تنطلق العروض التجارية لفيلم ” لقشة من الدنيا ” إبتداء من يوم الأربعاء 05 ديسمبر 2018 في سبع قاعات تونسية: الريو، أبي سي، البرناص ، سينيفوغ بالكرم، مدار بقرطاج، أميلكار بالمنار وسيني ستار بالمنستير
في عرض خاص بالصحفيين مساء الإثنين 03 ديسمبر 2018 بقاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة، شكرالمخرج نصر الدين السهيلي الجمهور والإعلاميين على دعمهم للفيلم ، وقد ” سبق لهم أن أنقذوا “الشاق واق” وهاهم ينقذون ” لقشة من الدنيا ” .
لقشة من الدنيا” هو أول فيلم وثائقي طويل للمخرج “نصر الدين السهيلي” الذي بدأ حياته ممثلا في المسرح والتلفزيون، قبل أن يأخذه الإخراج في فيلمين قصيرين “الشاوق واق” و”بوتليس” وفيلم روائي طويل “مر وصبر” .
قضى “نصر الدين السهيلي” أربع سنوات كاملة في تصوير “لقشة من الدنيا” وهذا ما أمكنه من بناء فيلم ” ممتع في جمالياته البصرية، مربك في مضمونه ” حيث صار الجميع عائلة واحدة : سقطت الكلفة و” حرف الياجور ” كما يقال ، ولم تعد هناك علاقة مخرج بموضوع . كيف يمكنك أن تبدع بشخصيات ثلاث (رزوقة وفانتا أساسا وصديقهما ناقة) على مدى أكثر من ساعة ونصف الساعة ؟
نصر الدين السهيلي قال إن ” الحكاية موجودة أنا فقط نفضت الغبارعنها ، أنا مجرد نحات، الفضل للمونتاج الذي لم يترك إلا الزوايا التي أردنا الإشتغال عليها ،لأنه ليس بالإمكان أن نقول كل شيء في الفيلم “.
المخرج نصر الدّين السهيلي شارك بفيلم “لقشة من الدنيا” في أيام قرطاج السينمائيّة،ولم يحصل على أية جائزة لكن الجمهور توجه لأن” لقشة من الدنيا ” الذي غاص في العوالم السفليّة ليوثّق جزءً من الواقع المسكوت عنه، كان أكبر من ان تستوعبه جائزة أو تفيه حقه.
تخلص ” رزوقة ” من الإدمان وحاول مساعدة لطفي ” فانتا” في التخلص من إدمانه ، يصطحبه إلى الطبيب . يتخلى ” رزوقة ” عن لطفي، لكن سرعان ما يعود لاحتضانه حين يكتشف الطبيب إصابة لطفي بالتهاب الكبد الفيروسي . عادت العلاقة رغم ما فيها من حضور عنيف ل ” رزوقة ” الذي يبدي شعورا ملتبسا ومتناقضا تجاه ” فانتا ” حين يدلكه في الحمام بعطف وحنان أو حين يشرف على علاجه.
يتخلل رحلة العلاج شجار بين الصديقين بل قل الحبيبين لأن العلاقة التي تربط بينهما هي من العمق والتعقيد ما يجعلها علاقة فريدة : قصة حب تتجاوز في أبعادهاالمثلية الجنسية، علاقة تخترقهاالرومانسية وتشقها المخدّرات والعنف .إن ما يربط ” رزوقة ” و” فانتا ” علاقة ممزقّة يختلط فيها الإدمان بالمخدّرات والقسوة واللطف أحيانا ، ألم يدع ” فانتا ” ” رزوقة ” بـ ” بابا ” و ” حبيبي ” ؟
تنتهي الرحلة حين يبدأ ” فانتا ” في جمع أشيائه وهو يبحث عن المخدر الذي أخفاه عنه ” رزوقة “حتى لا يعود إلى الإدمان ، وسط تحريض من خلان آخرين يطلبون من ” رزوقة ” أن يلفظه ، كي لا يصير عالة عليه ،لأنه لم يعد يليق به . ينتهي الفيلم بتبول ” فانتا ” وإصراره على البحث عن الداء والدواء .
” لقشة من الدنيا ” أو ” سوبيتاكس ” ليس فيلما عن الحياة الحميمية للمثليين ، ولا هو رواية تحكي صفحات من مغامرات المنحرفين ، لقشة من الدنيا” صرخة مكتومة ،صيغت بمشرط نحات إسمه نصر الدين السهيلي، ألم يشبه نفسه بالنحات في هذا الفيلم ؟ ألم يستعمل الكاميرا كما تستعمل الإبرة وهي تغرس في الأوردة تضخ ” السيبيتكس ” فينا منبهة لا مخدرة ؟ .
حاول نصر الدين السهيلي إيهامنا أنه مجرد ناقل/ ” مغربل ” ، وأنه لم يتدخل في الأحداث بل ترك لشخصياته حرية مطلقة في التصرف على هواها وبتلقائية .
صحيح هو لم يكن واعظا ولم يقدم أي خطاب أخلاقي ولم يتعاطف مع ” رزوقة ” ولا مع ” فانتا ” ، ظاهريا ،لكنه كان يلعب أشد الأدواردهاء ومكرا وتخفيا .
لم يكن محايدا ، كانت كل الأوراق بيديه وهو يمارس تقيته وراء المونتاج ، كان يحرضنا على التعاطف مع ضحاياه ،رفض أن يكون شاهد زور، كان يصرخ : هذه هي تونس الأعماق ، هنا يسحق الإنسان، هنا المدينة العتيقة لا شاشية ولا بقلاوة ولا كعك ورقة ، هنا شرايين البلد وشرايين سدت ب ” السيبيتاكس ” ، غير بعيد عن قصر الحكومة . هنا يموت الإنسان خلسة .
الفيلم لم يطرح على نفسه دراسة الشخصيات ولا التدرج للكشف عن أصولها أو النبش في ماضيها ، كان مباشرا، تركنا نواجه أبطاله / أبطالنا ولا خيار أمامنا سوى التعاطف معها . لم تكن الأماكن كثيرة ولا فضاءات التصوير مع فئات ليلية ترفض مخالطة الآخرين مكتفية بعالمها الذي هو كل العالم .
” لقشة من الدنيا ” هو لقشة من تونس المنسية ، من عذابات هي عارنا ، هي إجرام الساسة ونفاق المدينة الزائف .
شكري الباصومي
شارك رأيك