صدر يوم الأربعاء 31 أكتوبر 2018 بيان عن مجلس الهيئة الوطنية للمحامين وكان مذيلا بإمضاء عميده إثر جلسة طارئة بمكتبة المحامين انعقدت يوم 30 أكتوبر 2018. وقد كان البيان غريبا في موضوعه وفي المواقف المعبر عنها صلبه. إذ تعلق بالنظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنظيم مهنة عدل الإشهاد وخاصة ما ورد بالفصل 42 منه وفق نص البيان.
من المعيب أن يتجرأ هيكل ممثل لمهنة من بين المهن القانونية على التدخل الفج وغير المقبول في صراع تخوضه مهنة أخرى مع السلطة المتمثلة في وزارة العدل لترجيح كفة الأخيرة. إذ أن عدالة الإشهاد تخوض منذ بداية سنوات الألفين معركة ضارية ضد وزارة العدل التي ترفض الاعتراف لها بحقها في الإرتقاء إلى مستوى المعايير الدنيا المعتمدة دوليا.
لم يخل البيان من ألفاظ غير لائقة لهيكل تربطنا بمنظورية علاقات الزمالة والمودة والإحترام ومن عبارات التهديد والوعيد والخطوط الحمراء والحزم والعزم والشراسة، لكأن من حرر البيان أراد استعراض عضلاته والتباهي بقوته في مقابل مهنة مهمشة لا حول لها ولا قوة. وهي عبارات وقحة لم نر محرر البيان يستعملها في مساندة هيئة الدفاع عن الشهيدين ضد من يحاول التعتيم على قضايا خطيرة تمس بأمن الوطن والمواطن مثل قضايا الاغتيالات والجهاز السري. ولا ندري حقا إن كان عميد المحامين قد أصدر بيانا في ذلك الشأن أم أن تهديد عدالة الإشهاد ومحاولة منعها من حقها في مسايرة التطورات العالمية يقض مضجعه ويقلق راحته أكثر من قضايا مصيرية تهدد الدولة ومستقبلها.
وردت عديد المغالطات في البيان المذكور تنم عن جهل مدقع بالدستور وبالقوانين وبمشروع القانون الذي أرسلته وزارة العدل لرئاسة الحكومة. إذ رفضت وزارة العدل بأن يتضمن اكساء محررات عدل الإشهاد بالقوة التنفيذية بل تم الغاء الفقرة المتعلقة بذلك بعد الإتفاق عليها صلب محاضر رسمية. وهو ما دفع عدول الإشهاد إلى الاحتجاج وسنشهد غدا الخميس أولى ندواتهم الصحفية وبداية تحركاتهم الاحتجاجية على هيكلهم الوطني المتواطئ أولا وعلى وزارة العدل التي ألغت أية إشارة إلى القوة التنفيذية في مشروع القانون المشار إليه ثانيا في تعارض صارخ مع المصلحة الوطنية. إذ تكفل أغلب دول العالم المتحضر لمواطنيها التمتع بالمظلة الحمائية للحجة العادلة. وفي اعتداء مهين على مهنة تكابد لسنوات من أجل اكتساب صلاحيات يملكها عدول الإشهاد في أغلب الدول الإفريقية فضلا عن الدول الأوروبية.
يجهل مصدر البيان وظيفة القوة التنفيذية ويعتبر أنها تمس بمبدأ التقاضي على درجتين وحق المواطن في الطعن في كل الكتائب مهما كان مصدرها ومحررها. وهو ما يدعو حقا إلى الابتسام والتندر، إذ أن أي دارس مبتدئ للقانون يعلم تمام العلم أنها لا تمنع الطعن في محررات عدل الإشهاد مثلها مثل أية حجة بالكتابة ولا التقاضي في حقها على درجتين. إذ لا تمنحها أية حصانة بل هي آلية معتمدة في أغلب القوانين المقارنة للتخفيض من كلفة التحصل على الحقوق ومن مدة التقاضي وهو ما يمثل مصلحة أكيدة للمواطن التونسي الذي تهضم حقوقه من جراء المدة المهولة التي تتطلبها عملية الفصل في ملفاته وكذلك لجهاز العدالة الرازح تحت مئات آلاف الملفات التي يمكن حلها بالقوة التنفيذية.
اعتبر البيان أن اكساء محررات عدل الاشهاد بالقوة الثبوتية والقوة التنفيذية يمثل اعتداء على اختصاصات المحامي ونسفا لحقه التاريخي والقانوني في تحرير العقود. وكنا بيننا خطأ ذلك بالنسبة للقوة التنفيذية التي ستمكن المحامي بالعكس من ذلك من مجال عمل جديد وهو قضايا وقف تنفيذ الحجة العادلة.
أما الإشارة إلى القوة الثبوتية التي يخشى معها محرر البيان على اختصاصات المحامي، فهي من أجمل النكت المضحكة، إذ يجهل محرره أن مجلة الالتزامات والعقود الصادرة سنة 1906 نصت لسوء حظه على امتلاك محررات عدل الإشهاد للقوة الثبوتية والتاريخ الثابت باعتبارها حجة رسمية. وندعوه إلى الإطلاع العاجل على القسم الثاني من المجلة وعمرها 112 سنة والمتعلق بالبينة بالكتابة. ولينطلق من الفصل 440 وينتقل إلى ما يليها من الفصول ليفهم معنى القوة الثبوتية وليطلع أخيرا على الفرق بين الحجة الرسمية والكتب الخطي.
يبقى أنه على الجميع أن يعلم أن عدول الإشهاد انزعجوا من ذلك البيان واعتبروه إهانة لهم وإعتداء غير مبرر عليهم. وهو ما يدفع إلى التأكيد على أننا لسنا طلاب حروب ونتمنى المحافظة على علاقات جيدة بهباكل المحاماة ولو كانت نهضوية الهوى ولكن بشرط عدم الإعتداء على عدالة الإشهاد.
لقد نالت المحاماة التي نحترمها ونحترم أبناءها حقها وأكثر من حقها في ظروف استثنائية قبل الثورة، بإقصاء عدول الإشهاد من اختصاصهم الطبيعي في تحرير عقود بيع الأصول التجارية ومن مطالب التحيين والتسجيل لدى المحكمة العقارية وهي اختصاصات تاريخية لعدول الإشهاد.
وكذلك بعد الثورة بتمرير مرسوم غير دستوري حاول ابتلاع صلاحيات عدل الإشهاد كنا اعترضنا عليه في إبانه.
ورغم كل ذلك، فإننا نوجه نصيحة ودية لأصدقائنا المحامين بعدم التدخل في شؤون غيرهم التي لا تعنيهم. وخاصة باحترام نضالات أجيال من عدول الإشهاد لا هدف لهم سوى نيل حقوقهم الطبيعية في الارتقاء بمهنتهم إلى مستوى المعايير الدولية بدون أن يمس ذلك بمصلحة أي طرف. فعدول الإشهاد لا مطالب مادية لهم تثقل كاهل الدولة ولا رغبة لهم في الإستيلاء على ما ليس من حقهم وليس لهم بالتالي ما تزعجهم خسارته ولكنهم لن يقبلوا الإعتداء عليهم وهم مستعدون دوما لخوض أية معارك قد تفرض عليهم.
شارك رأيك