الحرب التركية على سوريا أضعفت الموقف التركي إقليميا ودوليا وكشفت العلاقة الوطيدة بين إسرائيل وتركيا الإخوان المسلمين، وبينت للشعوب العربية من هم الإخوان الشياطين وأين ومع من يقفون في الحقيقة.
بقلم أحمد الحباسي
تشهد تركيا منذ ثلاث سنوات على الأقل حالة من الفوضى الإجتماعية في كل الميادين تضاف إليها حالة من إنعدام الثقة في الحزب الحاكم وتصاعد موجات الإحتجاج الشعبية ضد سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
في الواقع بدأ الشعب التركي يتحسس واقع الكذبة الكبرى المتمثلة فيما سمي بالأنموذج التركي وبدأت الطبقة السياسية تستعيد أنفاسها بعد سقوطها المدوي في الإنتخابات السابقة وباتت أكثر تنظيما وجرأة وفاعلية ضد حكومة صفر مشاكل مع الجيران التي تحولت مشاكل مع الكل.
المفارقة هذه المرة أن هناك حالة من الشعور العام بكون سياسة الحزب الحاكم لم تكن إلا نوعا من البهلوانيات الفكرية لتزويق الحالة الإجتماعية الضحلة للمواطن التركي وأن ما قيل عن المعجزة التركية لم يكن إلا مجرد كذبة سياسية كبرى نفذتها منظومة إعلامية داخلية وخارجية لفرض حكم الإسلام السياسي و استغلال فترة الكراهية لنظام العسكر السائدة في تركيا منذ سنوات.
المعركة الضارية ضد المعارضة وضد إعلام المعارضة
ما حصل منذ أسابيع من حملة الحكومة التركية ضد وسائل الإعلام المعارضة والخصوم السياسيين شكل للمراقبين بعض المفاجأة على إعتبار أن حزب العدالة قد جعل من أولويات حكمه المحافظة على الإعلام والديمقراطية والتعددية ليتحول رئيس الدولة وحكومته العميلة للصهيونية العالمية من أبرز معارضيها وأشد خصومها.
أما الغرب الذي يرفض إنضمام تركيا للنادي المسيحي لأسباب مهمة من بينها عدم اعتذار النظام التركي عن مذابح الأرمن فهو لا ينظر بعين الإرتياح لهذه المعركة الضارية التي تخوضها المؤسسة الأمنية والحكومة ضد المعارضة وضد إعلام المعارضة فيما يشكل خنقا للحريات ورغبة في إسكاته أو تدجينه ليصبح بوقا للسلطة، ويظهر أن النظام التركي الذي يستشعر حالة من الفشل والهزيمة المرة في سوريا وفي علاقاته مع روسيا وإيران بدأت تنعكس آثارها على الإقتصاد التركي وعلى المزاج الشعبي العام الرافض للتدخل التركي في سوريا قد وجد نفسه مرغما على إختيار سياسة الهروب إلى الإمام بمواجهة هموم السلطة الرابعة وتدخلات المعارضة بدل محاولة الإصغاء لنبض الشارع وهي حالة من الحالات المرضية التي رأينا مثلها قبل سقوط نظام الإخوان في مصر في عهد الرئيس محمد مرسى.
خسر النظام التركي في سوريا كثيرا من الوقت والجهد والتعنت
لقد كان واضحا من البداية أن انخراط تركيا في المؤامرة الرامية لإسقاط نظام الرئيس السوري قد تكون لها انعكاسات خطيرة جدا على الوضع التركي في كل المجالات وأن هذا الإنخراط الدموي سيكلف تركيا دفع فواتير باهظة على المستوى الأمني والإقتصادي والسياسي، ولقد كان واضحا أن رئيس الدولة الحالي المهووس بالزعامة والغرور السياسي المبالغ فيه قد أراد “مسح” النظام السوري من على خريطة معادلات الشرق الأوسط ليصبح شرطي الخليج الوحيد في ظل ما تعانيه المنطقة من انتكاسات الأنظمة العربية المريضة بكل علل الدنيا.
في هذا المجال يصر الملاحظون أن رجب أوردغان وتابعه داوود أوغلو لم يكونا قارئين جيدين لتاريخ و عواصف المنطقة ولم ينتبها أن سوريا ومهما كان النظام الحاكم لن تنزلق إلى محور الشر الصهيوني وأن الإطاحة بالرئيس السوري لن تغير من وجهة سوريا شيئا، فهناك عقدة سورية كارهة للدولة العثمانية وللصهيونية العالمية و للأنظمة الخليجية المتخاذلة، بحيث خسر النظام التركي كثيرا من الوقت والجهد والتعنت للوصول إلى هذه الحقيقة الساطعة.
من الواضح أن إسقاط الطائرة الروسية من طرف المقاتلات التركية فوق التراب السوري في 24 نوفمبر 2015 قد كانت أحد ارتدادات الإرتباك التركي في معالجة تبعات إنغماسها في تضاريس الملف السوري، و من الواضح أن الغرور التركي الذي أصاب الطائرة العسكرية الروسية قد وضع الحكومة في مأزق و عدم قدرة على المناورة السياسية خاصة بعد أن رفضت الولايات المتحدة “ضمان” هذه الهفوة الإستراتيجية في التعامل بين الدولتين.
تؤكد الأحداث أن روسيا قد استغلت هذا الحدث منذ تلك اللحظة لإزعاج واشنطن ومطالبتها بشكم تابعها التركي حفاظا على المصالح العليا للطرفين وبعيدا عن لهو وعبث صغار المنطقة تركيا والسعودية بالذات، في هذا السياق مثل التدخل العسكري الروسي بقوة وبحزم غير مسبوق نهاية لحلم تركيا في تلك الفترة بإحداث ما يسمى بالمنطقة العازلة وهو من الأهداف الإستراتيجية الكبرى التي بنى عليها التدخل الخليجي الأمريكي الصهيوني التركي في سوريا.
يضاف لهذا الفشل أن النظام التركى قد أجبر على التخلي مكرها عن الجماعات الإرهابية وعن كثير من طموحات احتلال الأرض السورية و عن فرض أجندته في المفاوضات الحالية التي تحصل بدون شروط تركية مسبقة ومنها شرط خروج الرئيس بشار الأسد من الحكم.
في العلاقة الوطيدة بين إسرائيل وتركيا الإخوان
على الصعيد الداخلي، هناك مؤشرات فشل للحكومة و للحزب وللرؤية السياسية التركية بصفة عامة، و من يتابع خطب الرئيس اوردغان منذ بداية الأزمة يكتشف لا محالة حالة الإنتكاسة المتواصلة في ماهية الخطاب وفي ما طرأ عليه من تحولات نتيجة حالة الفشل المستمرة في كل المجالات.
لقد حفلت خطب الرجل في بداية الأزمة السورية لمدة ثلاث سنوات بنفس المفردات الرافضة لبقاء الرئيس الأسد في حين تحولت تلك المفردات إلى مزبلة التاريخ خاصة بعد الإنتصارات العسكرية السورية ودخول روسيا على خط مواجهة الجماعات السعودية المتطرفة ، و في حزب عقائدي مثل حزب العدالة و التنمية الحاكم لا بد أن ينعكس اضطراب “المرشد العام للإخوان في تركيا” رجب أوردغان على المزاج الحكومي وعلى سياسة الدولة الاقتصادية، بحيث يتصاعد الإرتباك نتيجة ما تسبب فيه هذا الخطاب غير المسؤول من نتائج كارثية على الإقتصاد التركي و ما خلقه من إحتقان مع دول الجوار، يضاف إلى أن هذه الحرب على سوريا قد كشفت العلاقة الوطيدة بين إسرائيل وتركيا الإخوان، وبينت للشعوب العربية من هم الإخوان الشياطين وأين ومع من يقفون في الحقيقة.
شارك رأيك