مثل عدم رد النهضة والتزامها الصمت تجاه التهم الموجهة اليها من طرف هيئة الدفاع عن الشهيدين وخروجها الإعلامي المحسوب محور تدوينة فايسبوكية كتبها سامي بن سلامة العضو السابق للهيئة العليا للانتخابات.
وقال بن سلامة بأن حركة النهضة تعيش حالة من التردد مشيرا الى ان جميع أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيدين يتفننون في كيل مختلف أنواع الاتهامات لها بدون أن ترد الفعل قانونيا.
واضاف بن سلامة : هي اتهامات تتعلق بامتلاكها أو إعادة تفعيلها تنظيما سريا خطيرا ارتبط بنشاطات وعمليات غير قانونية ومشبوهة داخل الوطن وخارجه تصل إلى حدّ التورط في الاغتيالات السياسية ولكنها تكتفي وفي كل مرة بالطلب من هيئة الدفاع ومن يساندها باللجوء إلى القضاء وتصر على ذلك.
وتساءل :فما هي القصة وراء ذلك الإصرار الغريب ؟
وفي مايلي النص الكامل للتدوينة :
يرجح أغلب المتابعين للوضع السياسي العام في تونس بأن حالة التردد التي تعيشها حركة النهضة وامتناعها عن تقديم دعاوى قضائية للدفاع عن شرفها ستطول أكثر من المتوقع. فالحركة في مأزق رهيب يفوق مأزقها يوم كانت في السلطة لحظة اغتيل الشهيد شكري بلعيد واتهامها من قبل أغلب الفاعلين السياسيين بالتورط في العملية.
منذ أسابيع طويلة وجميع أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيدين يتفننون في كيل مختلف أنواع الاتهامات لها بدون أن ترد الفعل قانونيا. إذ تكتفي الجماعة إلى حدّ الآن بالخروج الإعلامي المحسوب رغم الاتهامات الخطيرة جدا الموجهة لها بحجج ووثائق وبراهين مستخرجة من ملفات قضائية. وهي اتهامات تتعلق بامتلاكها أو إعادة تفعيلها تنظيما سريا خطيرا ارتبط بنشاطات وعمليات غير قانونية ومشبوهة داخل الوطن وخارجه تصل إلى حدّ التورط في الاغتيالات السياسية ولكنها تكتفي وفي كل مرة بالطلب من هيئة الدفاع ومن يساندها باللجوء إلى القضاء وتصر على ذلك، فما هي القصة وراء ذلك الإصرار الغريب ؟
رفع ذلك الموقف السلبي وغير المعتاد من الحركة التي لا تهادن عادة من يهاجمها، من منسوب القلق والتوتر لدى أنصارها ومريديها وبعض قيادييها، بعد أن طال انتظارهم لردّ فعل حاسم وحازم من قيادة الحركة ضد كل تلك المزاعم والتقولات التي لطخت سمعتها وجعلتها في الحضيض وستكمل تدمير كل ما استطاعت بناءه منذ سنوات على المستوى الداخلي والدولي إن تواصلت أكثر من ذلك.
يعتبر كثيرون من النهضويين وربما كانوا صادقين في إيمانهم ببراءة الحركة، بأن دعاوى قضائية عاجلة كانت ستخرس جميع تلك الألسن الخبيثة التي تصورها في ثوب شيطان رجيم. ووفق تصورهم فإن جرّ من تسببوا في الأزمة الخانقة التي تعيشها أمام المحاكم وإثبات كذبهم هي الطريقة الوحيدة الكفيلة بكشفهم أمام الرأي العام وعقابهم على الجرم المستمر الذي يرتكبونه في حق الحركة وتاريخها ونضاليتها وسمعتها وهي تمثل بالتالي السبيل الوحيد الكفيل كذلك بتبرئتها من كل ما ينسب لها زورا وبهتانا.
ولكن ويا لطول الانتظار ويا لخيبة المسعى، لم تتجرأ الحركة إلى حد ّ اليوم على فعل شيء من ذلك ويعتقد كثيرون من المتابعين للملف عن قرب، بأن الحركة لن تتجرأ مطلقا على تقديم أية دعوى قضائية للقصاص من هيئة الدفاع عن الشهيدين وذلك لعاملين رئيسيين على الأقل:
يتمثل الأول في أن الجهاز السري بات حقيقة ملموسة ولا يمكن للحركة تفنيد الأدلة على وجوده، نظرا للدرجة الكبيرة من الخطورة والحساسية التي أضحت تكتسيها القضية بعد تدخل مجلس الأمن القومي التابع لرئاسة الجمهورية وتعهده بالملف.
كذلك يمثل توجه رئيس الجمهورية نحو الحرب الشاملة مع الحركة بعد يأسه المعلن منها وإقراره بفضها التحالف معه بسعي منها عاملا إضافيا قد يساعد على كشف الحقيقة. إذ تدل على ذلك تصريحاته النارية عند افتتاحه اجتماع مجلس الأمن القومي وهي تصريحات أكدت حقيقة وجود الجهاز السري ومدى انكشاف أمره على المستوى الداخلي والعالمي . ويبدو أن ملفا متينا قدمته هيئة الدفاع لرئيس الجمهورية يروج أن جميع الأدلة التي تضمنها تورط الحركة وأن ما لم يتم كشفه بعدُ يعدّ أشد خطورة وتأثيرا على مستقبلها وكذلك على مستقبل العلاقات والتوازنات داخلها.
ومما يزيد الطين بلة ويضعف من موقفها أن حركة النهضة لا تعلم في الحقيقة الشيء الكثير عمّا سيتم كشفه في المستقبل القريب من قبل هيئة الدفاع، كما أنها تتوجس شرا من الأبحاث والتحقيقات التي سيجريها مجلس الأمن القومي بالتعاون مع مختلف المصالح الأمنية والعسكرية التي من المفترض أنه سيتم اختيارها بعناية شديدة تكفل لها السرية المطلقة.
تتمتع الحركة بدعم رئيس الحكومة وكتلته الجديدة كتلة ”الإئتلاف الوطني“ التي انقلبت مواقف عناصرها من معاداة بدائية لها إلى الدفاع عنها وإلى الصمت المتواطئ على كل ما تم كشفه من قبل هيئة الدفاع. ولكنها تخشى انقلاب يوسف الشاهد عليها وغدره وكشفه مزيدا من المعطيات متى توصل إلى تفاهم مفاجئ مع رئيس الجمهورية الذي استرجع المبادرة وسحب منه البساط على ما يبدو بالقفز على الفرصة الذهبية التي أتاحتها له هذه القضية الخطيرة بعد أن خال البعض متسرعا بأنه دفن وهو على قيد الحياة.
أما العامل الثاني التي سيجعل الحركة لا تقدم مستقبلا على تقديم أية دعوى قضائية في حق هيئة الدفاع فيستوجب بعض التوضيح.
إذ علينا أن نعلم أنه لا وجود إطلاقا وخلافا لما تحاول الحركة ترويجه وترسيخه بالأذهان في مختلف تصريحات قادتها الإعلامية لأية قضية عدلية ومهما كان نوعها مفتوحة ومنشورة أمام القضاء تبحث في قضية ”الجهاز السري“.
ويبدو وأن حركة النهضة وحسب ما تعلنه هيئة الدفاع تمكنت من إحكام الطوق حول جميع المنافذ القضائية أمام الهيئة لبسط تظلمها، إذ ترفض النيابة العمومية النظر في مختلف المطالب التي تقدمها أو ترفض الفصل فيها متى قبلتها. يمنع ذلك هيئة الدفاع من القيام على المسؤولية الخاصة طالما لم يتم البت في أي من الشكايات المقدمة ولو بالرفض.
وتجدر الإشارة إلى أن حاكم التحقيق في قضية الشهيد البراهمي وعلاوة على عدم اختصاصه فيما يتجاوز ذلك الملف، فإنه لا يستطيع أن يفعل الكثير في ملف الجهاز السري رغم حجزه محتويات الغرفة السوداء بمقر وزارة الداخلية.
بناء على ما تقدم فإنه من الواضح أن حركة النهضة مرتاحة تماما إلى أن القضاء لن يفعل شيئا ذي بال فيما يتعلق بالجهاز السري طالما أن فترة تحكمها في وزارة العدل مكنتها من السيطرة على كامل المنظومة تقريبا وهي التي توفر لها اليوم حماية منقطعة النظير.
وهي بذلك تتمسك بكل براءة بالدعوة المتواصلة باللجوء إلى القضاء وترفض في نفس الوقت التشكي لديه لإثبات تهافت مزاعم من يتهمها بسبب عامل ثان رئيسي ومهم جدا.
إن من شأن رفع حركة النهضة لأية شكاية جزائية ضد أعضاء هيئة الدفاع فتح ثغرة خطيرة جدا في جدار الصمت السميك ذاك و الذي شيدته الحركة زمن توليها السلطة حول القضاء للدفاع عن نفسها من أية مساءلة محتملة ناتجة عن تجاوزاتها التي لا تحصى ولا تعد.
إذ سيسمح تعهد القضاء بشكاية جزائية مقدمة من الحركة بفتح ملف الجهاز السري رسميا بناء على طلب الطرف الثاني في القضية الذي لن يفوت تلك الفرصة. وسيمكن ذلك هيئة الدفاع بالتالي من تقديم الحجج والأدلة التي بحوزتها ومنعت من عرضها أمام القضاء وبمبادرة وسعي من الحركة.
لذلك، فمن المستبعد جدا أن تخاطر الحركة برفع قضية ستتسبب لها في مشاكل وملاحقات لا يعلم مداها ولا نتائجها. وهي ستكتفي بالتحرش الإعلامي بهيئة الدفاع وبكل من يعتقدون بضرورة فتح الملف والفصل فيه من قبل القضاء إنقاذا لمسار الانتقال الديمقراطي.
ولا يمكن اليوم لأي عاقل تخيل المواصلة فيه طويلا بحزب سياسي يشتبه في أنه يمثل تهديدا جسيما لأمن التونسيين واستقرار وطنهم، إذ يتهم بامتلاك مليشيات مسلحة وأذرع للتجسس ومخازن سلاح وآلاف من العائدين من مناطق الحروب ممن تم إرسالهم عن طريق بعض شبكاته.
يبدو أن خيارات الحركة محدودة جدا حاليا وهامش المناورة لديها ما ينفك يضيق. يمكنها طبعا عدم التعاون مع التحقيقات وعدم إبراز حسن نيتها ومواصلة اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام بالنفي والإنكار. كما يمكنها اعتمادا استراتيجية تشتيت الانتباه وكسب التعاطف الشعبي وتحويل نظره عن ذلك الملف الحارق باستجداء انتباهه لأهمية مسائل كفقدان الحليب والدواء والبطالة والتفاوت الجهوي ومستقبله الغامض ومصيره المجهول وغيرها من المواضيع التي لا تهم التونسيين في وضع كهذا، بقدر اهتمامهم بأمنهم وسلامتهم ومستقبل وطنهم.
قد تفعل الحركة ذلك إلى حين، إلى أن تتمكن من الوصول كما ترجو إلى صيغة تتوافق فيها مع رئيس الجمهورية مجددا لتنقذ رأس زعيمها مما يتهدده جديا في المرحلة الحالية، وإلا فلا مناص لها من التضحية به وببعض العناصر الأخرى لتنقذ وجودها في هذا الليل الطويل.
شارك رأيك