كشف الباحث الأمريكي البروفيسور مايكل شودوفسكي في دراسة له بعنوان “تونس وإملاءات صندوق النقد الدولي: كيف تسبّب سياسات صندوق النقد والبنك الدولي الفقر والبطالة في جميع أنحاء العالم” ضمن كتابه “عولمة الفقر” أن “الرئيس التونسي الأسبق بن علي لم يكن “ديكتاتورًا. الديكتاتور يقرّر ويملي. في حين كان بن علي موظفًا في خدمة المصالح الاقتصادية الغربية، دمية مخلصة تطيع الأوامر، بدعم فعال من المجتمع الدولي”.
بقلم عمّـار قـردود
يقول شودوفسكي في دراسة له قام بترجمتها من الإنجليزية إلى العربية حسين سرمك حسن: “لم يُذكر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية في تونس في تقارير وسائل الإعلام الغربية. وارتفاع أسعار المواد الغذائية الصارخ لم يكن يُملى من قبل حكومة إبن علي. لقد فُرض من قبل وول ستريت وصندوق النقد الدولي. كان دور حكومة بن علي هو فرض العلاج الإقتصادي القاتل لصندوق النقد الدولي، والذي عمل على مدى أكثر من عشرين عامًا على زعزعة استقرار الاقتصاد الوطني وإفقار الشعب التونسي”.
بن علي كان دمية مخلصة تطيع الأوامر خدمة لمصالح الدول الغربية!
و يعتقد شودوفسكي أن “العلاج الاقتصادي القاتل لصندوق النقد الدولي من أهم أسباب الانتفاضة التونسية” التي تحتفل بالذكرى الثامنة لإندلاعها هذه الأيام. وجاء في الدراسة المذكورة آنفًا : “تمّ تصوير زين العابدين بن علي، الرئيس البائد والمخلوع في تونس، كديكتاتور من قبل جوقة وسائل الإعلام الغربية التي تعزف على وتر واحد عادة. وقد وُصفت الحركة الإحتجاجية التونسية عرضًا بأنها نتيجة لنظام لا ديمقراطي وسلطوي، ويتحدى قواعد المجتمع الدولي. لكن إبن علي لم يكن ديكتاتورًا. الديكتاتور يقرّر ويملي. في حين كان بن علي موظفًا في خدمة المصالح الاقتصادية الغربية، دمية مخلصة تطيع الأوامر، بدعم فعال من المجتمع الدولي”.
كما أشارت الدراسة إلى أن “بن علي كرئيس للدولة لم يُقرر أي شيء في الجانب الاقتصادي. لقد تخلى عن السيادة الوطنية. وفي عام 1987، في ذروة أزمة الديون، تم استبدال الحكومة القومية اليسارية للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بنظام جديد، ملتزم بشدة بإصلاحات السوق الحرة. كانت إدارة الإقتصاد الكلي في تونس تحت مظلة صندوق النقد الدولي في أيدي الدائنين الخارجيين. وعلى مدى السنوات الـ 23 الماضية، تمّ فرض السياسة الاقتصادية والإجتماعية في تونس من قبل إجتماع واشنطن. بقى بن علي في السلطة لأن حكومته أطاعت ونفذت بصورة فعالة إملاءات صندوق النقد الدولي، في حين تخدم مصالح كل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي”.
و بحسب الباحث شودوفسكي فإن صندوق النقد الدولي خلق هذا النمط في عشرات البلدان. و كتب قائلا : “إن استمرارية الإصلاحات القاتلة لصندوق النقد الدولي تتطلب استبدال النظام، وتنصيب دُمية سياسية تضمن تنفيذ أجندة الليبرالية الجديدة بينما توفر أيضا الظروف في نهاية المطاف لإزالة حكومة فاسدة لا تحظى بشعبية والتي كانت تستفيد من إفقار شعب بأكمله. الحركة الاحتجاجية كانت لها شعبية عظيمة ولكن أجندة واشنطن وبروكسل هي خلق الفوضى والمجىء بحكومة عميلة”.
ووفقًا لتحليل الباحث الأمريكي “لم يكن وول ستريت والمؤسسات المالية الدولية في واشنطن (صندوق النقد والبنك الدولي) هي الهدف المباشر لحركة الاحتجاج في تونس (عام 2011). كانت الانتفاضة الاجتماعية موجّهة ضد الحكومة وليس ضد تدخل القوى الخارجية في إدارة السياسة الحكومية. في البداية، كانت الإحتجاجات ليست نتيجة لحركة سياسية منظمة موجهة ضد فرض الإصلاحات النيوليبرالية. وعلاوة على ذلك، كانت هناك دلائل تشير إلى أنه تم التلاعب بحركة الإحتجاج بهدف خلق الفوضى الاجتماعية فضلاً عن ضمان الاستمرارية السياسية. وهناك تقارير غير مؤكدة عن ميليشيات مسلحة كانت تقوم بأعمال قمع وترهيب في المناطق الحضرية الكبرى”.
والسؤال المهم هو كيف ستتطور الأزمة؟ وكيف سيتم التعامل مع مسألة التدخل الأجنبي الأوسع هذه من قبل الشعب التونسي؟ يجيب الباحث الأمريكي: “من وجهة نظر كل من واشنطن وبروكسل (مقر الإتحاد الأوروبي)، من المقرر استبدال النظام الاستبدادي الذي لا يحظى بالشعبية لتحل محله حكومة عميلة جديدة. ومن المزمع إجراء انتخابات تحت إشراف ما يسمى بـ “المجتمع الدولي” ، يتم فيها اختيار المرشحين والموافقة عليهم بصورة مسبقة. وفي عملية تغيير النظام هذه التي يجب القيام بها نيابة عن المصالح الأجنبية، فإن الحكومة بالوكالة يجب أن تعمل بشكل لا لبس فيه على ضمان استمرارية جدول أعمال السياسات الليبرالية الجديدة التي عملت على إفقار الشعب التونسي. الحكومة المؤقتة التي نُصّبت برئاسة الرئيس فؤاد المبزع وصلت إلى طريق مسدود، مع معارضة شرسة منبثقة عن الإتحاد العام التونسي للشغل. وَعَد المبزع بـ “قطيعة مع الماضي”، ولكن دون أن يحدّد ما إذا كانت هذه “القطيعة” سوف تشتمل على إلغاء الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي أوصلت الأوضاع إلى هذه الهاوية”.
انتفاضة الخبز في 1984 إختلقها صندوق النقد الدولي
مايكل شودوفسكي ذهب أبعد من ذلك عندما كشف أن انتفاضة الخبز في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في سنة 1984 كانت مختلقة من طرف صندوق النقد الدولي. وراح يفصّل موضحًا: “لقد قدمت وسائل الإعلام الغربية – وحتى العربية – وفي جوقة واحدة، الأزمة في تونس باعتبارها قضية تتعلق بالسياسة الداخلية، دون تبصّر بالخلفية التاريخية. وكان الإفتراض الأساسي هو أنه مع الإطاحة بـ”الدكتاتور” وتنصيب حكومة منتخبة فإن الأزمة الاجتماعية سوف تُحل بصورة تلقائية في نهاية المطاف. أول انتفاضات الخبز في تونس تعود إلى عام 1984. وكان الدافع وراء حركة الاحتجاج في جانفي 1984 هو زيادة بنسبة 100 في المئة في أسعار الخبز. كان هذا الارتفاع الهائل في أسعار الخبز مفروضًا من قبل صندوق النقد الدولي في إطار برنامج التكيف الهيكلي الذي أعدّه لتونس. وكان القضاء على الإعانات الغذائية المُقدّمة من الحكومة شرطًا أساسيًا من شروط اتفاقية القرض مع صندوق النقد الدولي.الرئيس الحبيب بورقيبة، الذي لعب دورًا تاريخيًا في تحرير بلاده من الاستعمار الفرنسي، أعلن حالة الطوارئ ردًا على أعمال الشغب. وفي حين بدأ إطلاق النار، وجابت الشرطة وقوات الجيش في سيارات من نوع جيب وناقلات الجند المدرعة شوارع العاصمة لقمع انتفاضة الخبز، فإن استعراض القوة نجح أخيرًا في تحقيق هدوء مشوب بالحذر، ولكن بعد مقتل أكثر من 50 شخصًا من المتظاهرين والمارة. ثم، وفي خطاب إذاعي وتلفزيوني درامي لمدة خمس دقائق، أعلن بورقيبة أنه ألغى رفع أسعار الخبز. (“تونس: بورقيبة يتيح لهم أكل الخبز” – صحيفة تايم ، جانفي 1984).وبعد تراجع الرئيس بورقيبة، انعكس الإرتفاع في أسعار الخبز. أقال بورقيبة وزير الداخلية ورفض الانصياع لمطالب إجتماع واشنطن التي حاول فرضها عليه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي”.
الإنقلاب على بورقيبة لتفكيك الهيكل السياسي القومي وخصخصة أصول الدولة التونسية
و في تحليله لأحداث ثورة الخبز في تونس خلص الباحث شودوفسكي إلى أن تداعياتها البعدية أفضت إلى وقوع إنقلاب أبيض غير دامي على الرئيس بورقيبة بعد 3 سنوات ولكن الهدف من ذلك هو لتفكيك الهيكل السياسي القومي وخصخصة أصول الدولة التونسية، حيث قال: “وعلى الرغم من ذلك تم فرض أجندة الليبرالية الجديدة، مما أدى إلى تفشي التضخم والبطالة الجماعية. وبعد ثلاث سنوات، تم إزالة بورقيبة وحكومته في انقلاب غير دموي، حيث نُصّب الجنرال زين العابدين بن علي رئيسًا للبلاد في نوفمبر 1987. هذا الإنقلاب لم يكن موجهًا ضد بورقيبة، بل كان المقصود به إلى حد كبير التفكيك النهائي لبنية الهيكل السياسي القومي الذي أُنشئ منذ منتصف الخمسينات، وفي نفس الوقت خصخصة أصول الدولة أيضا. لم يؤدِ الانقلاب العسكري إلى زوال الحركة القومية ما بعد الاستعمار في تونس والتي قادها بورقيبة فقط، بل ساهم أيضا في إضعاف دور فرنسا. أصبحت حكومة إبن علي موالية بحزم لواشنطن بدلاً من باريس. وبعد مضي بضعة أشهر فقط بعد تنصيب إبن علي رئيسًا للبلاد في نوفمبر 1987، تم التوقيع على اتفاق رئيسي مع صندوق النقد الدولي. كما تم التوصل إلى اتفاق مع بروكسل يتعلق بإنشاء نظام للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. وبدأ أيضا برنامج خصخصة ضخم تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومع تحوّل أجر الساعة الواحدة إلى 0.75 يورو/ساعة، أصبحت تونس أيضا مصدرًا للعمالة الرخيصة للإتحاد الأوروبي”.
إذا لم يكن بن علي… فمن هو الديكتاتور؟
يقول شودوفسكيز “يشير استعراض وثائق صندوق النقد الدولي إلى أن حكومة تونس، من تنصيب زين العابدين بن علي في عام 1987 وحتى الوقت الحاضر، التزمت بإخلاص بشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بما في ذلك تسريح العاملين في القطاع العام، والقضاء على الرقابة على أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، وتنفيذ برنامج الخصخصة الكاسح، ورفع الحواجز التجارية التي أمر بها البنك الدولي الأمر الذي أدّى إلى إثارة موجة من حالات الإفلاس. وبعد هذه الإضطرابات في الإقتصاد الوطني، أصبحت التحويلات النقدية من العمال التونسيين في الاتحاد الأوروبي وعلى نحو متزايد مصدرا هاما من عائدات النقد الأجنبي. هناك أكثر من 650 ألف تونسي يعيشون في الخارج. وكان مجموع تحويلات مجموع العمال التونسيين في عام 2010 هو 1.960 مليون دولار، أي بزيادة قدرها 57 في المئة قياسًا بعام 2003 . هذه الزيادة من عام 2003 إلى عام 2010 تعكس فرار الشباب التونسي من وطنهم بسبب الضائقة الاقتصادية التي رمى الصندوق والبنك بلادهم فيها. والأهم من ذلك أن حصة كبيرة من تحويلات العمال التونسيين تلك بالنقد الأجنبي سوف تُستخدم لخدمة الدين الخارجي للبلاد”.
خبراء البنك الدولي تعمدّوا تزوير الإحصائيات عن الفقر والبطالة في تونس
كما كشف البروفيسور شودوفسكي أنه من أكاذيب إختصاصيي البنك الدولي هي تزوير الإحصائيات عن الفقر والبطالة في تونس وقال موضحًا: “في حين أن الحركة الاحتجاجية في تونس هي نتيجة مباشرة واضحة وصارخة لعملية إفقار جماعية، يؤكد البنك الدولي، وبشكل غريب، على أن مستويات الفقر قد انخفضت نتيجة لإصلاحات السوق الحرة المعتمدة من قبل حكومة إبن علي . ووفقًا للتقرير القطري للبنك الدولي: ”كان للحكومة التونسية (بدعم من مؤسسات بريتون وودز الشيطانية : الصندوق والبنك) دور فعال في خفض مستويات الفقر إلى 7٪ “ (أقل بكثير من تلك التي سجلت في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي). ويواصل البنك أكاذيبه بالقول : ”حقّقت تونس تقدما ملحوظا في النمو العادل ومحاربة الفقر وتحقيق مؤشرات اجتماعية جيدة. لقد حقّقت متوسط معدل نمو هو 5 في المئة على مدى السنوات الـ 20 الماضية مع زيادة مطردة في نصيب الفرد من الدخل وزيادة مقابلة في رفاهية سكانها يؤكدها مستوى الفقر الذي هو 7٪ اوالذي هو من بين أدنى المعدلات في المنطقة“. وكانت الزيادة المطردة في نصيب الفرد من الدخل المُحرّك الرئيسي للحدّ من الفقر. كانت الطرق الريفية ذات أهمية خاصة في مساعدة فقراء الريف على الاتصال بالأسواق والخدمات الحضرية. حسّنت برامج الإسكان الظروف المعيشية للفقراء وحرّرت الدخل والإدخار للإنفاق على المواد الغذائية وغير الغذائية، مما يخلف آثارا إيجابية على التخفيف من حدة الفقر. دعم المواد الغذائية، الذي كان يستهدف الفقراء، وإن لم يكن على النحو الأمثل، ساعد أيضا الفقراء في المناطق الحضرية”. (البنك الدولي – تونس – موجز قطري). كل أرقام الفقر هذه، ناهيك عن التحليل الاقتصادي والاجتماعي الأساسي، هي افتراءات صريحة وأكاذيب مخزية. لقد اعتبروا ما يسمّونه بـالسوق الحرة كمحرك للتخفيف من حدة الفقر. واستخدم الإطار التحليلي للبنك الدولي لتبرير عملية القمع الاقتصادي، الذي تم تطبيقه في جميع أنحاء العالم في أكثر من 150 بلدًا ناميًا. مع وجود مجرد 7 في المائة من السكان الذين يعيشون في فقر (على النحو الذي يراه تقدير البنك الدولي) وكون 93 في المئة السكان يحصلون على الإحتياجات الأساسية المتمثلة بالغذاء والسكن والصحة والتعليم، لن تكون هناك أزمة اجتماعية في تونس، والشعب يعيش في بحبوحة ونعيم.على عكس أكاذيب البنك الدولي، هذه هي الحقيقة : الخراب والبطالة والفقر”.
شارك رأيك