صورة الرسام عبد الحميد عمار الغريبة اجتاحت وسائل الإعلام : الرجل موهوب وثري وذو شخصية طريفة . ما الذي جعله لا يظهر نعمة الله عليه ويظهر الفقر بين المزابل ويتسول في الميترو ؟
كثيرون انحنوا باللائمة على وزارة الثقافة دون تثبت في وضعية الرسام عبد الحميد عمار.
الروائي كمال الرياحي حاول فك رموز هذه الشخصية لا لتناولها في عمل روائي بل لتوضيح ما خفي باعتباره اقترب من عالمه كثيرا :
” انه مريض نفسي ويحتاج إلى رعاية . سبق وحاولت معه ونجحت في تحويله من شخص عدواني إلى شخص منتج. كان واحدا من أعضاء ورشتي للكتابة راعي النجوم، وكان دائما يحضر باستمرار لكل الانشطة التي أشرف عليها “.
ويتوغل الرياحي في بعض تفاصيل الحالة النفسية لعبد الحميد عمار: ” الرجل مصاب بفوبيا الاعتداء عليه وسرقته حتى أوصله الأمر إلى ادعاء التسول ليعيش الدور.
عرفته منذ سنوات ولكن علاقتنا توطدت عندما كان يتردد علي في دار الثقافة ابن خلدون وقد نظمت له معرضا خاصا بلوحات وهو يعيد رسم المزهريات بألوان زاهية معروفة وطبعا كانت وزارة الثقافة تشتري منه لوحات واخر ما شارك فيه رسومات الجسور ولكن توطدت العلاقة اكثر في ورشات الكتابة واخرها ورشة راعي النجوم .
كان شخصا مشاكسا جدا ويتدخل بشكل وحشي ليهاجم ويصادر ويخرج عن الموضوع ،فقررت ان أجد معه حلا فاقترحت عليه أن يكون عضوا في الورشة فقبل وهكذا تحول إلى شخص رائع . تخصص له5 او 7 دقايق يتحدث فيها بكل حرية ثم جعلت أكلفه بتقديم لوحة في علاقة بموضوع الورشة كل مرة وهكذا تحول الى شخص فاعل وكما كان كل أعضاء ورشة راعي النجوم يحبونه كثيرا رغم تطرفه وكان يستمتعون بآرائه الغريبة من المرأة والزواج والكتابة والفن وتحول تغيبه إلى خسارة ورعبا لأن الجميع أصبح متعلقا به خائفا عليه من نفسه قبل الآخرين ” .
ويعود كمال الرياحي بذاكرته ليروي ما حكاه له عبد الحميد عمار :
” أطرف ما رواه لي الرسام عبد الحميد عمار انه عندما كان في سلطنة عمان كان يمشي بالكيلومترات على قدميه ويأخذ في محفظته ثلاث قمصان كلما ابتل قميص يسحب الثاني وهكذا حتى يصل المدرسة التي يشتغل فيها وهكذا لا يركب حافلة ولا سيارة أجرة
عليكم أن تتخيلوا المشي في ذلك الحر الخليجي وتحت تلك الشمس القاتلة يعني هذا الداء الذي يعيشه أصله بخل بدأه منذ سنوات بعيدة ويتحول إلى مرض مذل في آخر العمر ،ربما يكون درسا أيضا للبخلاء الذين يدمرون حياتهم من أجل جني وتجميع المال ويضنون به على أبنائهم وزوجاتهم .
هولا يأكل من المزابل بل يحاول أن يكتشف ما القي ربما باستعماله في لوحاته وهو يجمع الخردة كأي فنان لكننا رايناه يمارس التسول في الميترو وتلك أيضا نزوة لا ريب لانه لا يحتاج مالا ربما يحتاج رعاية نفسية تجعله يندمج في المجتمع الذي فضل أن يعيش على هامشه منذ سنوات طويلة ” .
ويعرج كمال الرياحي على ما يشاع حول ثراء الرجل :
” ويتردد في الوسط الفني أنه ثري ويمتلك مبيتا جامعيا وبيتا في المدينة العتيقة تركه لانه خلق أن يهاجمه بعض قطاع الطرق ويسرقوه ولا احد يعلم أين ينام الآن يتعمد أن يلبس ثيابا رثة، حتى لا يطمع فيه أحد هكذا قال لي ويستعملها لاستدرار عطف البعض وإفساد نظام النظام وأناقتها المزيفة. وربما في ذلك فلسفة . الرجل ليس ساذجا وليس عالما انه في برزخ ما . لكن وراء كل ذلك قصة عائلية حزينة ومؤلمة لا يمكن أن ارويها بدلا عنه جعلته يكره النساء ” .
خليل قويعة قدم إضاءة أخرى عنه : ” هو كثير الخصومة مع الفنانين لأنهم غير مقتنعين بلوحاته ويعتبرونه متطفلا… دائم التهجم على لجان الشراءات لأنهم حسب رواياته مقصّرين في اقتناء أعماله. دائم التشويش على المحاضرين في النّدوات لأنهم لا يتحدّثون عن فنّه… دائم التشكّي والتّظلّم لوزراء الثقافة منذ الهرماسي إلى الآن من الجمعيات ولجان التنظيم التي لم تقبل لوحاته، بهذا الشكل يفرض الرّجل انتماءه إلى القطاع فرضا. وكثيرا ما يعملون على تشريكه تفاديا للمشاكل يوم الافتتاح لأنه قد يرتمي على الأرض طريحا…
السّؤال الرّئيس يتساءل خليل قويعة : من يجب أن يمنح لهذا أو ذاك صفة الفنان غير أعماله الفنيّة؟ لا تقل لي بطاقة انخراطه في إحدى الجمعيات، لا تقل لي صورة شخصيّة مع الوزير… لا تقل لي شهادة علميّة، لأن الفنان الحقيقي عصاميّ بالأساس حتى وإن درس بالمعاهد العليا للفنون”.
تلاميذه يذكرونه بخير، يقولون إنهم كانوا ينتظرون ساعة الفنون التشكيلية بشغف لأنهم كانوا يحبونه .
متابعة : شكري الباصومي
شارك رأيك