لا يمكن أن تمر زيارة ولى العهد السعودي إلى تونس هذه الأيام دون لغط إعلامى سياسى وستكون الزيارة فرصة للمتناحرين السياسيين الفاسدين لكثير من المد والجزر الخطابي، لكن من المهم التأكيد أن هذا الإنتقاد العلنى للسياسة الخارجية والداخلية السعودية قد أصبح موجودا ومتواترا بفضل حرية التعبير، المكسب الوحيد من هذه الثورة التي حصلت سنة 2011.
بقلم أحمد الحباسي
ربما تستفز بعض التحاليل و المفردات والخطب القيادة السعودية المتعودة على قانون الصمت داخل المملكة وحكم المؤسسة الدينية التي أصبح المتابعون يرونها السبب أو أحد الأسباب المهمة في انتشار خطاب الكراهية والتكفير وتقسيم الوجدان العربى والتسبب في تفتيت الدول العربية تناسقا مع مشروع الفوضى الخلاقة الامريكى، ولكن على نظام المملكة أن يحاول تعويد نفسه شيئا فشيئا على هذا التحول السياسى والإعلامى في تونس وأن يتعامل مع الواقع الجديد بروح عالية من التفهم والمسؤولية لأن قطار حرية التعبير قد انطلق بدون المملكة ولن يقف في محطتها.
لقد فشل النظام السعودي الجديد للأسف في قراءة ما حدث في تونس كما فشل في فهم مخرجات الحوار الوطني الذي أخرج البلد من دوامة العنف ولو بالحد الأدنى المطلوب بل أخرج البلد من دوامة التناحر بين الماضي والحاضر وبين الأنموذج الوسطي والأنموذج السلفي، لذلك وجدت الرياض نفسها في قلب معادلة شديدة التعقيد تتزاحم فيها ضبابية سياسية واضحة تحدث عنها المحللون بالنقد و الإنتقاد وخاصة في الموضوعين السوري واليمني.
هذه الضبابية في سلوك المملكة تجاه عدة دول عربية وهذا الإنخراط الحاصل في تنفيذ المؤامرة على سوريا والعراق واليمن بالتحديد كانت له تداعيات خطيرة على خزينة الدولة التي شهدت عجزا غير مسبوق منذ الطفرة النفطية في السبعينات وارتفاع أصوات من العائلة المالكة نفسها تنادي السلطة الحاكمة باتخاذ قرارات مؤلمة ومراجعة سياستها الخارجية بالكامل خاصة في سوريا واليمن ولبنان.
النظام السعودي في مأزق أمام التغيرات الدولية والإقليمية
ربما يصعب على النظام السعودي الجديد في هذه الفترة هضم التقليعة الشعبية الجديدة التي تنادى علنا بإسقاط الأنظمة الإستبدادية الشمولية الفاسدة والتي اختزلها المتظاهرون في تلك العبارة الشهيرة الفرنسية “ديغاج”، وربما يظن النظام عبثا أنه في مأمن من هذه الرياح السموم التي قضت على بعض الأنظمة لكن عليه أن يتفهم هذه المرة أن كل الشواهد تؤكد وجود تحول لدى الرأي العام العالمي يؤسس إلى رفض مثل هذه الأنظمة الشمولية المتكلسة.
لقد كان واضحا منذ تعمد النظام السعودي اغتيال المعارض الشيخ النمر باقر النمر أن هناك كشف حساب أمريكي ستضطر القيادة السعودية إلى دفع مبلغه عدا ونقدا ولذلك لم يكن مستغربا أن تخرج القيادة الأمريكية الجديدة ومن قبلها إدارة الرئيس باراك أوباما من دفاترها القديمة ملف أحداث 11 سبتمبر 2001 وخروج حديث عن إنتاج الرئيس الجديد دونالد ترامب ومعاونيه رواية جديدة على المستوين التشريعي والقانوني تحمل المملكة كامل المسؤولية الجزائية والسياسية والأخلاقية عن تلك الأحداث وتطالبها علنا بالتعويض لعائلات الضحايا تبعا لقانون جاستا الشهير.
هناك أيضا تصريحات أمريكية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين ومن أهمها على الإطلاق تصريح الرئيس الأمريكي بكونه من يحمي وجود النظام والقادر على إزاحته إذا لم يقم بالتعويضات المطلوبة.
لقد كان على نظام المملكة أن يفهم أن رياح السياسة الدولية قد تحولت خاصة بعد دخول روسيا إلى جانب حليفها السوري مقصية الدور الأمريكي نفسه في المنطقة وأن يفهم أن انخراطه في مؤامرة ضرب النظام السوري لصالح إسرائيل ستكون إرتداداته مرعبة على المدى المتوسط و الطويل.
في نهاية الأمر لن يكون الخروج من الفضيحة والمستنقع السوري بدون دفع فاتورة غالية وبدون تنازلات على كل المستويات.
السعودية مجردة بقرة حلوب تغطي احتياجات الإقتصاد الأمريكي
ما الذي دفع بالنظام السعودي لارتكاب مجزرة بحجم اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بمثل تلك الوحشية والبشاعة؟ يتحدث المراقبون والمحللون أن النظام قد ارتكب هذه المرة الحماقة التي أفاضت كأس صبر الرأي العام العالمي وفي ذات الوقت هناك حديث على أن الظروف الدولية الحالية ستمنع محاسبة النظام ولو إلى حين لكن من المهم التأكيد أن هذه الجريمة الشنعاء قد كشفت الطبيعة العدوانية للأسر الخليجية الحاكمة التي تعودت على ارتكاب الخطايا دون حسيب أو رقيب يرافق ذلك صمت مطبق ورهيب من مكونات المجتمع الدولي ولعل ما يطرحه المحللون من تفسير لهذا الصمت بلعبة الأمم ونفاق و أنانية المصالح الإقتصادية للدول الغربية عموما لا يحجب أن هناك من الوسائل الإعلامية المدفوعة الأجر عربيا وغربيا من يحاول شفط كل الدهون المتعفنة وتلميع الصورة السوداء لهذا النظام.
إن قانون الغاب الذى تمارسه المملكة ضد مواطنيها وضد الأنظمة الأخرى لن يمكنها من فرض نفسها لا داخليا ولا خارجيا بل سيزيد من عزلتها وستخرج المملكة من الحربين السورية واليمنية تجر أذيال الخيبة والفشل والخسران على أكثر من صعيد.
ربما يسعى النظام إلى أن تستبدل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إيران كشرطي سابق للخليج بالنظام السعودي لكن هذا لن يحصل أبدا وسيبقى الدور السعودي مجرد مكمل وأداة تنفيذ للمشاريع الصهيونية الأمريكية في المنطقة.
إن حتمية الفارق في الأوزان الإستراتيجية بين إيران والسعودية من المنظار الأمريكى على الأقل يصب في مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم حالة التخبط في السياسة الأمريكية الحالية.
أمريكا اليوم تعاني من سقوط كامل لمخططها العسكري والسياسي في العراق وسوريا ولبنان وعدم نجاحها في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ودخول روسيا لأول مرة على خط مواجهة المشاريع الأمريكية المدمرة للمنطقة سيصعب على الرئيس ترامب القيام بدور فاعل يخدم مصالحه في الشرق الأوسط ولعل هذه المصالح وكما تشير إليه عديد التسريبات تقع في يد النظام السوري والإيراني بحيث أن قبول الإدارة الامريكية ببقاء الأسد هو إشارة معلنة عن تحول دراماتيكي في السياسة الخارجية الأمريكية سيجعل من السعودية مجردة بقرة حلوب تغطي احتياجات ونمو الإقتصاد الأمريكي لا غير ولذلك نقول بالنهاية أن زيارة ولي العهد إلى عديد بلدان المنطقة منها تونس هي مجرد زيارة لن تخدم مصالح الطرفين تحت أي عنوان.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
لأن كل شيء “موازى” عند حركة النهضة فهي كاذبة دوما فلا تصدقوها
الشرق الأوسط : قصة فشل الأنموذج التركي والسياسة التركية في سوريا
شارك رأيك