اخر ظهور للهارب والمختفي سليم الرياحي اخر نوفمبر بملعب حديقة الأمراء بباريس لحضور مقابلة كرة قدم.
يبدو أن سمة “الصبيانية” هي الغالبة لدى عدد كبير ممّن نصّبوا أنفسهم “قادة سياسيين من ورق”، و”أوصياء غير أمناء” على الشعب التونسي في هذه المرحلة الإنتقالية التي طالت أكثر من اللازم بسببهم وتكاد تعصف بكل إنجازات البلاد ومكتسبات العباد. ومن هؤلاء “القادة” الذين ابتلي بهم الشعب التونسي المدعو سليم الرياحي المطلوب من القضاء في العديد من القضايا.
بقلم سنيا البرينصي
الأمين العام لحركة نداء تونس سليم الرياحي لم يفقد الأمل بعد في إيهام نفسه قبل الاخرين بوجود مخطط انقلاب مزعوم يقوده رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومدير الأمن الرئاسي وأطراف أخرى، في حين يثبت الواقع والوقائع أن هذه “التهيّئات العبقرية” لا توجد سوى في مخيّلة الرياحي التي تبيّن بالكاشف أنها لم تتخطّ بعد طور “المراهقة السياسية” التي من المفترض أن يكون الأمين العام الحالي للنداء والرئيس السابق للحزب الوطني الحر قد تجاوزها بمراحل، إلاّ أن واقع وواقعة الحال يثبتان العكس.
إصرار سليم الرياحي ال”المريب” و ذو الثروة الطائلة التي لا يعرف مصدرها على إيهام التونسيين ب “كذبة التخطيط للإنقلاب” يأتي من خلال تصريح إعلامي أدلى به المحامي محمد بن صميدة، أمس الثلاثاء 18 ديسمبر 2018، مفاده أن الرياحي قرّر رفع شكاية جديدة مرفوقة بمؤيدات وصفها ب “الكافية” لإعادة فتح بحث تحقيقي في ما عرف بقضية “الإنقلاب على نظام الحكم”، أو “التآمر على أمن الدولة الداخلي”، المتّهم فيها رئيس الحكومة يوسف الشاهد ومسؤول الأمن الرئاسي وشخصيات أخرى.
هذا الإعلان يأتي كذلك بالرغم من قرار وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية العسكرية الدائمة بتونس بتاريخ 10 ديسمبر الجاري، وعملا بمقتضيات الفصل 30 من مجلّة الإجراءات الجزائية، حفظ الشكاية.
سليم الرياحي الحاضر بالغياب
وأوضحت وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري، في بلاغ رسمي، أن قاضي التحقيق المتعهّد بالقضية “تولّى إستدعاء الشاكي سليم الرياحي للحضور لديه يوم 30 نوفمبر الفارط قصد سماعه في ما إدّعاه والإطلاع على مؤيّداته، إلا أن هذا الأخير تخلّف عن الحضور، متعلّلا بتواجده بالخارج لإرتباطات مهنية”.
وأكدت وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري أنه “سعيا لإستكمال الأبحاث ومعرفة الحقيقة، تمّ إعادة إستدعاء الشاكي يوم 6 ديسمبر الجاري، غير أنه تخلّف مجدّدا عن الحضور، متعلّلا بتعرّضه لوعكة صحية حسبما أفاد به محاميه، الذي أدلى بنسخة من أنموذج طلب إجراء تحاليل وفحص طبي في نفس اليوم صادرة عن مستشفى خاص بلندن بتاريخ 3 ديسمبر الجاري”.
وأضاف البلاغ أنه “أمام مغادرة الشاكي أرض الوطن وعدم حرصه على الحضور أمام القضاء للإدلاء بشهادته وتقديم مؤيداته في ما إدّعاه من وجود مخطط للإنقلاب ومن تآمر على أمن الدولة الداخلي، فقد قرّر وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية العسكرية الدائمة بتونس حفظ الشكاية، مع ما قد يستتبع ذلك من إجراءات قانونية”. و ما يستتبع ذلك معروف لدى الخاص والعام وهو اتهام سليم الرياحي بنشر أخبار زائفة من شأنها تعكير الجو العام في البلاد في إطار مماحكات سياسية حمقاء وبذيئة الغايات.
مهزلة: الرياحي يتمسّك برواية “الإنقلاب” ويتخلّف عن الإدلاء بشهادته؟
ولكن بالرغم من حفظ القضاء العسكري الملف يصرّ الرياحي المندمج حديثا في نداء تونس، وهو “المحمّل” بعبء العديد من القضايا التي تلاحقه، على إثارة قضية “الإنقلاب” المزعوم، وهي مسألة مضحكة شكلا ومضمونا أصبحت محلّ تندّر التونسيين نخبا وعامة، خاصة وأن هذا “الإنقلاب العظيم” تمّ التخطيط له في حفل ختان نجل أحد النواب، فهل في مثل هذه المناسبات وبهكذا شعبوية وبساطة يتمّ التخطيط لتنفيذ انقلابات دولة؟ يتساءل مراقبون.
المثير للسخرية في هذه المهزلة أن الرياحي تخلّف عن تقديم مؤيّداته حول الملف لدى القضاء العسكري في مناسبتين متتاليتين، كما أنه غادر البلاد قبل البتّ النهائي في القضية، وقد لا يعود، ولا يمكن أن يصدّق عاقل أن تخلّف سليم الرياحي عن الحضور للإدلاء بشهادته لدى القضاء العسكري، متعلّلا بتواجده خارج أرض الوطن تارة وطورا بمرضه “المفاجئ” مجرّد صدفة.
الرياحي الذي ربّما قد لا يعود إلى تونس مجدّدا أعلن كذلك إستعداده ل”كشف حسابات وممتلكات رئيس الحكومة بالخارج”، ولا نعرف سبب أو سرّ هذا “الحسّ التطوّعي” وجرعة “الوطنية المفاجئة” التي “ابتلي” بها الرياحي “الغيور” على المصلحة العليا للبلاد في “اخر أيامه” السياسية والحزبية، والحال أن الشاهد قد صرّح بمكاسبه ومصالحه لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وقد يكون من الأجدى بسليم الرياحي أن يسارع بمؤيداته قبل الإعلان الوشيك عن بعث المشروع السياسي ليوسف الشاهد فيحمي التونسيين نهائيا من “شر” هذا الرجل. فأين هذه المؤيدات أم أن سليم الرياحي ما يزال يبحث وينقب و يحقق؟
هل يستبق الرياحي مصيره؟
في هذا الصدد، أسئلة عديدة تطرح أبرزها هل أن الرياحي من خلال إثارة قضية “انقلاب” حفل “الختان” الشهير يسعى إلى حماية نفسه من مالات قضايا تلاحقه، وعلى رأسها قضية “الفساد المالي” التي رفعتها ضدّه هيئة النادي الإفريقي، والتي ربّما قد يسجن بسببها؟
هل افتعل الرياحي هذه القضية استباقا لما ينتظره من ملاحقات قضائية خطيرة قد تطاله مستقبلا ليظهر في مظهر “المضطهد” أو “المظلوم” من طرف الحكومة الحالية بما أنه رفع شكاية ضدّ رئيسها رأسا، وبالتالي يمكنه إثارة “مشاعر” بعض الجهات في الداخل والخارج. على شاكلة ما فعله بعض “الثورجوت” القادمين من وراء البحار الذين ابتلي بهم الوطن ذات نكسة 14 جانفي 2011، حينما عادوا إلينا على متن مراكب “الخيانات الوطنية” الكبرى، وفي ثوب “الفاتحين”، وبحقدهم الأعمى وبشعوبيتهم المقيتة خطوّا مسار خراب الوطن وضياع مستقبل أجياله الحالية والمقبلة ؟
أم أن الرياحي يعلم جيّدا أنه لن يعود من بلد إقامته أبدا، بمعنى أنه ربّما “فرّ” من البلاد، وفق ما أفادت به بعض المصادر (مع احترازنا على هذا المعطى لأنه يظلّ غير ثابت على الأقلّ حتى الان)، فقرّر التشويش “السياسي” لا غير للخروج بمظهر “البطل الدون كيشوتي” الذي يعلم مسبقا أنه يحارب “الأشباح”، أو أشياء غير موجودة سوى في مخيّلته، ومع ذلك هو يصرّ على إكمال مسار معركة وهمية لن تنتهي سوى بالفشل، أو “جنون” البطل.
هل يسعى الرياحي “الدون كيشوتي” من خلال إعادة إثارة قضية ما يعرف ب “التآمر على أمن الدولة الداخلي” إلى “التشكيك” في قرار القضاء العسكري حفظ القضية لعدم توفّر أدلّة كافية وثابتة، وهو لعمرنا مسعى جلل في حال ثبت ذلك؟
هل يهدف الرياحي الذي جاءنا على حين “غرّةّ”، وفي “غفلة” منّا جميعا كما أتانا غيره في عهد ما بعد “النكسة”، معلنا كغيره عن برامج إنتخابية طوباوية ووهمية لم يتحقّق أغلبها إن لم نقل جميعها، إلى إثارة بلبلة في البلاد وتهديد أمنها القومي من خلال إصراره “الغريب” على رواية “الإنقلاب المزعوم”؟
هل بجرّة قلم يمكن أن يتسبّب سياسي ظهر ب “محض الصدفة” وفق متابعين، ولا يمتلك أدنى “تاريخ نضالي”، أو”باع سياسي”، أو”مواقف وطنية” رائدة يمكن تسجيلها لصالحه، ومن خلال “شطحات” سياسية غير محسوبة العواقب في محاولة زعزعة الأمن العام بالبلاد بإعادة تحريك ملف خطير كملف “الإنقلاب”، خاصة بعد حسم القضاء العسكري في هذه القضية؟
لا جدال في أن الرياحي فشل فشلا ذريعا في المحافظة على حزبه الخاص، لاسيّما بقراره الإندماج والإرتماء في حضن نداء تونس، ليس حبّا في الندائيين قطعا وليس إيمانا ب “المبادئ الندائية المؤسسة”، بل الأغلب هو إندماج ل “غايات في نفس يعقوب” قد يعلمها التونسيون وقد لا يعلمونها…
لا جدال كذلك أن أغلب المواقف السياسية للرياحي كانت في أغلبها اعتباطية وتنمّ عن “قصر نظر لافت” و”إنعدام الحنكة” في قراءة تشعّبات المشهد السياسي ومالاته المنتظرة، سواء في عهد حكومة الحبيب الصيد، أو بعدها، وكذلك الأمر بالنسبة لمواقفه بعد الإندماج في حركة نداء تونس الذي لن يحققّ أيّ إضافة للندائيين في كل الأحوال.
لا جدال كذلك في أن الرياحي فشلا فشلا ذريعا في إدارة شؤون النادي الإفريقي، بدليل النتائج الكارثية التي حقّقها الفريق خلال عهدته، وهو ما لن تغفره له جماهير النادي ولا قياداته التاريخية المؤسسة.
الرياحي واللعب بنار قد تحرقه
سليم الرياحي ومحاولة “اللعب بالنار” قد تكلّفه غاليا من الجانب القضائي، خاصة بعد تنصيص بلاغ الإدارة العامة للقضاء العسكري على أن حفظ القضية قد تستتبعه إجراءات قانونية … ضدّ الشاكي، طبعا دون نسيان القضايا الأخرى المرفوعة ضدّه.
كما أن نداء تونس يمكنه قانونيا عزل الرياحي من منصب الأمانة العامة في حال لم يعد إلى أرض الوطن، وبالتالي تصبح ضريبة شكاية “الإيهام” بوجود مخطط ل “الإنقلاب” على نظام الحكم مكلّفة جدّا قد يدفع الرياحي ثمنها غاليا.
الرياحي المتواجد حاليا بلندن والمتخلّف عن الإدلاء بشهادته حول الملف لدى القضاء العسكري في مناسبتين متتاليتين أعلن إذن عن طريق أحد محاميه تقديم شكاية ثانية ب”مؤيّدات كافية” بخصوص قضية “الإنقلاب”، وهو بذلك يحاول أن يكسب مزيدا من الوقت في انتظار ابتكار خرافة أخرى يلهي بها القضاء و يعكر بها المناخ السياسي الذي لا يتحمل مزيدا من التعكير، لكن هل يحضر هذه المرّة للإدلاء بشهادته إذا وافق القضاء العسكري طبعا على قبول الشكاية شكلا وأصلا؟ والأكيد أنه سيقبلها حتى يجبر الرياحي على الخروج من جحره اللندني، أم تراه سيتخلّف كالعادة ليكتفي بإرسال وثيقة طبية من أحد مستشفيات لندن لتبرير تغيّبه، الأمر الذي قد يكون بمثابة إعلان عدم إمكانية عودته إلى البلاد مستقبلا. والبلاد لن تخسر بغيابه النهائي شيئا يذكر.
في إنتظار ما سوف تبوء به تطوّرات هذه القضية وجب التذكير بما جاء في التصريح الإعلامي الصادر مؤخرا على لسان الناطق الرسمي بإسم الإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، أنيس المقعدي، والذي مفاده أن “التفاهات التي قام بها الرياحي لا تستحقّ الردّ أصلا”.
ومع ذلك، فإن هذه “التفاهات التي قام بها الرياحي والتي لا تستحقّ الردّ أصلا” وفق ما جاء على لسان المقعدي استوجبت رفع قضية ضدّه من طرف نقابة أعوان وإطارات الأمن الرئاسي والشخصيات الرسمية بتهمة “الإدّعاء بالباطل والإيهام بجريمة ونسبة أمور غير صحيحة لموظّف عمومي قد تصل عقوبتها إلى 10 سنوات سجنا”.
في العموم، يبدو أن الرياحي يجلس “على صفيح ساخن” خلال هذه الفترة، وذلك في حال قبل القضاء العسكري إعادة فتح الملف أو لم يقبل، ففي الحالتين يظّل الرياحي مجبرا على تحمّل مسؤوليته القانونية الكاملة في إثبات صحّة إدّعائه من عدمه.
وكل “إنقلاب” وتونس بخير… يسخر بمرارة متابعون.
شارك رأيك