ضمن تظاهرة “أيام الرواية البرتغالية” التي ينظمها “بيت الرواية”، كان الموعد صباح الأربعاء 14 نوفمبر 2018 بقاعة “صوفي القلي” بمدينة الثقافة مع لقاء “جوزيه ساراماغو بعيون تونسية” أدارته “رفيقة اليعقوبي” وشارك فيه كل من أيمن حسن”، “العادل خضر” و”عبد الجليل العربي”
ويأتي احتفاء بيت الرواية بالروائي البرتغالي “جوزيه ساراماغو” (1922-2010) بمناسبة مرور عشرين سنة على حصوله على جائزة نوبل للآداب (1998)
افتتح اللقاء “أيمن حسن” بمداخلة بعنوان “فرناندو بيسوا بطلا في الرواية العالمية: نماذج أنطونيو تابوكي وجوزيه ساراماغو”، وتحدث مطولا عن “فرناندو بيسوا” شخصية ملحمية يعاد إنتاجها لتصبح كائنا روائيا ورقيا في الكثير من النصوص من بينها رواية “سنة موت ريكاردو ريس” لجوزيه ساراماغو الذي جعل اللقاء بين “بيسوا” و”ريكاردو ريس” ممكنا بعد موت الأول.
واعتبر “أيمن حسن” الشاعر “فرناندو بيسوا” (1888-1935) مشروعا فكريا كاملا يتبلور عبر أسماء مستعارة لها تواريخ ميلادها وحيواتها، وهو ما يعطي حبكة أدبية لرجل يلقب ب”بيسوا” مشيرا إلى أن اسمه ينحدر من اللاتينية ويعني القناع، وشخصياته الغيرية كانت بمثابة أقنعة اختبأ خلفها “بيسوا” ليكتب هواجس اللاطمأنينة ويفتح لنفسه ولهذه الشخصيات الغيرية أبواب الكونية والخلود
أما “العادل خضر” فأشار في بداية مداخلته “لعبة الاسم والقرين عند جوزيه ساراماغو: قراءة في رواية “سنة موت ريكاردو ريس” إلى الحذر من استعمال “أيام الرواية البرتغالية” عنوانا للتظاهرة لأنها تقيم الحدود الجغرافية على الأدب والأدب كوني لا يقوم على الانفصال
واعتبر “العادل الخضر” أن القرين أو الأسماء الغيرية تيمة قديمة وجدت مع “الجاحظ” مثلا الذي نسي اسمه لثلاثة أيام فذهب إلى أهله يسألهم بما يكنى؟ فقيل له “تكنى بأبي عثمان” فكتب الكثير الذي يحمل هذه الكنية ولم يعترف بكتبه تلك التي اختلط الأمر في تحديد “نسبها” إلا قبل وفاته
وقال أيضا إن الأديب إذا ترك موطنه يكتسب أسماء مستدلا على كلامه ب”المقدسي” الذي تحصل على أكثر من ثلاثين اسما وغيره كثير…
ووصف “العادل خضر” فرناندو بيسوا” باللاعب الكبير الذي ابتدع شيئا يطلق عليه بالأسماء الغيرية. يهبها للآخر/ للغريب حتى تصبح “غير غريب” وقال “ابتداعه لهذه الأسماء يدل عند البعض على نوع من النرجسية وأنا لا أقبله، أو هو نوع من الازدواجية في الشخصية وهو أمر لا أقبله أيضا، بل أراه نوعا من اللعب، فالمؤلف هو الذي يمنح هذه الأسماء الغيرية لنفسه وهي تختلف عن الأسماء المستعارة لأن المؤلف لا يوجد بذاته، بل توجد شخصيات أخرى يعتبرها هي صاحبة النص الأصلي وبالتالي فالشخص نفسه يتضاعف مرتين”
من بين الأسماء التي ابتدعها “فرناندو بيسوا” شخصية “ريكاردو ريس” وظهورها في عالمه كانت منذ نعومة أظافره، وكتبت دفعة واحدة ثلاثين قصيدة ونيف
كيف انتقل اسم ظهر في الكون الشعري إلى الكون الروائي؟ يقول “العادل خضر” إن هذا الانتقال صاحبته بعض التغييرات، فبيسوا يعتبر الشخصيات التي منحها “بيوغرافيا” خاصة بها تمثل لا وجوده، و”جوزيه ساراماغو” انطلق من هذه الفكرة ليكتب روايته “سنة موت ريكاردو ريس” وفيها شيء مستحيل: فقد نفى “ريكاردو ريس” نفسه في البرازيل، وعاد إلى لشبونة بعد موت “بيسوا” لكنه وجده في انتظاره في الفندق؟ كيف يمكن أن يلتقي ميت بشخص على قيد الحياة؟ “ريكاردو ريس” نفسه يشعر بهذه الغرابة ويتساءل: كيف أكون ميتا وأنا قرأت نعي بيسوا في الصحف؟ لكن تزول هذه الغرابة لأن ما بنيت عليه الرواية هو بإمكان المستحيل أن يتحقق! مادام “بيسوا” و”ريكاردو ريس” هما التوأم السيامي/ التوأم الملتصق
أما المترجم التونسي المقيم في البرتغال “عبد الجليل العربي” فأشاد باحتفال بيت الرواية بالذكرى العشرين لحصول “جوزيه ساراماغو” على نوبل للآداب، وقال إنه منتج لذة قرائية كبيرة في جميع رواياته إلى درجة قال أحد النقاد البرتغاليين إنه سيدعو نوبل إلى منح نوبل ثانية لبعض الأسماء وسيكون “ساراماغو” أولهم
وانطلق “عبد الجليل العربي” في حديثه عن “السردي والتاريخي” في روايات “جوزيه ساراماغو” من عناوين رواياته التي تحيل على أجناس أخرى: “دليل الرسم والخط”، “نصب الدير التذكاري”، “تاريخ حصار لشبونة”، “الإنجيل كما يرويه المسيح” ملاحظا تلاعبه بالأجناس الأدبية عبر الجنس الأكبر وهو الرواية التي لا تقبل بسهولة أي تعريف دغمائي
وقال “عبد الجليل العربي” إن “تاريخ حصار لشبونة” تبدو عملا تاريخيا يروي قصة حصار لشبونة وسقوطها سنة 1147 من يد الأندلسيين وخضوعها لحكم البرتغاليين. لكن “ساراماغو” عاد لوقائع تاريخية من منظور روائي لمساءلتها وبنى على الهامش فيها قصة حب كانت هي الأهم في بناء الحكاية
وبهذه الطريقة يعيد “ساراماغو” تركيب الماضي حسب الرؤى التخييلية والروائية مشيرا إلى أن الرواية لها الحق في التاريخ وفي كسر الحدود مع العلوم الأخرى
وتحدث عبد الجليل العربي أيضا عن رواية “نصب الدير التذكاري” الذي وصفه بأعظم نص روائي لجوزيه ساراماغو، وتعود قصة الدير الذي يوجد في إحدى القرى البرتغالية إلى بذل الملك مالا كثيرا لبنائه بإيعاز من الفرانسيسكان الذين أوهموه بنذر الدير حتى تتمكن الملكة وكانت عاقرا من إنجاب ولي العهد.
وفي روايته يهمش “ساراماغو” دور الملك والملكة ويخلق بطلين آخرين هما “بلتزار” رجل أمّي، له يد مبتورة، ويعيش قصة حب عظيمة مع “بليمودا” امرأة جميلة، ذكية، مثقفة وتملك قوة خارقة في قراءة المستقبل
يشار إلى أن “عبد الجليل العربي” بصدد الاشتغال على هذا النص حاليا لترجمته من البرتغالية إلى اللغة العربية
شارك رأيك