لقاء بوجمعة رويبح ومعاريف يوشري.
أعادت صورة تُظهر القنصل العام الجزائري بمرسيليا بوجمعة رويبح برفقة الناطق الرسمي باسم القنصلية الإسرائيلية بفرنسا معاريف يوشري إثارة الجدل والتساؤلات حول العلاقات الجزائرية-الإسرائيلية رغم أنه لا يوجد هناك أي علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين. فالجزائر منذ إستقلالها في 5 جويلية 1962 لا تعترف إطلاقًا بدولة إسرائيل على الأقل رسميًا و علنيًا. لكن في السر و الخفاء ربما الأمور تختلف كثيرًا.
من الجزائر: عمّـار قـردود
في شهر رمضان 2017، قام يهوديان مغربيان من جنسية فرنسية بزيارة سرية إلى الجزائر وبالتحديد إلى ولاية بشار بالجنوب الجزائري على الحدود المغربية استمرت ليومين التقيا خلالها عددًا من المسؤولين المحليين بولاية بشار- جنوب الجزائر- لإتمام الإجراءات الخاصة بنقل جثمان الحاخام اليهودي أبحسيرة إسرائيل المتوفى بتاريخ 9 جوان 1944. قبل أن يغادرا مطار بشار على متن الرحلة (أس أف 23/89) المتوجهة للجزائر العاصمة.
مؤشرات قوية تؤكد وجود تطبيع جزائري-إسرائيلي
هذان اليهوديان هما أزروال موشي – من مواليد 1935 بالدار البيضاء في المغرب – وليفي سيمون – من مواليد 23 سبتمبر 1959 بالدار البيضاء -، حيث التقيا كل من رئيس بلدية بشار قبل التوجه إلى مديرية الشؤون العامة والتنظيم لولاية بشار للقاء مسؤولها هناك والتباحث فيما يتعلق بنقل رفات صهر أزروال موشي ورجل الدين اليهودي أبحسيرة إسرائيل الملقب بـ”بابا سالي” من بشار إلى مرسيليا بفرنسا، وهذا لبناء مزار له حتى يتسنى لليهود من أقاربه وممن عرفوه أم لم يعرفوه الترحم عليه والدعاء له نظير ما قدمه من خدمات للديانة اليهودية وللتوراة وكذا التبرك بقبره.
و رغم أن نقل جثمان الحاخام إسرائيل، يأتي تنفيذا للإتفاقية التي عقدتها الجزائر مع فرنسا بخصوص نقل رفات الموتى، إلا أن تصريح صهره بنقل رفاة إسرائيل إلى مرسيليا يشوبها الكثير من الغموض فيما إذا كان الأمر يتعلق باستغلال هذه الإتفاقية لتحويل الرفاة إلى فرنسا ومنها إلى إسرائيل، لأنه لا يعقل أن يكرّم حاخام يهودي مشهود له بخدمة اليهودية والتوراة في فرنسا فقط، فمقام الرجل وفق هذا الاعتبار يفرض دفنه في إسرائيل “الأرض الموعودة والمباركة” وفق العقيدة اليهودية.
و قد راسلت وزارة الداخلية الجزائرية واستنادًا إلى طلب من سفارة فرنسا بالجزائر، ولاية بشار منذ يناير 2017 لتحضير الإجراءات الخاصة بنقل هذا الحاخام، إلا أن هذه المراسلة لم تبلّغ بها بلدية بشار أو أن هذه الأخيرة أبلغت وتقاعست عن التنفيذ، إلا أنه بوصول صهر الحاخام ومرافقه وإيداعهما طلب نقل الرفاة وتحويله، تقرر الإسراع في هذه الإجراءات، حيث من المطلوب أن تتم مراسلة وكيل الجمهورية لدى محكمة بشار لأخذ رأيه في هذا الموضوع.
و تتواجد بالجزائر حوالي 100 مقبرة خاصة باليهود، وقد بادرالبرلماني الفرانكو إسرائيلي ماير حبيب، العام الماضي بتجميع مقابر اليهود في الجزائر وكان من المبرمج الشروع في تنفيذ ذلك شهر جوان 2017 لكن ذلك لم يحدث بعد أن عارض كبار الحاخامات مشروع تجميع رفات الموتى اليهود لتعارض مسألة فتح القبور واستخراج الرفات مع الديانة اليهودية. لكن يبدو أن الأمر يختلف تمامًا عندما يتعلق بنقل رفات حاخام يهودي خارج الجزائر مثلما حدث مع الحاخام إسرائيل أبحسيرة.
بوتفليقة و إيهود باراك.
بوتفليقة… عرّاب التطبيع الجزائري مع إسرائيل
في 25 جويلية 1999 حدثت المصافحة التاريخية بين الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، في الرباط المغربية، على هامش جنازة الملك المغربي الحسن الثاني. دام اللقاء بين الرجلين عشر دقائق، لكن الرئاسة الجزائرية حاولت نفي شبهات التطبيع السياسي، وفسّرت هذه الحادثة بكونها “لقاءً عفوياً وردّ تحية ليس إلا”. كما أعلنت الرئاسة في حينه أن “بوتفليقة أبلغ باراك قائلاً: لم تكن لنا أبداً مشكلة مع إسرائيل، وفي اليوم الذي سيُحلّ فيه الصراع مع الفلسطينيين سنكون سعداء بإقامة العلاقات الدبلوماسية معكم”. كما قام بوتفليقة خلال زيارته إلى العاصمة الأميركية واشنطن، بداية عهدته الرئاسية الأولى، بلقاء رجال أعمال يهود، ودعاهم إلى الاستثمار في الجزائر.
و يقول المتتبعون للشأن الجزائري أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو حامل لواء التطبيع الجزائري مع إسرائيل وفي عهده حدثت الكثير من الأمور التي توحي عن وجود رغبة وإن كانت غير معلنة لدى السلطات الجزائرية للتطبيع مع إسرائيل، ففي عام 2002 أظهرت صورة نُشرت في الموقع الرسمي للحلف الأطلسي، عن اجتماع عسكري شارك فيه نائب وزير الدفاع الوطني وقائد أركان الجيش الجزائري الحالي، الفريق أحمد قائد صالح، الذي كان جالساً قرب جنرال إسرائيلي يشارك في الاجتماع. وهي الصورة التي أثارت حفيظة الرأي العام، على الرغم من تبريرات السلطات الجزائرية.
كما قام وفد إعلامي جزائري، يضمّ ثمانية صحافيين، في 25 جوان 2000، بزيارة إلى إسرائيل، بدعوةٍ من الجمعية الإسرائيلية لتطوير العلاقات بين دول البحر الأبيض المتوسط، وبرعاية من وزارة الخارجية الإسرائيلية. استكمل الوفد خطوته بزيارة إلى رام الله، لكن الرئاسة الجزائرية سارعت إلى وصف الزيارة بـ”الخيانة، التي تمّت بمخالفة القواعد والأصول”. ووصفت الصحافيين بـ”الخونة”.
يهود الجزائر يطبعون مع إسرائيل في باريس.
لكن وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، مادلين أولبرايت، حذّرت السلطات الجزائرية من المساس بالصحافيين، وتزامن ذلك مع إعلان اسرائيل عن وجود اتصالات بين السفير الإسرائيلي في باريس ومسؤولين جزائريين. وفي تلك الفترة أيضاً، قدمت مجموعة من الأشخاص، يتقدمهم مدير مدرسة في منطقة بوفاريك قرب العاصمة الجزائرية، يدعى “محمد برطالي”، بطلب اعتماد الجمعية الوطنية للصداقة الجزائرية الإسرائيلية، لكن السلطات الجزائرية رفضته.
وفي فبراير 2000، وجه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة دعوة إلى المغني الفرنسي من أصول جزائرية، إنريكو ماسياس، لزيارة الجزائر، ضمن وفد رئاسي بقيادة الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي. لكن ردة فعل الرأي العام في الجزائر، إزاء هذه الدعوة، منعت حدوث هذه الزيارة. فماسياس اليهودي داعمٌ للمواقف المؤيدة للجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، بل قام بحملة تبرّعات لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ولم تتمّ الزيارة رغم الغطاء الإنساني والثقافي الذي مُنح لدعوة ماسياس، المولود في قسنطينة، شرق الجزائر، وإعلان عزمه زيارة البيت الذي ولد فيه، فضلاً عن زيارة قبر صهره مغني المالوف – الأغنية العربية الأندلسية – الشيخ ريمون، الذي قتله المجاهدون الجزائريون، لرفضه استقلال الجزائر عن فرنسا.
كما قرر الرئيس بوتفليقة فتح قنوات مباشرة مع الجالية اليهودية في أوروبا والسماح لها بزيارة الجزائر تحت غطاء زيارة المقابر والأضرحة المقدسة اليهودية، وهنا تجدر الإشارة إلى دور الحاخام هنري هادنبريغ رئيس منظمة اليهود الفرنسيين (CRIF) في ترتيب و تدبير جميع العلاقات الجزائرية- الإسرائلية في باريس والعالم.
الفريق أحمد قائد صالح جالس قرب جنرال إسرائيلي.
وقد أشارت مواقع وزارة الخارجية الإسرائلية إلى اللقاء الذي تم في العاصمة الفرنسية بين رئيس البرلمان الجزائري السابق الراحل البشير بومعزة والحاخام الفرنسي هنري هادنبريغ، والتي كانت مناسبة لبحث سبل ترقية العلاقات الجزائرية الإسرائيلية، ولكن في إطار سري وغير معلن عنه وتحت الطاولة.
في ماي 2005، سمحت السلطات الجزائرية لـ250 يهودياً من مواليد الجزائر في أثناء الاستعمار الفرنسي، ويحملون جوازات سفرٍ فرنسية، بتنظيم موسم حج إلى معبد قباسة وقبر الحاخام اليهودي إفرايم، في منطقة تلمسان قرب الحدود مع المغرب. وفتحت هذه الزيارة الباب واسعاً لجهات إسرائيلية بإعادة فتح ملف ممتلكات اليهود ومعابدهم في الجزائر، والمطالبة بدفع تعويضات مالية عنها.
في عام 2006، أعلنت السلطات الجزائرية عن اعتماد ممثليةٍ للطائفة اليهودية، وفقاً لقانون تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين، الصادر عام 2005. وفي 13 فبراير 2015 أُقيمت جنازة رسمية، بحضور رسمي كبير، للممثل اليهودي فرنسي الجنسية روجيه حنين، وهو من مواليد الجزائر في أثناء الاستعمار الفرنسي.
دُفن حنين في المقبرة اليهودية وسط العاصمة الجزائرية، بحضور رئيس جمعية الحفاظ على المقابر اليهودية في الجزائر، برنارد حدّاد. وأُقيمت خلال هذه الجنازة للمرة الأولى مراسيم دينية يهودية رسمية في الجزائر وارتداء القبعة اليهودية. ولم يكن تحفّظ الرأي العام في الجزائر إزاء هذه المراسم من الجانب الديني، لكنه كان يتصل بحساسية موقف الطائفة اليهودية السياسي تاريخياً.
و بتاريخ 13 ماي 2009 قال السفير الجزائري بمجلس حقوق الإنسان بجنيف إدريس الجزائري – حفيد مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري – “سأكون سعيدًا بأن أضع نفسي تحت تصرف الإسرائليين فيما يتعلق بجهود نزع السلاح في منطقة الشرق الأوسط…”.
خطوات في طريق التطبيع الإجتماعي والثقافي
و شاركت الجزائر في مؤتمر أنا بوليس للسلام الذي جرى في نوفمبر 2007 وذلك بوفد رسمي يرأسه مندوبها في الجامعة العربية آنذاك عبد القادر حجار- سفير الجزائر بتونس حاليًا -. فالجزائر دولة غير معنية مباشرة بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني و لا تعتبر من دول الطوق. فكيف يمكن تفسير هذا اللقاء الرسمي الإسرائيلي الجزائري؟ وماذا كان الهدف منه؟
وفي جويلية 2014، أعرب وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى عن نيته إعادة فتح المعابد اليهودية المغلقة. وأمام اعتراضات السلفيين الذين اعتبروا القرار استفزازاً لمشاعر الجزائريين، أكّد الوزير أن الدستور الجزائري يكفل حرية المعتقد، وأن السلطات ستوفر الحماية الأمنية اللازمة لهذه الأماكن. ولكنه عاد وقال إنه ليس لديه جدول محدد لإعادة فتح هذه المعابد، لافتاً إلى أن ممثلي الجالية اليهودية أنفسهم غير متحمسين لإعادة فتح معابدهم خوفاً من تعرضها لاعتداءات.
و في عام 2015 حاول المخرج السينمائي الجزائري الياس سالم، المشاركة بفيلمه “الوهراني” في مهرجان أشدود في إسرائيل. واندلع جدال سياسي وإعلامي كبير في الجزائر شكّل ضغطاً كبيراً على وزارة الثقافة، لدفع المخرج إلى الانسحاب من المهرجان الإسرائيلي، خصوصاً أن الفيلم أُنتج من قبل الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي.
و في 15 أوت 2015، شاركت خمسة أفلام جزائرية في مهرجان لوكارنو السينمائي في سويسرا. وهو المهرجان الذي كانت إسرائيل ضيفة الشرف فيه، ومُنعت الأفلام الفلسطينية من المشاركة. في هذا المهرجان لم تتخذ الجزائر موقفاً بمقاطعة المهرجان، مما اعتبرته بعض الأطراف سقطة فنية وسياسية، خصوصاً أن معظم الأفلام المنتجة في الجزائر تمّت بدعم من وزارة الثقافة الجزائرية عبر صندوق دعم صناعة وتقنيات السينما.
كما إن انضمام الجزائر إلى ميثاق برشلونة ثم إلى مشروع الإتحاد من أجل المتوسط هو إعلان غير مباشر عن التطبيع مع إسرائيل رغم التحفظات الأولية والرسمية الموجهة للإستهلاك المحلي.
شارك رأيك