كشف مصدر عسكري جزائري موثوق لـ”أنباء تونس” أنه في ربيع 2011 اتخذ المجلس الأعلى للأمن الجزائري المصغر عدة قرارات هامة ومصيرية كان لها دور كبير ليس في الحفاظ على استقرار الجزائر فقط بل في الحفاظ على استقرار البلد الجار والشقيق تونس القريبة من ليبيا وساهمت تلك القرارات في منع انهيار النظام التونسي الذي كان قد خرج لتوه من ثورة أضرت كثيرًا بالجيش والأجهزة الأمنية التونسية.
من الجزائر: عمّـار قـردود
وبحسب ذات المصدر فإن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة كان مهتمًا جدًا بمعرفة أمر غاية في الخطورة، وهو هل ستقف روسيا مع العقيد الليبي معمر القذافي أم أنها ستتركه يغرق و يلقى مصيره المجهول وحده، خاصة بعد خرق الدول الغربية لقرار مجلس الأمن المتضمن حظر الطيران فقط، وجاء الجواب عبر قنوات دبلوماسية عبر وزارة الخارجية الجزائرية أن الروس لن يدعموا القذافي، أدركت حينها القيادة الجزائرية أن الوضع بات خطيرًا جدًا، فللمرة الأولى تواجه الجزائر مخاطر حقيقية مثل هذه منذ عقود.
الجزائر تم إبلاغها بأن روسيا لن تدعم القذافي
في 31 مارس 2011 ، ومنذ الصباح توالى وصول السيارات إلى رئاسة الجمهورية الجزائرية، وزير الخارجية الجزائري كان الأول الذي وصل وحمل معه تقارير سرية للغاية، ثم وصل بعده بعض مستشاري الرئيس الجزائري الذين كانوا في مهمة خارجية، ومكث وزير الخارجية الجزائري آنذاك مراد مدلسي – يشغل حاليًا منصب رئيس المجلس الدستوري في الجزائر- في مكتب الرئيس بوتفليقة 3 ساعات كاملة، غادر بعدها المكتب لكي يلتقي الرئيس بمجموعة من مستشاريه ثم يستدعي وزير الداخلية الجزائري آنذاك نور الدين يزيد زرهوني – وهو مدير سابق للمخابرات الجزائرية – ويبقى مع الرئيس لغاية المساء، ما يوحي بأن الأمور كانت فعلاً خطيرة وتطلبت حالة إستنفار كبيرة في الجزائر للحؤول دون أن تشمل ثورات الربيع العربي الجزائر التي باتت حدودها الشرقية والجنوبية ملتهبة بسبب ثورتي تونس و ليبيا.
وفي تمام الساعة الرابعة من مساء ذات اليوم يصل اللواء عبد المالك قنايزية الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني الجزائري ثم الفريق محمد مدين “الجنرال توفيق” – مدير المخابرات الجزائرية آنذاك – وأخيرًا وصل الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الجزائري، و وبدأ الإجتماع التاريخي الذي خُصص لمناقشة الوضع في ليبيا بعد التدخل العسكري الغربي فيها وبداية الحرب الأهلية و التطورات الأمنية و السياسية في تونس.
أول زيارة للوزير الأول قايد السبسي بعد توليه في 2011 أداها للجزائر والرئيس بوتفليقة.
الجزائر كانت تعلم أن نظام العقيد القذافي كان آيل للسقوط لا محالة
كانت التقارير التي قدمها وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي والقادمة من سفارة الجزائر في طرابلس مخيفة، وكشفت أن النظام السياسي في ليبيا ينهار بسرعة ويتهاوى وستنهار الدولة الليبية في غضون ‘شهر قليلة على الأغلب، بينما كشفت التقارير الإستخبارية السرية التي قدمها الفريق محمد مدين أن قوات غربية كبيرة فرنسية وأمريكية وبريطانية وقوات من دول عربية خليجية، ومتطوعين إسلاميين من عدة دول عربية يشاركون الآن في الحرب ضد نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وأن النظام سيخسر الحرب لا محالة، وماهي إلا أشهر حتى تتحول ليبيا الى فوضى عارمة.
التقارير الاستخبارية والأمنية والدبلوماسية الجزائرية في نهاية شهر مارس 2011 كانت كلها متفقة على أن النظام الليبي سيسقط، لعدة أسباب أبرزها أنه غير محصّن داخليًا، كما أن علاقته متوترة مع أغلب الدول العربية والغربية، وأن الحدود البرية في ليبيا هي الآن مفتوحة تمامًا أمام تدفق الإرهابيين من تونس ومن مصر لقتال النظام الليبي، كما أن القوات الجوية الغربية ستتمكن في غضون أسابيع قليلة فقط من تدمير الجيش الليبي، والمخاوف الحقيقية التي كانت تسيطر على صانعي القرار في الجزائر كانت تتعلق بأمرين إثنين، الأول هو احتمال انتقال الفوضى في ليبيا إلى تونس ومنها إلى الجزائر حتمًا، والأمر الثاني يتعلق بنهب المئات من الثكنات ومن قواعد الجيش الليبي، وانتشار مختلف أنواع السلاح والمخاوف من وصول كميات كبيرة من السلاح إلى الجزائر وتونس التي كانت هي الأخرى تعاني إنفلاتًا أمنيًا غير مسبوق.
دول غربية حاولت إستفزاز الجزائر لجرها إلى الحرب في ليبيا ورفع يدها عن تونس
وبعد الإستماع الى تقارير رئيس أركان الجيش الجزائري حول قدرة الجيش على التعامل مع أي أزمة تقع، وضع الإجتماع عدة سيناريوهات محتملة ومرجحة ، قد تحدث في المنطقة و الكارثة العظمى والطامة الكبرى أنها كلها مخيفة، السيناريو الأول هو أن تنتقل الفوضى في ليبيا إلى تونس، والسيناريو الثاني أن تتعرض الجزائر لهجمات إرهابية انطلاقًا من الأراضي الليبية، أما السيناريو الثالث فهو أن تتعرض الجزائر لاستفزاز ما من القوى الغربية التي تشارك في حرب ليبيا من أجل جرها للحرب عنوة، بالرغم من أن الجزائر ترفض أن يحارب جيشها خارج الحدود وفقًا للعقيدة العسكرية الجزائرية.
وقد قرر المجلس الاعلى للأمن الجزائري المصغر عدة قرارات كان لها دور بارز في الحفاظ على الاستقرار ليس في الجزائر فقط بل في كامل منطقة شمال إفريقيا وبالأخص تونس التي كانت تعاني الأمرين ولم تتعافى بعد من آثار ثورة الياسمين.القرار الأول كان عدم الإنجرار والوقوع في أي استفزاز مهما كان نوعه، ومهما كان مصدره، والتركيز بشكل كلي على تحصين الحدود وحماية الجبهة الداخلية التي كانت في حالة غليان شديد.
الجيش الجزائري تكفل بمراقبة و حماية الحدود البرية التونسية طيلة سنتين كاملتين
أما القرار الثاني فكان دعم الجيش التونسي بشكل عاجل بأي طلبات وهذا ما بقي سرًا إلى غاية اليوم، حيث منحت الجزائر دعمًا ماديًا ولوجستيكيًا هامًا للحكومة التونسية، وبحسب نفس المصدر فإن الجزائر تكفلت طيلة سنتين كاملتين بمراقبة وحماية الحدود البرية الغربية التونسية بشكل يكاد يكون منفردا وكليا مقابل إهتمام الجيش التونسي بمهمة الشأن الداخلي.
وكان القرار الأول هو أن تقدم الأجهزة الأمنية الجزائرية كل المعلومات الإستخبارية المتعلقة بما يجري في غرب ليبيا للأجهزة الأمنية التونسية ومساعدتها على قدر المستطاع حتى تتمكن من تحصين الجبهة الداخلية التونسية وكان صُناع القرار في الجزائر يدركون أن سقوط تونس يعني أن الجزائر ستكون معرضة لمخاطر كبيرة جدًا، لهذا سارعوا إلى حماية الدولة التونسية و العمل على عدم إنهيارها و كلفهم ذلك الشيء الكثير من الجهد البري واللوجستي.
أما القرار الثالث وكان الأهم والأخطر وقد وقع عليه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وبدأت قيادة الجيش الجزائري ممثلة في الفريق أحمد قايد صالح في تنفيذه كان غلق الحدود البرية مع ليبيا، وإرسال تعزيزات عسكرية ضخمة إلى الحدود وقد توالي تنقل القوات البرية والجوية من قواعد مختلفة في الجزائر إلى الحدود البرية مع ليبيا طيلة سنة 2011، حتى فاق مجموع هذه القوات 50 ألف عسكري جزائري، ناهيك عن التكفل بمراقبة شاملة وصارمة لكامل الشريط الحدودي التونسي -الجزائري من الجانبين، حتى أن أعوان الحرس التونسي كانوا يتبادلون المعلومات مع زملائهم الجزائريين مباشرة.
هذا وقد ساهمت القرارات الثلاثة في منع وصول كميات كبيرة من السلاح الليبي إلى الجزائر وتونس كما ساهمت في تماسك تونس في مواجهة الأزمة الأمنية و السياسية والإقتصادية الخطيرة، وساهمت في استقرار الجزائر في فترة حرجة جدًا جدًا من تاريخها المعاصر.
شارك رأيك