لا تزال حركة النهضة وفي غياب لأي منطق سليم وموضوعية مطلوبة تنكر وجود “الجهاز العسكرى السرى” المتهم بتدبير وتنفيذ اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، كما لا يزال وزير الداخلية ينكر وجود “غرفة سوداء” على بعد أمتار من مكتبه تحتوي على ما تحتوي من أسرار رغم أن قاضي التحقيق قد وجد تلك “الغرفة السرية السوداء” ولاحظ محتوياتها وأمر بتشميعها بالشمع الأحمر.
بقلم أحمد الحباسي
موقف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وموقف وزير الداخلية هشام الفوراتي متطابق مع المنطق لأن الأول قد نشأ وأقام ميليشيا إرهابية على مبدأ قانون الصمت (loi de l’omerta) وهو قانون مستمد من مبادئ المافيا يبيح اغتيال وقتل كل من يفكر مجرد التفكير في كشف الأسرار والثاني هو رجل أمن مهمته الأولى هو الصمت المطبق والتكتم على كل الأسرار مهما كانت ومهما وصفت بالمزعجة أو المرعبة، لذلك يرفض عقل مرشد الإخوان وعقل وزير الداخلية القبول بكشف الخفايا ويفضلان الموت على البوح بما حدث أو خفى.
في مواجهة السيناريوهات المرعبة
على ضوء حالة الإنكار التي تتبعها حركة النهضة وعلى ضوء الأحداث المتقلبة في المشهد السياسي وحتى كتابة هذه السطور فإن السؤال لم يعد متى تعترف حركة النهضة بوجود “جهازها العسكرى السري” وإنما السؤال أو الأسئلة المطروحة بشدة لدى كل المتابعين: هل هناك احتمال لاستعمال هذا الجهاز للقيام بعمليات إرهابية؟ وهل ستحرك حركة النهضة ذئابها المنفردة داخل المؤسستين العسكرية والأمنية لإسقاط النظام والاستيلاء على الحكم في ظل هذا المزاج الشعبي المتقلب والقابل للاشتعال؟ وهل ستستغل الحركة هشاشة الوضع الأمني والسياسي لإدخال كوادرها التكفيرية العائدة من سوريا والعالقة مؤقتا على الحدود مع الجارة ليبيا للإطباق على قواتنا العسكرية في تلك المنطقة؟ وهل سيكون هناك دور للمخابرات القطرية والتركية في هذا المخطط المحتمل؟ وهل سيعود القناصة وماذا أحضرت قناة “الجزيرة” للقيام بدور المحرك للمظاهرات المشبوهة؟ وكيف سيكون شكل المحاولة الإنقلابية وفي حال نجح الإنقلاب الدموي فكيف سيكون رد فعل الدول الغربية؟ وهل ستقبل الجزائر وليبيا بوجود نظام تابع لمخطط الإسلام السياسي على حدودها؟
طبعا هذه كلها سيناريوهات ممكنة الوقوع وعدم توقعها يكون من باب السذاجة السياسية… وإذ نسوقها فلكي لا ننام في العسل ونظل متيقظين لكل طارىء.
مرشد الإخوان يواصل الإنكار
تشكل حالة نشأة حركة النهضة صورة لرحلة رجل إسمه راشد الغنوشي، نشأ فطريا على فن المراوغة الفكرية المتشبثة بفن اخر لا يقل خطورة وهو المخاتلة والنفاق والصمت والتقية والرغبة في التمكين، رحلة مكوكية بين الأيديولوجيات المختلفة والمتنافرة أحيانا كما حدث مع اندماجه في أفكار اية الله الخميني وتسجيل إعجابه بها ثم الهروب من تلك البوتقة إلى فكر حزب البعث حين رحل إلى العراق وسوريا ثم الرجوع شيئا فشيئا إلى فكر الإخوان المتعصبين التكفيريين الرافض لقيم الديمقراطية والحداثة والوسطية، رحلة متقلبة أيضا بنيت بشكل أساسي أيضا على متوالية لا تنقطع من الدسائس والمؤامرات والتعطش المحموم للسلطة ورغم إهتزاز الأرض من تحت قدميه أيام إعتصام الرحيل واكتشافه أن هذا الشعب لن يقبل برؤية الإخوان وبهيمنة الفكر التكفيري ورغم البركان الذي أحدثه بيان هيئة الدفاع في ملف الشهيدين المغدورين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وما جاء فيه من نشر حقائق مرعبة للعموم تمس من سيادة الدولة وأمنها، ظل مرشد الإخوان المتقدم في العمر يعيش حالة من الإنكار رافضا أن يعترف للشعب بتاريخه المشبوه، لكن من الثابت أن تحول قاضي التحقيق إلى وزارة الداخلية منذ ساعات ل”حجز” الغرفة السوداء و تأمين محتوياتها الخطيرة ولئن شكل سابقة وحدثا في حد ذاته فان ذلك سيشكل بداية إنفجار لغة ولغم الحقيقة في وجه حركة الإخوان وبداية إنتحار حالة الإنكار التي طالما استغلت لتضليل وجدان الشعب التونسي.
شارك رأيك