لم يعتقد الشارع الأردني بأن الدكتور الأنيق خريج جامعة هارفارد الأمريكية، رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز، يتبنى أراء كثيرة واردة في الأثر كالمقولة التي تصف الصحابي الجليل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: “إن ضرب أوجع وإن تكلم أسمع”. فقد بيّنت ليلة البارحة أن عُمَر ضرب فأوجع وتكلم فأسمع، وشتان بين العُمَرَين. الدكتور الأنيق لا يضرب إلّا بالهراوات.
بقلم أحمد سليمان العمري *
لقد أثبتت الحكومة الأردنية على رأسها رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز، الذي فرح به الشارع وغرّد بثقافته الغربية في تبني الحريّات، بأنّها لن تتخلى عن أسلوبها البوليسي القمعي مع اختلاف مسميّات الساسة وبمعزل عن ثقافتهم أو تحصيلهم الأكاديمي العالي.
هل كان احتواء الحكومة الأردنية في أحداث الرابع الأولى والثانية تملقاً للمواطن على أمل تخلّيه عن مطالبه؟ أم أن الأحداث الأخيرة ليلة 13 ديسمبر 2018 في الشميساني والدوار الرابع أكدّت على سياسة الدولة الشُرَطية؟ نلك الليلة الدامية التي مارستها قوات الدرك وقوات البادية على الاعتصام السلمي في المنطقة كانت أكبر دليل على همجية نظام الدولة الذي لطالما حاول إقناع المواطن والدول الأوروبية بحريّات مصطنعة لا تتجاوز الصَدْع.
استياء عام من قانون الضريبة الركيك
قرار الهراوات هو الأكثر جهلاً في هذه الظروف التي يحاول بها الأردن البقاء بعافية، وكأن الحكومة تعيش في العصور الوسطى ولا تعي حجم الوعي بين المواطنين وكم الاحتياج للحرّيات التي ترقى بهذا البلد الذي يعيش على “كف عفريت” أوليس من الحكمة أن تستجيب الدولة لمطالب الشعب وعلى رأسها إلغاء “التعديل الضريبي” الجائر؟
ألم يكن من الحكمة – هذا لو أن الدولة ليست شريكا أولا بمنظومة الفساد – أن تقنن من رواتب الوزراء والبرلمانين الفاشل جلّهم ورؤساء المؤسسات الكبيرة؟
أذكر في عام 2001م بعد الأزمة المالية في ألمانيا والتي سأستطرد في بعضها بأن الحكومة أقدمت على برنامج ليحمي البنوك من الإفلاس بشرط تخفيض رواتب مدراء البنوك بما يتناسب وسياسية التقشف.
هذا مثالاً يحتذى به للرقيّ والنهوض بالدولة، فهل أقدم القصر الأردني على فرض مثل هذا القرار على رجالات الدولة، كونه صاحب القرار الأخير؟
أحياناً كثيرة تثير امتعاضي تصريحات وزيرة الإعلام الأردنية الغنيمات، فتحفظ حق الحريات والمطالبات تارة وأخرى تعتبرها تجاوزاً على حد تعبيرها “القانون هو من يحدّد سقف الحرّية” هذا في ذات الوقت الذي تستثني فيه القانون والحكومة من ورائها بما يتعلق في قضايا الفساد من رجالات الدولة، والأكثر استياءً قانون الضريبة الركيك الذي لا يرتكز على بنية اقتصادية مدروسة بجميع جزئياته، ولقد بيّنتُ في إحدى مقالاتي “إفلاس أم فلسفة” بعضاً منها.
تدهور بورصة عمان في الأيام الماضية سببه نص القانون غير الواضح وغير المدروس بين ضريبة مضاربة “Speculation” أو ضريبة أرباح “Rendite” أو ضريبة الحصة “Dividende” أو أرباح الشركة الإجمالي أو أرباح المحفظة الاستثمارية على المدى البعيد، ممّا أدّى إلى ما يسمى بـ”المبيعات الوهمية” وهي التي لا تعتمد على نشاط الشركات الحقيقي، إنما بسبب ارتفاع أو انخفاض تداولي، وهذا الأخطر من نوعة، فالهبوط الحاد في المؤشر يتحكم به خوف المساهم مضارباً أو مستثمرا من استمرارية التدهور فيقدّم الخسارة الضئيلة في البيع حسب تقديره على الإفلاس، ويعود هذا النوع من التفكير بين المساهمين لقلة الدراية بالمؤشرات البورصوية وهي في العادة الأكثر خطورة كما كان الحال في أكثر من الدول التي تأثرت لذات السبب، فمثلاً انهيار السوق المالي في ألمانيا إثر أحداث 11/09/2001 في الـDax والذي وصل إلى ℅ 5 8,وتبعة Dow-Jones-Index بعد الافتتاح بهبوط ℅ 7 والأمثلة كثيرة حول هذا النوع من الانهيارات في المؤشرات العالمية مثل الاثنين الأسود في أمريكا سنة 1987م وأيضاً سنة 2000م في الكارثة التي سميّت Dotcom-Blase في مؤشر الـ Nasdaq الالكتروني التي انخفضت خلال عامين إلى ℅80 وفي اليابان سنة 1990م وكواروث الأسواق المالية ذات نفس السبب كثيرة، أي أن المبيعات الوهمية والتي كادت أن تودي باقتصاد دول برمتها هي أخطر أنواع لانخفاض، وهذا هو السبب الآن في تراجع مؤشر بورصة عمان.
انخفاض الإسثمار الخارجي في الأردن تجاوز الـ ℅50
نحن الآن لسنا بصدد تقديم تحليل اقتصادي، إنما التنويه للحكومة بما قد يجري جراء الخوف بين المستثمرين والمساهمين وخاصة من عامة الناس دون أي مرجعية اقتصادية أو معرفية في النشاط البورصوي والذي قد يكون أحد أهم الأسباب في تدهور البورصة، هذا مع انخفاض الإسثمار الخارجي في الأردن الملحوظ هذا العام والذي تجاوز الـ ℅50 حسب الجهات الرسمية الأردنية.
وأنا أعتقد بأن التخبّط الذي جرى في الأسابيع الأخيرة فيما يتعلق بـ”التعديل الضريبي” بين مجلس النواب والأعيان يعود لعدم دراسة لقانون بشكل صحيح وأيضاً الهروب من مواجهة الشارع الأردني الملتهب، حيث أن الإقرار الضريبي المتعلّق في الأوراق المالية بقى لأكثر من شهر متأرجحاً بين مجلس الأمة والبرلمان، أضافة إلى ذلك عدم تقديم شرح مفصّل حول الآليّة الضريبية والنِسَب في الصحف أو توجيه البنوك حسب نص القانون لمخاطبة كل من يملك ورقة مالية واحدة لتفادي حدوث المبيعات الوهمية.
وأود أن أنوه في هذا الباب أن المسؤولية حول إبلاغ قانون الضريبة المبرم أمام المساهمين تقع على البنوك، كونها الجهة المخوّلة ضريبياً حسب التداول والاتجار، فهي الشريك الثالث مع المساهم، لو سلّمنا أن البنوك في الأردن تتعامل بالعرف العالمي.
إذن ما هي الآلية القادمة التي ستستخدمها الحكومة مع الشارع الأردني المحترق في الداور الرابع؟ هل تعتقد الحكومة بأن الهراوات هي الحل؟
الشارع الآن مستعد لمواجهة قوات البادية والدرك كردة فعل سلبية جراء تصعيد تطاول الجهات الأمنية على المواطن الآمن، فهل الأردن تحتمل مواجهة مثل هذا النوع؟ أم أن المواجهة الأنسب والأقل ضرراً تحدي الفساد الذي آل إلى مؤسسيّ والخضوع لصراخ المواطن الجائع والأخذ بيده لبر الآمان بدل السجون؟
* محلل سياسي أردني وجامعي ب Heinrich-Heine-Universität Düsseldorf.
شارك رأيك