“ظنّينا إلّي أحنا قضينا على الإرهاب، لكن في الحقيقة إن شاء الله هو ما يقضيش علينا”… من الأقوال المأثورة التي أتحف به رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلّحة شعبه عقب التفجير الإنتحاري الذي شهده شارع الحبيب بورقيبة، أول أمس الإثنين 29 أكتوبر 2018، ليمثّل هذا التصريح صدمة نفسية لكل تونسي وتونسية أحبطت عزائمهم، كيف لا وهذه الكلمات صدرت عن رئيس البلاد وحامي الجمهورية والأمن القومي وفق ما ينصّ عليه الدستور.
بقلم سنيا البرينصي
موجة كبيرة من الإستياء والإستنكار شهدها الرأي العام الوطني في الشارع، على مواقع التواصل الإجتماعي بخصوص التصريحات “الصادمة” لرئيس الجمهورية من برلين الذي قال كذلك: “ظننا أننا انتهينا من مكافحة الإرهاب في المدن، وأنه مازال فقط في الجبال، لكن العملية أثبتت غير ذلك”…
في المحن الكبرى يختبر القادة
بلى سيدي الرئيس، ونعلم أن “بعض الظنّ إثم” ، نحن لم نقض على الإرهاب في الجبال ولا في المدن، نحن حاصرنا الإرهاب في الجبال وقضينا على أغلب قياداته، من مرحلة “لقمان أبو صخر” وما بعدها، بفضل مجهودات قواتنا العسكرية والأمنية التي دفع أفرادها الدماء والأرواح ليصمد هذا الوطن، ولكن نحن لم نقض على إرهاب الجبال نهائيا سيدي الرئيس، حتى في هذا الجانب جانبتم الصواب ودقّة التوصيف.
بلى سيدي الرئيس، نحن لم نقض على الإرهاب في المدن، وإن يبقى هذا القول فيه مبالغة لأن مدننا تظلّ عصيّة على الإرهاب، والدليل أن يدنّس “الدواعش” و”خوارج العصر” شارع الزعيم الرمز الحبيب بورقيبة بما يمثّله الشارع وصاحبه من رمزية وهوية وطنية كاملة المعالم بالنسبة للتونسيين…
بلى سيدي الرئيس نحن لم نقض على الإرهاب، وهاهم خفافيش الدم والظلام يدنّسون شوارعنا وساحاتنا ويدمغجون أبناءنا ونساءنا وشبابنا…
هاهي داعشية تونسية هي عار على هذا الوطن، وهي حتما وضرورة لا تحتسب على “بنات بورقيبة” ولا على “المدرسة البورقيبية” التي راهنت على المرأة كمشعل للتنوير وللعلم ولبناء الأوطان تفجّر نفسها في إستهداف ممنهج ومدروس للأمنيين الامنين، ومن ورائهم المؤسسة الأمنية ككل وشارع بورقيبة بما يمثّله من رمزية للدولة التونسية عموما…
هاهي “داعشية” الإنتماء والهوى تحاول السخرية منا جميعا، إلّا أن القدر، مع فطنة وحداتنا الأمنية، أراد العكس فوقعت في شرّ أعمالها ونجونا من عملية إرهابية كانت ستكون كارثية لو أمكن لها النجاح.
بلى سيدي الرئيس إن بعض الظنّ إثم
بلى، سيدّي الرئيس “إن بعض الظنّ إثم”، فكيف تظنّون وأنتم القائد الأعلى للقوات المسلحة أننا قضينا على الإرهاب؟ في حين أن كل التونسيين يعرفون جيّدا الإرهابيين بالإسم وبالصفة، ويعرفون الرؤوس المدبّرة والمدمغجة والمموّلة ومختلف مفرخات الإرهاب والإرهابيين منذ مارس 2011 إلى اليوم… لو تسألون أي مواطن تونسي بسيط عن مصدر الإرهاب في تونس سيجيبكم بالأسماء وبالوقائع، فما بالكم بالأجهزة الأمنية والقضائية التي تمتلك كل المعطيات الرسمية حول هذا الملف.
بلى سيدي الرئيس، تعلمون كما نعلم أنه في حالة “الظنّ” يكون “الشك طريقا لليقين” على المذهب الديكارتي العظيم، إذ يؤكد ديكارت، وهو قطعا على صواب، أن كل إنسان “يجب أن يشكّ ولو مرّة واحدة في حياته”… فماذا لو كان الشك في مصدر الإرهاب في تونس هو الطريق للوصول إلى الرأس المدبّر؟
بلى سيدي الرئيس، الإرهاب تغلغل و”ضرب أطنابه” في البلاد خلال السنوات السبع العجاف، هذه حقيقة مؤلمة وموجعة لكل الوطنيين لا تنفي النجاحات الكبرى والقياسية لوحداتنا العسكرية والأمنية في القضاء على أغلب قيادات هذه الافة، ولعّل في ملحمة بن قردان العظيمة أكبر مثال على نجاحات قوات الأمن والجيش، التي ثبت بالكاشف لكل التونسيين أن الأمنيين والعسكريين هم الناجح الوحيد في اختبار الذود على الوطن حتى الان.
بلى سيدي الرئيس نحن نريد اليقين
بلى سيدي الرئيس، نحن قضينا على الإرهاب في حالات ولم نقض عليه في حالات، وعلى رأس ذلك عمليات الإستقطاب التي تتمّ عبر شبكات التواصل الإجتماعي وداخل المساجد التي يقول حكّامنا أنها “تحت السيطرة”، في حين أن التسيّس والتحزّب داخل عدد من هذه الفضاءات هو سيّد الموقف.
بلى سيدي الرئيس، نحن قضينا على الإرهاب بفضل المجهودات الجبّارة التي بذلها ومازال يبذلها جنودنا وحماة ديارنا في كل شبر من هذا الوطن، ويدفعون مقابل ذلك دماءهم، وعندما يستشهدون تقطع جراياتهم وتجوع عائلاتهم وتضيع حقوق أبنائهم…
هل تذكرون سيدي الرئيس والد الشهيد عماد الحيزي عندما قال عقب إستشهاد فلذة كبده وعائله الوحيد في عملية علي بن عون إنه “باع برنوسه الوحيد الأوحد ليكمل إبنه دراسته”… قد تكونوا نسيتم ذلك سيدي الرئيس بالنظر إلى مشاغلكم الكثيرة، ولكن الشعب التونسي لن ينسى.
بلى سيدي الرئيس، قضينا على الإرهاب في معارك، ولكنه لن يقضي علينا في كل المعارك، قضينا عليه بلحمتنا الوطنية الصمّاء، بتضحيات حماة ديارنا وبتضحيات كل أبناء تونس الوطنيين بمختلف المواقع…
التونسيون بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له بقية الأطراف بالسهر والحمّى… سننتصر أو ننتصر في المعركة الأخيرة لا جدال في ذلك، هذه حتمية، ولكل تلك الأسباب، فإن هذه الافة لن تقضي علينا ولا يمكنها أن تقضي علينا بأي حال من الأحوال، ومهما أوجعنا غدرها فنحن باقون وصامدون في هذا الوطن ما بقي الزعتر والزيتون، وما بقيت قرطاج وعليسة وحنبعل، وما بقيت الكاهنة وبورقيبة، وكل العلامات والهامات المضيئة في مسار تاريخنا النيّر.
الإرهاب لن يقضي علينا سيدي الرئيس
الإرهاب لن يقضي علينا سيدي الرئيس، ولن “نظنّ” ذلك حتّى… نحن لا “نظنّ” سيدي الرئيس عندما يتعلّق الأمر بالوطن وبتراب هذا البلد الذي سقته دماء ملايين التونسيين منذ الغزو العرباني إلى الإستعمار الفرنسي وصولا إلى هذه السنوات العجاف التي لم نشهد في شؤمها وبؤسها ونحسها وحزنها مثيلا… عندما يتعلّق الأمر بالوطن نحن “لا نظنّ” سيدي الرئيس، بل نحن على يقين.
الإرهاب لن يقضي علينا سيدي الرئيس… نحن نقاوم بالقلم وبالعلم وبالعمل، وقواتنا العسكرية والأمنية تقاوم بالسلاح وبالدماء في الجبال والمدن… نحن (والمقصود ب “نحن” هو شعب هذا الوطن) نقاوم الإرهاب صباحا مساء ويوم الأحد سيدي الرئيس بعيدا عن نزاعات وصراعات وأجندات السياسة والسياسيين ومصالحهم الضيّقة التي لا تهمّ التونسيين.
الإرهاب لن يقضي علينا سيدي الرئيس لأننا شعب يحب الحياة… نحن عشنا وتربّينا ودرسنا في بلد تنويري حداثي لن يتحوّل أبدا إلى عكس ذلك مهما عشّشت جحافل الظلام والظلامية في أركانه… هذه الأركان قد تمرض وقد ينخرها السوس، ولكنها لن تهتزّ ولن تسقط سيدي الرئيس لأن “الساس صحيح”: “نحن أبناء بورقيبة العظيم”، ولذلك تونس ستظلّ صامدة وشامخة وستنتصر والإرهاب لن يقضي عليها… تونس التي تستقبل كل العالم بكلمة “يعيّشك” من المستحيل أن تموت.
كلمة أخيرة سيدي الرئيس: “ماذا لو توفّرت الإرادة السياسية لمحاسبة الرأس المدبّر للإرهاب في تونس؟ ماذا لو تمّت محاسبة المسؤولين عن شبكات التسفير والعمليات الإرهابية التي جدّت ببلادنا منذ 2011 إلى الان؟ ماذا لو تمتّ المحاسبة سيدي الرئيس؟ هل سيكون هناك مجال اخر ل”الظنّ” في هذه الحالة؟ لا نظنّ ذلك سيدي الرئيس لأن في تلك الحالة سيكون هناك اليقين ولا شيء سوى اليقين… وقتها فقط يمكن القول إن البلد تعافى من نكسته… وقتها فقط يصبح بإمكاننا أن نحتفل بعيد جلاء جديد… ونعثر من جديد على وجه الوطن الذي افتقدناه.
شارك رأيك