يعتبر الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي من أكثر المثقفين إثارة للجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية الفرنسية والعالمية. فهو”أمير الفراغ” على حد تعبير أحد الفلاسفة، وهو عراب الثورات العربية. كما وصفه البعض بأنه لورانس العرب الجديد وعميل للاستخبارات… الإسرائيلية، فكل تحركاته وكتاباته تصب في خانة الدفاع عن إسرائيل وتفتيت أعدائها.
بقلم عمّـار قــردود
ليفي الذي كان يتباكى عن الشعوب العربية المضطهدة والمحرومة من الحرية والديمقراطية، ها هو يتباكى اليوم على ما آلت إليه الأوضاع في فرنسا لكن ليس بسبب غلاء المعيشة وإرتفاع المحروقات ونصرة لأصحاب “السترات الصفراء” يتباكى نصرة للحكومة الفرنسية!
فقد وجه ليفي انتقادات شديدة لأصحاب “السترات الصفراء”، مُشبهًا إياهم بأصحاب “القمصان السوداء” في إيطاليا الفاشية ثلاثينيات القرن الماضي. وتباكى ليفي، الذي يعرف بأنه “عرّاب الربيع العربي”، على سقوط ضحايا ووقوع أضرار مادية ببعض المعالم الشهيرة في باريس جراء الاحتجاجات.
ودعا الفيلسوف المعروف بحماسته الشديدة للثورات العنيفة وخاصة في ليبيا وسوريا، أصحاب “السترات الصفراء” إلى أن يكونوا مستعدين لمساعدة الشرطة الفرنسية خلال الإحتجاجات وذلك “للقبض على ذوي السترات السوداء المندسين بينهم”.
وذكر ليفي في مقالة نشرت في صحيفة “لوبوان” في معرض حديثة عن الاحتجاجات السابقو والمقبلة: “ليس هناك شك في أن اللصوص من اليمين المتطرف واليسار المتطرف سيظهرون مرة أخرى بتخريبهم وإرهابهم وتدنيسهم”.
وطالب الفيلسوف الفرنسي حركة “السترات الصفراء” أن تتحلى بشجاعة كافية، وتعلن عن توقف الاحتجاجات بشكل مؤقت وذلك لتعيد تنظيم صفوفها وتبعد المتطرفين.
ورأى ليفي، الذي كان حاضرا على أرض الميدان في ليبيا أثناء أحداث عام 2011 الدامية، ولم يجد أي حرج في وجود “أصحاب الرايات السوداء” بين صفوف المتمردين على القذافي، أن حركة السترات الصفراء إذا سمحت “للكراهية المتحمسة أن تتفوق على الأخوة الحقيقية، وإن هي اختارت التدمير لا الإصلاح، فلن تجلب إلا الفوضى”.
وشدد هذا الفيلسوف “الثوري” بحسب الظروف على أن أصحاب “السترات الصفراء”، إذا لم يأخذوا بنصائحه سينتهي بهم المطاف إلى “مزبلة التاريخ”.
برنار هنري ليفي مع المقاتلين في كردستان العراق.
التونسيون أول من كشف حقيقته و طردوه من تونس بعد محاولته تبنيه ثورة الياسمين
على عكس الظهور الهادئ في ميدان التحرير بمصر سنة 2011، أو الترحيب الكبير بوجوده في ميادين القتال الحربي في ليبيا، خرج آلاف التونسيين في الشوارع منددين بزيارته لبلادهم في 1 نوفمبر 2014، في فترة كانت البلاد منشغلة بالانتخابات التشريعية والرئاسية، ما اضطر أمن مطار قرطاج الدولي إلى إخراجه من الباب الخلفي، ثم ترحيله من الأراضي التونسية في اليوم التالي.
وأصدر الرئيس التونسي آنذاك محمد المنصف المرزوقي بياناً جاء فيه أن “ما تم ترويجه عن دعوة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي للسيد برنار هنري ليفي لزيارة تونس لا أساس له من الصحة مطلقاً”.
وقال مستشار المرزوقي للعلاقات الدولية أنور الغربي إن “مَن وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم غزة لا يمكنه أن يضع يده في يد رجل صهيوني”.
وأصدرت الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية بياناً ندد بالزيارة. ومما جاء في البيان: “يعلم الجميع أن وجوده يعني أن مصيبة ما ستحدث بالبلد، فمن وجه له الدعوة؟ وهل يعقل أن توجه الدعوة إلى إرهابي صهيوني خطير برز بمواقفه المعادية لأمتنا ولقضايانا الوطنية؟”.
ليفي… ذو الأوجه المتعددة…
لقبه فلاسفة فرنسيون كبار بـ”الخديعة الثقافية”، ولقبه بعض العرب بـ”عراب الثورات العربية”. إنه برنار هنري ليفي الذي يثير حضوره في كل مكان يحل فيه موجة عارمة من التساؤلات. مواقع التواصل الاجتماعي ضجت بأخباره وهو يتنقل من بلد إلى آخر دعمًا لما يتبناه من قضايا على حد قوله، لكن عندما وصل الأمر إلى فرنسا كان له رأيًا مُخالفًا لمبادئه الوهمية و المصطنعة.
ولد برنارهنري ليفي في 5 نوفمبر 1948 في مدينة بني صاف في شمال الجزائر ثم انتقل مع عائلته إلى فرنسا. درس ليفي الفلسفة وتخصص فيها. ويعد مفكرًا وفيلسوفًا وأكاديميًا ومنتجًا سينمائيًا. ذاع صيته حين كان مراسلاً حربيًا في بنغلاديش خلال حرب انفصالها عن باكستان عام 1971. ثم حين دعا إلى تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يوغسلافيا السابقة.
وفي عام 2006 وقّع بيانا مع 11 مثقفا (بينهم سلمان رشدي) بعنوان: “معا لمواجهة الشمولية الجديدة“، ردا على المظاهرات الشعبية التي اجتاحت العالم الإسلامي احتجاجا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى الرسول محمد صلى الله عليم وسلم والتي نشرتها آنذاك صحيفة دانماركية.
وأصبح ليفي نجم وسائل الإعلام خلال ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس مطلع عام 2011. يذكر أن ليفي زار عددًا من بلدان الربيع العربي مثل تونس وليبيا والتقى فيها بالشباب والمفكرين والسياسيين.
لم يكن ظهور ليفي الأول في ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير 2011، ولكن محطته الأولى كانت خلال الحرب الهندية – الباكستانية عام 1971، حين دعم عملية فصل بنغلادش عن باكستان، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل دعماً لها، وهو ما أفضت إليه الحرب.
ولاحقاً، كان من أبرز مثقفي الغرب الذين طالبوا بالتدخل السياسي والعسكري ضد الصرب لوقف المجازر في البوسنة، ثم أيد تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد صربيا لضمان استقلال إقليم كوسوفو عام 1999.
واعتبرت “نيويورك تايمز” في أبريل 2011 أن برنار هنري ليفي يُعدّ السبب الرئيسي في اعتراف باريس السريع بالثورة والمعارضة في ليبيا، بل والضغط على أمريكا للقيام بالمثل، وأشارت إلى أن ليفي كان ضابط اتصال بين الثوار من جهة والرئيس الفرنسي من جهة أخرى.
ووصفته “الغارديان” البريطانية في مارس 2011 بوزير الخارجية الثاني (B)، وكشفت أن اتصاله القوى بساركوزي وتحركه في ليبيا أغضبا وزير الخارجية الفرنسي آنذاك آلان جوبيه الذي اعتبر ذلك تدخلاً في صلاحيات منصبه.
وفي شريطه السينمائي “قسَم طبرق” الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي الفرنسي خلال ماي 2012، ذكر برنار ليفي أنه كان موجودًا في ميدان التحرير أثناء الثورة المصرية على نظام مبارك.
ألف كتبا كثيرة منها “بنغلاديش والقومية في الثورة” (صدر عام 1973)، و”البربرية بوجه إنساني” الذي ترجم إلى عدة لغات، و”الإيديولوجية الفرنسية” (1981)، و”من قتل دانييل بيرل؟” (2003) تحدث فيه عن جهوده لتعقب قتلة الصحفي الأميركي دانييل بيرل الذي قتلته القاعدة، و”يسار في أزمنة مظلمة: موقف ضد البربرية الجديدة” (2008) تكلم فيه عن “سقوط قـِيم اليسار”. و”الحرب دون أن نحبها: يوميات كاتب في قلب الربيع العربي” (الصادر أواخر عام 2011 ) وفيه يتحدث عما عاشه من يوميات أيام الإطاحة بمعمر القذافي.
و يُعد ليفي مليونيرًا، فقد وصلت ثروته عام 2004 إلى 150 مليون يورو، ويملك ثماني شركات بالإضافة إلى استثمارات ضخمة في البورصة، ما يؤهله للعب دور المليونير المغامر في مناطق الحروب الخطرة.
إنه ليفي “المنافق” الذي كلما حلّ بمكان ما أو بدولة ما حلّ بها الدمار والخراب فهو نذير شؤم و شر مستطير!
شارك رأيك