تشير أرقام المعهد الوطني للإحصاء في تونس، إلى أن الفقر أصبح يشمل 1.7 مليون تونسي من عدد السكان الإجمالي، الذي يتجاوز 11 مليون نسمة، إلا أن هذا الرقم يرتفع سنويًّا في ظل قرارات التقشف والأزمة الإقتصادية وتدهور القدرة الشرائية للتونسيين. وهو ما أدى أيضا إلى تقلض نسبة الطبقة المتوسطة بين السكان.
بقلم عمّـار قــردود
هذا الأمر الذي بات يتهدد الطبقة المتوسطة التي هي الشريحة الأكبر في البلاد، بالإنكماش السريع وربما بالإنقراض مستقبلاً؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية الحالية التي لا تبعث على الإرتياح وقد تشهد المزيد من التدهور. حيث لم تعد الأجور تُغطي الإستهلاك الكلي لمعظم الأسر التونسية، بينما تعتمد على مصادر أخرى لتغطية الاستهلاك كأجور العقار والحوالات من العاملين في الخارج وغيره.
و كانت الطبقة المتوسطة وحتى السنوات الــ10 الأخيرة تُشكّل القسم الأكبر من تركيبة المجتمع التونسي وميزته الأساسية وإحدى أهم عوامل الاستقرار في البلاد، وتضم أساسًا موظفي الدولة والإطارات المتوسطة “خريجي الجامعات”، المثقفين والتكنوقراط والمديرين والمعلمين والأطباء والمهندسين والمحامين والأساتذة ورجال الدين.
مليون عائلة تونسية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة عُرضة للفقر
وحاولت السلطات التونسية، منذ الاستقلال سنة 1956، تعزيز مكانة هذه الطبقة والمحافظة عليها، معتبرة أن سر توازن المجتمع التونسي يكمن في تقارب مستوى المعيشة بين مختلف شرائح الشعب.
و لعل تآكل القدرة الشرائية للتونسيين سنويًا بنسبة 6 أو7% هو ما أدى إلى فقدان التونسيين أكثر من 40% من إمكانياتهم فس سنوات قليلة، بسبب ارتفاع الأسعار، ونسب التضخم وفقًا لبحث تم إعداده سنة 2016 من طرف الجامعة التونسية والمعهد الوطني للاستهلاك.
و كانت الطبقة المتوسطة هي الأكثر استهدافًا بهذا الانخفاض، الأمر الذي تسبب في تراجع تصنيف هذه الطبقة ضمن تركيبة المجتمع التونسي من 80 إلى 67%، خلال السنوات الأربع الماضية أي ما بعد ثورة الياسمين، ما يعني أن 17.5% من الطبقة المتوسطة إنضموا – مجبرين – إلى تعداد الفقراء منذ 2012. فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن الطبقة الوسطى في تونس تقلصت بنسبة 30%، وأن هناك مليون عائلة تونسية اليوم من المنتمين إلى الطبقة الوسطى عُرضة للفقر.
إنخفاض الدينار بين 2011 و 2018.
800 ألف أسرة تونسية مديونة بـــأزيد من 20 مليار دينار تونسي
وفي غضون السنوات الــ5 الأخيرة، ظهرت في المجتمع التونسي طبقات جديدة من الأغنياء، مقابل ارتفاع مخيف في نسبة الفقراء، حيث باتت نسبة الفقر تتجاوز 21% وفق إحصائيات رسمية. ففي السنوات الماضية، كان الموظف التونسي الذي يتقاضى راتبًا شهريًا قدره ما بين 800 و 1000 دينار تونسي – ما يعادل 350 و 500 دولار أمريكي – يعتبر من الطبقة المتوسطة، وكان ذلك الراتب الشهري يعتبر من الرواتب المرتفعة نوعًا ما في تونس، و هو معدل أجور نحو 40 بالمائة من التونسيين، لكن ومنذ سنوات أصبح هذا الراتب غير كافيًا في ظل إرتفاع تكاليف المعيشة وبالكاد يفي بضروريات الحياة اليومية دون الحديث عن الكماليات.
لكن ليس كل التونسيين الذين كانوا يُصنفون ضمن الطبقة المتوسطة باتوا فقراء بل هناك شريحة معتبرة منهم إرتقت إلى مرتبة الأثرياء الجدد أو أثرياء ما بعد الثورة.
تشير الإحصائيات الرسمية للبنك المركزي إلى تضاعف حجم مديونية الأسر في تونس بين ديسمبر 2010 ومارس 2017، إذ بلغ عدد الأسر المدينة 800 ألف أسرة. وأن حجم الدين ارتفع من 10.7 مليار دينار سنة 2010 إلى 20.8 مليار دينار سنة 2017.
“ميدل إيست آي”: أثرياء وفقراء فقط في تونس!
هناك حول هذا الموضوع تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني في ماي 2018 جاء فيه : “عندما وافقت تونس على قرض مدته أربع سنوات بقيمة 2.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في جوان 2016، كانت البلاد لا تزال تعاني من الصدمة التي طالت صناعة السياحة بعد هجومين إرهابيين في العام السابق. في ذلك الوقت، أكد صندوق النقد الدولي أن الدينار كان مقدرًا بأكثر من قيمته الحقيقية، وأنه يجب أن يتم تخفيض قيمته من أجل تعزيز الصادرات، وتنشيط اقتصاد البلاد.
“بعد مرور عامين على توقيع الصفقة، خسرت العملة التونسية أكثر من 15% من قيمتها مقابل الدولار، وأكثر من 23% مقابل اليورو. بلغ التضخم 7.6% في مارس في الشهر الماضي- أفريل 2018-، قال صندوق النقد الدولي إن الدينار يجب أن ينخفض انخفاضًا أكبر. إن الانخفاض في قيمة الدينار – إلى جانب الإصلاحات الأخرى، بما في ذلك تجميد الأجور، وتخفيض الدعم المرتبط ببرنامج الإصلاح الهيكلي– له تأثير كبير في التونسيين. وقد قفزت الأسعار مع اضطرار المستوردين إلى تحمل تكاليفهم المتزايدة. يلوم كثيرون صندوق النقد الدولي على الأوضاع الصعبة التي يشهدونها.
“يزعم صندوق النقد الدولي أن انخفاض قيمة العملة قد يكون مؤلمًا ولكنه تغيير ضروري لاستقرار تونس على المدى الطويل. لكن العديد من الاقتصاديين التونسيين يدقون ناقوس الخطر على الوصفة الطبية التي يقولون إنها تضر بالبلاد أكثر مما تقدم المساعدة”.
ارتفاع التضخم بين 2003 و 2018.
و أوضح الموقع البريطاني: “يقول بعض المراقبين إن الوضع الحالي في تونس يظهر أن صانعي السياسة عالقون بين سياسات تنموية وتجارية متنافسة ومتناقضة”. وقال ماكس عجل، وهو دكتور باحث في جامعة كورنيل يركز على الاقتصاد السياسي التونسي: “من جهة، يتعين عليك أن تحمي أسعار السلع الأساسية للغاية للمستهلك التونسي، بما في ذلك الحبوب والزيت والحليب والسكر. ومن جهة ثانية، يؤمن المسؤولون بالنمو القائم على الصادرات. ومن جهة ثالثة، يؤمنون بخفض قيمة العملة. إنهم يؤمنون بكل هذه الأمور في وقت واحد”. وقال إن النتيجة هي سياسة تصدر آثار تخفيض قيمة العملة إلى الطبقة العاملة.
وتابع عجل يقول: “ما تفعله الحكومة هو رفع معدل التضخم دون رفع أجور سائقي سيارات الأجرة على سبيل المثال”. وأضاف: “ما يحدث هو أنه من خلال تخفيض قيمة العملة، ستصبح كل أنواع السلع الشرائية أكثر تكلفة بالنظر إلى اعتماد تونس على الواردات في الكثير من سلة الاستهلاك”.
و لطالما حذّر و لا يزال الخبراء من خطر زوال الطبقة المتوسطة في تونس، والتي هي حاليًا في إنخفاض كبير ومهددة مستقبلاً بالإنقراض الحتمي وإرتفاع نسبة الفقر في المجتمع.
تعريف الطبقة المتوسطة
التعريف التقليدي للطبقة الوسطى هو أنها الطبقة التي تقع بين الطبقتين العليا والدنيا أي في أواسط الهرم الاجتماعي، فبحسب عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، فإن الطبقة المتوسطة هي الطبقة التي تأتي اقتصادياً واجتماعياً بين الطبقة العاملة والطبقة العليا.
وتنقسم الطبقة الوسطى الى طبقة وسطى عليا وطبقة وسطى متوسطة وطبقة وسطى دنيا، ويفرق بينها مستوى الدخل والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية.
ويوجد قاسم مشترك بين مختلف فصائل الطبقة الوسطى، وهو أنها جميعها تكسب دخلها بعرق جبينها، فهي الطبقة التي يفترض أن تنتج معظم السلع والخدمات؛ أي الناتج المحلي الإجمالي، في الاقتصاد. وبذلك؛ فإن لها أهمية اقتصادية كبيرة في كونها المحرك الاقتصادي الأساس في الإنتاج والاستهلاك، خاصة وأن الفئة الدنيا من الطبقة المتوسطة قريبة من خط الفقر، وتؤثر بها القرارات الإقتصادية كإزالة الدعم أو رفع الرسوم والضرائب فتنتقل وبكل سهولة وبشكل مؤلم من الطبقة الوسطى الى الفقيرة، وهو أمر له مردودات خطيرة خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات صعبة.
رابط تقرير “ميد أيست آي” البريطاني عن الطبقة المتوسطة في تونس.
شارك رأيك