لا فائدة من الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في بلادٍ لا تحترم أبسط حقوق مواطنيها في حياة جنسية حرّة، لا دخل لأحد فيها، كالحق في المثلية للبعض من أبناء شعبها حسب مقتضيات دستور البلاد، ومنه خاصة الفصل 21 الذي يُسوّي بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
بقلم فرحات عثمان *
تحتفل تونس كبقية بلاد العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان بينما لا يزال الإنسان بها مداسا، لا بالنسبة لحقوقه فقط، في الوقت الذي يقوم البعض باسم هذه الحقوق بالمناورة لأجل المزيد من الامتيازات والتعويضات.
ضرورة العدل لكل الناس:
فهذا الحزب الحاكم، الذي يدّعي المرجعية الإسلامية، يواصل المنارة للمزيد من الامتيازات، ولمّا يستحي بعد للاكتفاء بما حصل عليه من تعويضات سخية، إضافة لليد الطولى التي له في الحكم، بينما لا يزال الحق مرفوضا لأهل الحق، خاصة من لم يفعل الأفاعيل مثل الذين يستبيحون اليوم خزينة بلادٍ شعبها في أفظع حالات الفقر المدقع.
إنّما الأدهى أن هؤلاء لا يستحيون من فعل ما يشاؤون باسم الشعب، وهو من جرمهم السابق بريء، إذ لم يناضلوا من أجله، بل من أجل أفكارهم في كراهة الآخر المختلف؛ وها هي التعويضات السخية تؤكد ذلك، بما أنها تُصرف لهم على حسب الأغلبية التي هي في فقر مدقع، ليس لها فقط ما تعيش به، بل وأىضا لا تمتلك أبسط الحقوق ولا أوكد الحريات في حياتها الخصوصية.
ولا شك أن الحقوق في حياة خاصة حرّة هي من هذه الحقوق الثابتة؛ فهلاّ طالبت بها الجمعيات في نطاق احتفالاتها باليوم العالمي لحقوق الإنسان؟ أليس هذا أفضل من الاكتفاء بتظاهرات لا خير فيها، إذ لا نتيجة منها إلا التغطية على الجرائم الفظيعة التي تُرتكب في نفس الوقت في خرقٍ صارخ لأبسط حقوق الإنسان؟ من هذه الحقوق الحق في الجنس الحر للبالغين، بما فيهم المثليين، إذ ما حرّم الإسلام الطبيعة التي وضعها الله في بعض البشر؛ فهو يفعل ما يشاء! بأيّ حق إذن للمخلوق مخالفة مشيئة ربّه؟
المثلية طبيعة في بعض البشر :
إن تجريم المثلية من مخلّفات فترة الاحتلال، إذ لا تجريم ولا تحريم لما يُسمّي لواطا في الإسلام بخلاف ما وقع في اليهودية والمسيحية؛ فالإسلام دين العدل، ومن العدل الاعتراف بجيمع أنواع الجنس التي خلقها الله في بشره، حتّى الشاذة منها.
ولا شك أن الجنس الثنائي bisexualité هو الأعمّ في الطبيعة، وهو صفة الجنس العربي؛ لذلك لم يحرّمه الدين، إذ لا حكم في الغرض في القرآن، ولا في السنّة الصحيحة، أي ما وقع في البخاري ومسلم؛ أمّا ما ليس في أصحّ الصحاح، فلا يُعتد به. كذلك الحال بالنسبة لما رسب في قوانين بلاد الإسلام، وهي من مخلّفات الاحتلال من تعليمات يهودية مسيحية.
لهذا، حان الوقت لإبطال الفصل 230 جنائي الذي يحرّم العلاقات المثلية، لا فقط باسم حقوق الإنسان، بل وأيضا باسم القراءة الصحيحة للإسلام المحترم للحقوق كل الاحترام.
لقد راسلت في الغرض سابقا مجلس نواب الشعب وذلك منذ سنة 2015، دون جدوى؛ وهذه مناسبة للتذكير برسالتي،* إذ الذكرى تنفع المؤمنين، مع إيراد نص مشروع القانون العادل والمنصف للناس وللدين الذي عرضته على المجلس في تلك المناسبة وذكّرت به مرارا، وأذكّر بنصه في ما يلي إحقاقًا للحق ونصرةً للدين الصحيح الذي يشوّهه أهله قبل أعداؤه.
مع العلم أن هناك حاليا بعض المساعى بمجلس نواب الشعب للتمويه في القضية، وذلك بالاكتفاء بإبطال الفحص الشرجي المستعمل من طرف السلط لإثبات المثلية؛ فليس هذا المقترح إلا من باب المغالطة، لأن نتيجته العملية هي إثبات الفصل 230 المخزي بالقانون. فهلاّ تمّ توجيه المشروع لمصالح رئاسة الحكومة لإبطال الفحص الشرجي بأمر وزاري أو حتى بمنشور يمنع هذا الإجراء المخالف للدستور ولأبسط حقوق الإنسان؟ وهلاّ تم السعي في نفس الوقت بالبرلمان لإبطال الفصل 230 حتى لا تجد الدولة التونسية نفسها مسؤولة دوليا في خنق أبسط حريات شعبها؟
مشروع قانون في إبطال تجريم المثلية
فصل وحيد
حيث أن كراهة المثلية مخالفة لحقوق الإنسان في حياة مجتمعية آمنة، وهي أساس الديمقراطية؛
وحيث أن التوجه الجنسي للبشر من حياتهم الخصوصية التي تضمن حريتها دولة القانون والإسلام؛
وحيث أن الفصل 230 من القانون الجنائي يخرق الإسلام وينتهك تسامحه، إذ لا كراهة فيه للمثلية لاحترامه لحرمة الحياة الخاصة للمؤمن وضمانه التام لها؛
فإن مجلس نواب الشعب يقرر ما يلي :
نظرا لأن الحياة الخصوصية محترمة ومضمونة دستوريا بالجمهورية التونسية، لذا، أُبطل الفصل 230 من القانون الجنائى.
* رسالتي لمجلس نواب الشعب بخصوص مشروع قانون في إبطال تجريم المثلية.
شارك رأيك