ضمن أنشطة أيام قرطاج السينمائية ، وفي العدد الثالث من نشرية الأيام كتب كمال الزغباني متحدثا عن السينما والرواية . الزغباني عاد بذاكرته إلى بعض المخرجين الذين تعالوا على الرواية أو أفسدوها. مثل النوري بوزيد وإبراهيم باباي وعلي العبيدي :
“حضرت منذ ما ينيف عن السنوات العشر لقاء انتظم بصفاقس مع المخرج السينمائي النوري بوزيد شارك فيه نقّاد وأساتذة ومهتمّون من مشارب مختلفة. مرّ اللقاء لطيفا وهادئا في مجمله. لكنّه شهد لحظة توتّر شديد بمناسبة طرح صحافي وشاعر السؤال التالي على الضيف :
– لِم لا تلتفت أنت وغيرك من المخرجين إلى المدوّنة الروائيّة التونسيّة بكلّ ثرائها (عدّد له أسماء روايات يرى أنّها جديرة بالتحويل إلى أفلام)؟ هل يعود ذلك إلى نقص في الاطّلاع أم هو مرتبط بالإنتاج، بمعنى كونك لا تحوّل مثل هذه الروايات حتّى لا تكون مطالبا بدفع حقوق مؤلّفيها؟
أمام دهشة الجميع، ثارت ثائرة النوري بوزيد الذي أرعد وأزبد منهالا على صاحب السؤال بوابل من العبارات الحادّة ومؤكّدا ما معناه أنّه غير مطّلع على الروايات المذكورة ولا رغبة له مطلقا في الاطّلاع عليها أو على غيرها وأنّه هو نفسه مؤلّف مبدع في السينما…
أعادت تلك الملاسنة إلى ذهني سؤالا طالما طرحته، ولم أكفّ حتّى الآن عن طرحه : ما الذي يجعل السينمائيّين التونسيّين يتلفّتون بشكل يكاد يكون كلّيّا عن النصوص الروائيّة، رغم أنّ الكثير منها مكتوب على نحو يجعلك وأنت تراه على شاشة خيالك في شكل فيلم مكتمل المقوّمات؟ وحتّى المحاولات القليلة التي صارت في هذا السياق (حسب اطّلاعي المحدود طبعا) فإنّها باءت بالفشل الذريع على شتّى الأصعدة : فعلي العبيدي دمّر رواية “برڤ الليل” للبشير خريّف على نحو مثير للغثيان. وأساء إبراهيم باباي (وإن على نحو أقلّ فداحة) لرواية “ليلة السنوات العشر” لمحمّد صالح الجابري. ومن جهة أخرى فإنّ المتابع للسينما التونسيّة يلاحظ بوضوح أنّ نقطة ضعفها الأكبر تقع على مستوى السيناريو.
لا شكّ أنّ السينما بما هي إبداع بالصورة وللصورة مغايرة جذريّا للفنّ الروائي. ولكن هل يمكن أن يكون ثمّة إبداع سينمائيّ أصيل وفارق إن لم يكن صاحبه متوفّرا على مرجعيّة عميقة وثريّة في الإبداع الروائي؟ ” .
شارك رأيك