لقد فتح الانتقال الديمقراطي مجال التنافس لبلوغ السلطة والمشاركة في الحكم والتأثير في صنع القرارات الوطنية والمحلية بسهولة نسبية ولكن الهام أنه فتحها وجعل إمكانية التداول على الحكم أمرا ممكنا…
بقلم محمد فوزي معاوية
ولقد ساعدت على ذلك الإختيارات التى فرضتها ملابسات ” الثورة ” وموازين القوى المتواجدة والفاعلة منذ اندلاعها مما دفع إلى إقامة نظام “مفتوح” لمشاركة التعبيرات السياسية الأقلية في نطاق مسعى متميزا لتحقيق التوافق والحوار وهو ما فسح المجال لاتساع نطاق تأثير أطراف متعددة من مواقع مختلفة ومصالح متنوعة في صنع القرار الوطني والمحلي في المستوى التشريعي والتنفيذي إن كانوا داخل السلطة أو خارجها.
إنحرافات من داخل السلطة ومن خارجها
والهام في اعتقادنا أن ذلك ولد انحرافات تراوحت بين الإستسهال في مسعى اتسع نطاقه لبلوغ السلطة أو التمسك بها باستخدام الأساليب القديمة الراسخة لدى عدد لا يستهان به من الفاعلين السياسيين والإجتماعيين والقائمة على توظيف مؤسسات الدولة في خرق واضح للقوانين والأخلاقيات لضمان الإحتكار والإستمرار، وبين الطموحات الجامحة والمستجدة للوافدين الجدد على العمل السياسي بلهفة خرجت عن العقلانية والمعقولية وعن دائرة موازين القوى الفعلية وهي التي بلغت أحيانا بعدا كاريكاتوريا لأناءات زعامتية بلغت حد الانتفاخ والتورم.
لذلك أصبحنا أمام توجهين متفاعلين لكنهما حاملين لتناقضات ما فتئت تساهم في نشر الضبابية والحيرة لدى أوساط واسعة من المجتمع أصبحت فاقدة للثقة في السياسة والسياسيين وفي مختلف الفاعلين والمهتمين بالشأن العام.
الأحزاب و بلوغ السلطة من داخل السلطة
تعتقد أغلبية من داخل الأحزاب ومن خارجها وأن قوة الأحزاب لا تتحقق، في الجوانب الأساسية منها على الأقل، إلا عند مسك السلطة إن كليا أو جزئيا أو حتى عند الإقتراب منها والتقرب من الماسكين بتلابيبها وأصحاب هذا التوجه السائد يستمدون قناعتهم هذه من حقيقة قد لا نختلف كثيرا في شأنها المتمثلة في أن أغلبية التونسيات والتونسيين ميالون إلى أصحاب السلطة في كل الحالات لاقتناعهم الراسخ بأن الحلول لمشاكلهم الجماعية والفردية على حد السواء تبقى بيد هؤلاء مهما كان وجودهم في الحكم مؤقتا أو متعثرا ومهتزا ومهما كان هذا الوجود محل سخط الكثيرين خاصة وان استخدامات الإعلام و التواصل للمغالطة وقلب الحقائق أصبح أمرا متداولا عملته رائجة رواجا واسعا ونحن وإن كنا لا نختلف حول أحقية هذه الظاهرة فإننا لا نعتقد أن هذا المسلك وهذا الإختيار كفيل بتحقيق القوة الدائمة للأحزاب وأن ”الاستراتجيات ”المبنية على هذا الاختيار لا تأخذ بعين الإعتبار ما تتميز به مرحلة الانتقال من تقلبات وعدم استقرار يشمل المجتمع والتعبيرات السياسية وخاصة الحكومات فاستسهال بلوغ السلطة واتخاذ أقصر الطرق لبلوغها باعتماد “المحضورات” قد ينتهي بنا إلى تعبيد الطريق للخروج منها بنفس سرعة اقتحامها؟
الربط مع المجتمع هي قضية القضايا
و ما يتجلى لنا اليوم أن أقلية أصبحت بجدية مقتنعة داخل الأحزاب وخارجها ضمن المجتمع المدني بأن قوة الفعل السياسي لن تضمن الفاعلية والجدوى إلا عند أحكام الربط بالمجتمع كأولوية لا تنفي طبعا بقية الإعتبارات “التكتيكية” والآنية لأن المسألة تختلف تماما بين بلوغ السلطة دون رؤية وبرنامج له قابلية الإنجاز وبين الوصول إليها بفضل ذلك وهناك فرق شاسع بين هشاشة من يصل إلى الحكم دون قاعدة إجتماعية صلبة فيكون فريسة اللوبيات المختلفة وفي مقدمتها المتمسكة بالفساد والمكرسة بالضرورة لإضعاف الدولة ومواصلة نهشها وبين من تمكن بفضل أحكام الربط بمجتمعه بمختلف فئاته وفاعليه من خلق قاعدة صلبة، لا للمنخرطين في مشروعه فحسب، و إنما للمتبنين له القادرين على الإستماتة في الدفاع عنه والتضحية من أجل تكريسه على أرض الواقع بفضل الثقة المكتسبة والتعاقد الثابت من أجل التضحية والإصلاح لبناء تونس الجديدة.
ولا بد أن نكون على وعي بأن ذلك يتطلب نقلة نوعية و” تثويرا” للأرضيات التى بنيت عليها الأحزاب في مرجعياتها ومضامينها وتوجهاتها وآليات تفعيل دورها وهو مسار ضروري لكنه لن يتحقق إلا في إطار الواقعية وعلى مراحل وبفضل ما تميزت بعه تونس على الدوام من ثراء لمواردها البشرية.
ناشط ومحلل سياسي تونسي.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
في مسألة العلاقة بين تعثر المسار الإنتقالي والمراهقة السياسية في تونس
شارك رأيك