الان وقد تم التحوير الوزاري ومر بسلام، لا يسعنا إلا أن نقول للسياسيين : تونس لا تحتمل مزيدا من الأزمات يا سياسييّ الأزمات والتأزّم الشامل… تونس أكبر من الأسماء وأكبر من الأحزاب وسيذهب الجميع إلى ذاكرة التاريخ أو إلى مزبلته اجلا أم عاجلا. هذا الأمر رهين ما تقدّمه أياديكم. لكن تونس ستبقى شامخة وعصيّة رغم أنف بعض ساستها الذين لم يحافظوا عليها…
بقلم سنيا البرينصي
بعد لأي وجدل لافتين طبعا المشهد السياسي على مدى أسبوعين أو أكثر صادق مجلس نواب الشعب يوم الإثنين 12 نوفمبر 2018 على منح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد المقترحين من طرف رئيس الحكومة يوسف الشاهد ضمن التحوير الوزاري. وبعد أداء اليمين الدستورية، الأربعاء 14 نوفمبر، أمام رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تسلّم، الأمس، الخميس 15 نوفمبر 2018، أعضاء الحكومة الجدد مهامهم.
نقاط مضيئة في التحوير الوزاري
مسار التحوير الوزاري الذي أعلنه الشاهد وتمكّن من تمريره بأغلبية برلمانية مريحة بالرغم من مقاطعة حزبه نداء تونس وعدم تصويت نوابه لأعضاء الحكومة الجدد، وبالرغم من المناكفات والضجيج والضغوطات والعنتريات السياسية التي رافقت هذا التحوير من هنا وهناك بغية تعطيله أو حتى فرض تعديلات على تركيبته، وتحديدا من أحزاب معينة، وعلى رأسها نداء تونس والجبهة الشعبية، مرّ هذا التحوير بسلام بل يمكن إعتباره “انتصارا” جديدا وذكيا ل”معسكر” رئيس الحكومة، خاصة باقتراح رجل الأعمال اليهودي روني الطرابلسي وزيرا للسياحة، الذي وصفه مراقبون بأنه نصر سياسي، أو “ضربة معلّم” تحسب للشاهد ستتبّين مكاسبها وتداعياتها الإيجابية خلال الفترة المقبلة، خاصة من جانب تكريس قيم المواطنة والمساواة بين جميع التونسيين في منأى عن الدين واللون والعرق والإيديولوجيا، ممّا من شأنه تعزيز ودعم صورة تونس في الخارج كبلد عربي كان ولا يزال رائدا في جميع المجالات مقارنة بالدول العربية الأخرى.
تعيين روني الطرابلسي الشخصية ذات الزخم الوطني والدولي ذائعة الصيت في مجالها وزيرا للسياحة يمكن اعتباره تعيينا يكرّس مقولة “الرجل المناسب في المكان المناسب”، وبحسب مسيرة ومكانة وشبكة علاقات الرجل، لاسيما على المستوى الدولي، يمكن القول إن السياحة التونسية ستواصل مسيرة الإنتعاشة الكبرى التي شهدتها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، خاصة عقب هجومي باردو وسوسة.
التحوير الوزاري الذي أعلنه الشاهد يمكن اعتباره إيجابيا في أغلبه، لاسيما أنه يمكن وصفه بالتحوير “الجريء” بالنظر إلى تضمّنه عودة مباشرة وعلنية ودون مواربة لبعض رموز نظام بن علي وكفاءات حكمه، والمقصود بذلك تعيين كمال مرجان وزيرا للوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية، وهو ما من شأنه أن يعطي دفعا جديدا للعمل الحكومي ويكرّس مقولة أن تونس تبنى بمجهودات كل أبنائها، وأن الدولة في حاجة إلى كفاءاتها الوطنية دون تسيّس أو تسييس لأن الهدف أولا وأخيرا يجب أن يكون الوطن.
من النقاط المضيئة في هذا التحوير نجد كذلك تعيين العميد السابق للمحامين وصاحب جائزة نوبل للسلام ضمن الرباعي الراعي للحوار الوطني أواخر 2013 وأوائل 2014 فاضل محفوظ المشهود له بالكفاءة والوطنية بعيدا عن أهواء السياسة بعيدا عن تشعّبات “المراهقة السياسة” التي تسم المشهد التونسي منذ أحداث 14 جانفي 2011، وفي لغتنا العامية الصميمة “يتعلّموا في الحجامة في رؤوس اليتامى”، وبالفعل نحن كشعب “يتامى” منذ ذلك التاريخ… نحن “يتامى” وطن بأكمله بما أننا منذ ذلك التاريخ صرنا نفقد وجه ولون الوطن يوما بعد يوم.
ولعلّ المتابع والمتتبّع لمسيرة الرجل لا يمكن إلاّ أن يكون متفائلا بخصوص مستقبل حقوق الإنسان في تونس، وإن بشكل نسبي طبعا، في إنتظار النتائج العملية بما أن السياسة تحتسب بالنتائج وليس بالإنطباعات.
هل سيقضي الشريف الطبيب الجرّاح على أورام قطاع الصحة
مكسب هام أيضا في هذا التحوير يتمثّل في تعيين عبد الرؤوف الشريف على رأس وزارة الصحة التي يمكن وصفها بالوزارة “العليلة” أو “المعتلّة” أو “المريضة” بالنظر إلى الخور الشامل الذي يعاني منه القطاع ككل، لاسيما منذ 2011، وتحديدا خلال عهد عبد اللطيف المكي، ومؤخرا في عهد “قارئ” و”حافظ” سورة “الكهف” على ظهر قلب الوزير السابق عماد الحمامي، الذي ربّما مازال سائقه يحاول حتى هذه اللحظة إقناع التونسيين بأن الدواء متوفّر.
ولكن هل سينجح عبد الرؤوف الشريف، الطبيب الجرّاح، والقيادي في حركة مشروع تونس، والمعروف بعدم ميله للتجاذبات السياسية و”البوز” أو “الشو” الإعلامي على غرار أغلب سياسيينا “الأبطال” المولعين بإشعال “النيران المعادية” و”الصديقة” على حدّ السواء دون بذل أي جهد لإطفائها تطبيقا لقول نزار قباني: “من أشعل النيران يطفئها”، في فتح الملفات السوداء، “التابوهات”، بوزارة الصحة حتى يمكن إصلاح القطاع؟ بل هل ستتركه “عصابات” و”مافيا” القطاع يعمل؟ يبقى هذا السؤال رهين ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.
هل ستنحاز وزيرة التشغيل النهضوية إلى الوطن؟
إلى ذلك، يعدّ التغيير على بعض الوزارات الأخرى التي شملها التحوير ضروريا جدا لضخّ دماء جديدة، أو لإصلاح الهنات الموجودة وفتح الملفات “المعلّقة و”العالقة”، قضائيا ربّما، لمحاولة البناء من جديد، خاصة وزارات البيئة والنقل والشباب والرياضة، دون نسيان فتح الباب للشباب، ونقصد بذلك القيادية بحركة النهضة سيدة الونيسي وزيرة التشغيل الجديدة، فلعلّ روح الشباب داخلها تدفعها لخدمة الوطن بعيدا عن الإنتماء السياسي والتأدلج، وخدمة الوطن طبعا تكون بتشغيل أبناء هذا الشعب، وليس فقط تشغيل أبناء حركة النهضة، التي أصبحت المؤسسات العمومية تغصّ وتفيض بهم إلى حدّ التخمة.
الان وبعيدا عن كل التقييمات الإيجابية أو السلبية، والتي تبقى في معظمها نسبية، أمكن القول إن الأمر قد حسم بغضّ النظر عن “الرابحين” أو “الخاسرين”، الذين لم ينبهم من التحوير الوزاري مناب التعيينات على المقاس، وبالتالي ما ضرّ الطبقة السياسية، وعلى رأسها أصحاب المغالاة والأجندات والمصالح وأصحاب المطامح والمطامع وجماعة “دبّر بليل”، أن تترك الجدل وتنهمك بكل قواها في العمل؟
إذا أراد الله سوءا بقوم منحهم الجدل ومنعهم العمل… أوقفوا قصف الوطن
ما ضرّ طبقتنا السياسية أن تعمل وتترك الجميع يعمل، حكومة وشعبا، وأحزابا في الحكم والمعارضة؟ ما ضرّ أن توقف الأحزاب وقيادات الأحزاب والنقابات وقياداتها مناوراتها النهارية والليلية التي لا تنتهي صباحا مساء ويوم الأحد، ولو لحين، لتنهمك في العمل من أجل الوطن، لاسيّما في ظلّ التأزّم الشامل الذي تعيشه البلاد على مختلف المستويات.
إنتخابات 2019 نراها قيد خطوة ولمح بصر واتية قريبا لا ريب فيها، ويرونها رهانا مصيريا وأبديا وطويل المدى وجب من أجله إسقاط الحكومات وشلّ وتعطيل مؤسسات الدولة وإشعال فتيل لا ينتهي من النزاعات والصراعات السياسوية والمصلحية، في حين أن الفيصل في كل ذلك هو صناديق الإقتراع. فلنترك للصناديق الخيار والإختيار… ومن يفوز بنتائجها هنيئا له، وإن كانت هذه التهنئة قد تكون على مضض بالنسبة للبعض.
قيل: “إذا أراد الله بقوم سوءا منحهم الجدل ومنعهم العمل”، ولأننا ملح هذه الأرض ولأننا قمحها ونخيلها وحجرها وترابها نقول لسياسيينا: “كفى إثارة فتن… كفى صراعات… كفى تجاذبات… أوقفوا “القصف” الممنهج والعشوائي للوطن… لتكون تونس هي البوصلة… عدّلوا ساعاتكم على نبض المواطن وعلى هموم المواطن وعلى مشاغل ومشاكل المواطن… كفى حسابات إنتخابية سابقة لأوانها… إعملوا سويّا من أجل الوطن ولا شيء سوى الوطن حتى تنصفكم الإنتخابات المقبلة… كفى شغبا ومشاغبات واهية… لا تكونوا يمينا ولا يسارا… كونوا فقط تونسيين وسترون الفارق في التوقيت الإنتخابي… ما بين وطن ستنقذونه لا محالة إن وعيتم ووطن قد تفقدونه حتما إن جهلتم (الجهل هنا يحتمل تأويلات عدّة)… توجد مسافة وطن ويوجد كيان وطن ومصير شعب.
تونس لا تحتمل مزيدا من الأزمات يا سياسييّ الأزمات والتأزّم الشامل… تونس أكبر من الأسماء وأكبر من الأحزاب وسيذهب الجميع إلى ذاكرة التاريخ أو إلى مزبلته اجلا أم عاجلا. هذا الأمر رهين ما تقدّمه أياديكم. لكن تونس ستبقى شامخة وعصيّة رغم أنف بعض ساستها الذين لم يحافظوا عليها… من الثابت أن الأجيال القادمة ستحكم لكم أو عليكم وستحاكمكم بلفظتين لا ثالث لهما وضمن خانتين لا ثالث لهما وهما “ألا بوركت أياديكم”، أو “ألا تبّت أياديكم”… التاريخ لا يظلم أحدا ساستنا “العمالقة” الذين لم “يجد الدهر بمثلهم في أي مكان وزمان”… ألا فاعتبروا… ألا أفيقوا من غفوتكم… هنا تونس.
شارك رأيك