السيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يفهم أو لا يريد أن يفهم أن انتظار الحل طويلا ينتج الإحباط والإحباط ينتج الكراهية والكراهية تنتج رفض شخصه وعدم القناعة بما يقوله مهما قال وتلك مصيبة كبرى من مصائب الحكومة ومظلمة تتعرض إليها ما تسمى الأغلبية الصامتة، المغلوبة على أمرها واليائسة من كل سياسييها بمختلف أهوائهم واتجاهاتهم.
بقلم أحمد الحباسي
يقال أن بتونس قد حدثت ثورة في 14 جانفي 2018 ويقول السياسيون والله أعلم أن هذه الثورة لم تكن ثورة أحزاب أو نخب سياسية أو نخب مثقفة بل كانت ثورة شعب. هكذا يقال والله أعلم، لكن أين الشعب الذى قام بهذه الثورة و أين ذهب ومن وراء ترحيله المريب والعجيب عن المشهد السياسي و الإجتماعي ومن يقف وراء هذه المؤامرة لتغييب الشعب؟
تفضلوا بفتح التلفزيون الخاص والعام على حد سواء فسوف تكتشفون أنه لا حياة لمن تنادى وأن هذا الشعب الذى صنع ثورته قد تم تحييده بقدرة قادر ليصبح مجرد شاهد على العصر غير مرغوب فيه وذكرى يتذكرها بعض الساسة من باب رفع العتب عندما يتحدثون عن ثورة فعلها وأنجزها شعب بالتضحيات السخية والدماء الساخنة لينهبها قطاع الطرق السياسيون الانتهازيون.
بالفعل هناك شعب صنع هذه الثورة التاريخية العظيمة وهو اليوم يمثل ما يسمى بالأغلبية الصامتة، المستغرقة في نومها المزروع بالأشواك وكوابيس الأحلام.
يمكن أن نرى هذه الأغلبية الصامتة بالعين المجردة أحيانا وأحيانا أخرى نحتاج إلى مكبر للصورة ولكن من الثابت أن هذه الفئة المسلوبة المستقبل بعد أن سلبوها فى الماضى طفولتها وشبابها تراقب الوضع عن بعد و شعارها “لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم “.
الأغلبية الصامتة اليوم لا تصلح لا للعير ولا للنفير ولا أحد يطلب صوتها أو حضورها، هي أغلبية من الجمهور المتفرج على الأحداث وليس صانعها وجمهورا من الصامتين لا تهش ولا تنش كما يقال.
أغلبية الشعب و”العبودية الطوعية”
أغلبية الشعب تئن تحت وطأة غلاء المعيشة وانهيار القدرة الشرائية. إتحاد الشغل يناور باسم هذه الأغلبية ليصنع من بعض أقزامه زعماء أونطة كما يقول أهلنا في المشرق العربي ورئاسة حكومتنا العتيدة تناور باسم الشعب لتقول لمن لا يسمع أنها حكومة الشعب والحال أن كل ناطق أو أبكم أو أصم أو بصير يدرك أنها حكومة الترضية السياسية وحكومة اللوبيات وحكومة سبق السبت لتلقى الأحد وحكومة خذ وهات وشيلنى ونشيلك وسلم واستلم…
اليوم لا أحد يستعبد هذا الشعب كما في السابق قبل الثورة ولكن الشعب و للأسف قد اختار ما سماه الكاتب الفرنسي ايتيان دي لابوسييى “العبودية الطوعية”، العبودية الصامتة، الإستقالة الإختيارية أو ما يسمى بالتقاعد السياسي والمجتمعي المبكر دون حوافز أو مقابل أو راتب شيخوخة.
ما يحصل لا يبشر بالخير طبعا ويصب في صالح بارونات السياسية و لوبيات الفساد ليبقى السؤال : متى يستيقظ الشعب مجددا ومتى ستكون لهذه الظلمة نهاية.
لذلك نقول ما قاله الكاتب المذكور : “إن الشعب الذي يستسلم بنفسه للإستعباد يعمد إلى قطع عنقه والشعب الذي يكون خيار العبودية أو الحرية فيدع الحرية جانبا ويأخذ نير العبودية هو الذي يرضى بالأذى بل يسعى بالأحرى وراءه”.
لقد خرج علينا قوم من “رجال التعليم” لا نعرفهم وخرجت علينا نقابة تمثلهم ولا تمثل الشعب وخرج علينا من “مربين” مزيفين ينتحلون صفة مقدسة ولكنهم قوم لا علاقة لهم بالأنبياء ولا بشبه الأنبياء بل هم أشد هبوطامن المسيح الدجال نفسه وخرج علينا رهط يعنف تاريخ المرحوم فرحات حشاد بمنتهى القبح ويسمحون لأنفسهم من فرط الغرور الهجوم على أمينهم العام لأن المعركة هذه المرة ليست معركة إسقاط الحكومة والمؤسسات بل إسقاط كل صوت معارض حتى لو أتى من بيت الخراب نفسه هذا الإتحاد الذي ترك الحبل على الغارب لكل المتصابين السياسيين وشبه النقابيين والمتزعمين للشعارات ليندفعوا للساحة النقابية كرافعة وحصان طروادة يختفون وراءها نفاقا للوصول إلى نهش ما تبقى في الخزينة واختطاف الدولة وارتهانها بطرق ملتوية.
السقوط والتدني في الخطاب والأداء السياسي
في الحقيقة لم نشاهد مظاهرة محقة بل شاهدنا مؤامرة خبيثة قليلة الحياء مطلبا ولفظا وسلوكا وشاهدنا اعتداءا على الصحافة لأنها كشفت المؤامرة والمستور ورأينا هجوما موتورا من بعض المحامين المتسلقين لسلم الخبث والإنتهازية السياسية الذين أمضوا حياتهم المهنية جالسين على كراسي مختلفة في نفس الوقت وكانوا بالأمس القريب من المدافعين عن “التحول المبارك” ثم تحولوا للدفاع عن “الأنموذج التركي” في حكم الإسلام السياسي وبعدها تحولوا إلى مناشدة “التجمع” الممثل في حزب نداء تونس وحين سقطوا من غربال يوسف الشاهد تحولوا فجأة إلى مناصرين للقضايا النقابية التي طالما وئدوها وحاولوا دفنها ناعتين أهلها بالمناوئين للتحول الديمقراطي في البلاد والسعي لإسقاط الدولة.
بين كل هذا وذاك فقدنا الإتصال بالأغلبية الصامتة وشاع أن هذا الشعب قد أصبح يبحث عن ملجأ وملاذ آمن و ما يسمى إصطلاحا باللجوء السياسي لأنه لم يتعود من الطبقة السياسية موالاة ومعارضة وحتى في زمن بورقيبة وبن على مثل هذا السقوط والتدني في الخطاب والأداء السياسي ولم يتعود أن تصل أمور غلاء الأسعار و المعيشة إلى حد التفكير في اقتراض سلفة بنكية لطبخ “عجة” .
لقد جاء حوار رئيس الحكومة ليلة أمس الجمعة 21 ديسمبر 2018 على قناة التاسعة فارغا تماما من المحتوى وعديم الجدوى وباتت هناك قناعة بأن الرجل لا يدرك ما هو حاصل فعلا في البلاد ويتحمله العباد.
السيد رئيس الحكومة لم يتفهم لحد الآن أن المشكلة ليست في وجود إصلاحات و إنجازات من عدمها فهذا لم يعد أمرا مهما بل في انهيار منسوب الثقة في شخصه مباشرة وفي حكومته انعكاسا.
السيد رئيس الحكومة لم يفهم أولا يريد أن يتفهم أن انتظار الحل طويلا ينتج الإحباط والإحباط ينتج الكراهية والكراهية تنتج رفض الشخص وعدم القناعة بما يقوله مهما قال.
هذه أبجديات بسيطة لا يدركها رئيس الحكومة وهذه ستكون من أساب ابتعاد الشعب عنه، لكن لا أظن أن شخصا باهتا مثل مستشاره إياد الدهماني أو غيره سيكون قادرا على إيصال هذه المعلومة وتلك مصيبة كبرى من مصائب الحكومة ومظلمة تتعرض إليها الأغلبية الصامتة.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
لا يجب أن ننسى دور الغرب في ظهور وانتشار ظاهرة الإرهاب في المنطقة العربية
فتحي العيوني، سكين حركة النهضة في صدر الرياضيين التونسيين بمدينة الكرم
شارك رأيك