي اقامته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية حين طرح اقتراح لتحويل الموضوع إلى المحكمة الدولية، وفي أكثر من مناسبة أدانت أوغندا كفاح الشعب الفلسطيني واعتبرته إرهاباً.
ودولة مثل” الرأس الأخضر” وهي عبارة عن مجموعة جزر تقع غرب إفريقيا، يصرح رئيسها” جورجي كارلوش” بعد اللقاء الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ” بنيامين نتنياهو” على هامش اجتماع المنظمة الاقتصادية المشتركة لدول غرب إفريقيا قبل شهور قليلة، بأن دولته لن تصوت ضد إسرائيل في الأمم المتحدة من الآن فصاعداً.
وقبل جولته الثالثة إلى إفريقيا، استضاف “نتنياهو” رئيس توغو “فاورا غناسينغبي” على مأدبة عشاء في منزله بالقدس الغربية، ومن اللافت ما كتبه الرئيس الإفريقي في سجل الزوار” أحلم بعودة إسرائيل إلى إفريقيا، وعودة إفريقيا إلى إسرائيل”، ورد عليه “نتنياهو” بقوله” أن توغو هي صديقة حقيقية لإسرائيل”.
للتذكير
إن العالم من حولنا يتغير، وتتبدل معه مصالح الدول وتحالفاتها، فهل أصبحت فلسطين والقضية الفلسطينية في طي النسيان بالنسبة لمعظم الدول الإفريقية؟
وهل يمتلك العرب القدرة والرؤية والقرار والعزيمة على تصويب وتحسين العلاقات الرسمية والشعبية بينهم وبين شعوب إفريقيا وقادتها، أم أن الأزمات العربية -العربية التي لا تنتهي جعلت من العرب قوماً يفكرون خارج مصالحهم بل خارج التاريخ وخارج الجغرافيا.
حسن العاصي كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدانمرك
شارك رأيك