أكد تقرير “الاتجار في العطش”، والذي صدر حديثاً عن “منتدى الحق في المياه بالمنطقة العربية” لعام 2017-2018، أن الحق في المياه يواجه تهديداً متزايداً يوماً بعد يوم في تونس وأن “الإتجار في العطش” بات يهدد بشكل جدي الأمن القومي التونسي على غرار كل الدول العربية التي تُعاني شحًا كبيرًا في الموارد المائية و سوءًا في تسيير وإدارتها.
بقلم عمّـار قـردود
التقرير سلّط الضوء على ندرة المياه التي أضحى يشهدها العالم العربي ككل، وأشار إلى “مظاهر تحول المياه إلى سوق تدر أرباحاً طائلة للشركات عابرة القومية”، وأصدر التقرير عددًا من التوصيات، من بينها ضرورة “ربط جميع المشكلات المرتبطة بالمياه من كمية وجودة وإمكانية الحصول عليها، وكذلك السدود والمشاريع الكهرومائية، بعوامل التغيّر المناخي وخطورته على الأجيال الحالية والقادمة”، مع وجوب “الإهتمام بالجانب التوعوي في ما يتعلّق بسلوكيات المواطنين في المحافظة على مورد المياه وعدم إهداره في الأماكن التي تتميز عن غيرها بوفرة مياه وهمية”.
وضع سياسات فلاحية تقوم على تقسيم كميات التساقطات وإيقاف التوسع في المشاريع الزراعية
وأوصى التقرير بوجوب “التشديد على التجربة الخاصة لكل بلد وضرورة احترام المؤسسات المالية لخصوصية وطبيعة البلدان المختلفة التي لا يصلح معها تطبيق أجندة موحدة، إذ ثبت علميًا أنها تفاقم من الفقر والتدهور الصحي والبيئي، خاصة أجندة خصخصة المياه”؛ ناهيك عن “الضغط على الحكومات والمؤسسات المالية لتوفير الدعم لتجارب الإدارة المحلية للمياه، مع تقديم الضمانات الكافية لنجاح التجربة، بعيدًا عن الشركات الخاصة”.
وعن تونس، رأى التقرير أهمية وضع سياسات فلاحية تقوم على تقسيم كميات التساقطات وإيقاف التوسع في المشاريع الزراعية الاستثمارية التي تجور على زراعة الغذاء الضروري للمواطنين، إعادة هيكلة المجامع المائية وتطوير أدائها، تجديد شبكة مياه الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه والشبكات التي تديرها المجامع المائية، الإسراع بربط سدود الشمال بسدود الوسط، مراجعة استراتيجية تعبئة الموارد المائية، والبحث عن حلول مستدامة، خصوصًا ما يتعلق بالأشغال المائية الكبرى، والموارد غير التقليدية، كمحطات تحلية المياه.
وفي ورقة بعنوان “المؤسسات الدّولية والمالية وأثرها في الحق في مياه تونس”، استعرض الباحث التونسي محمد عبد مولاه محاور العلاقة بين المؤسسات المالية والحق في المياه، بالتطبيق على ما يجري في تونس. وشدد على جوهرية التركيز على التزامات الدول بضمان حقوق الإنسان المتعدّدة، المجسمة في الصكوك والمعاهدات والإعلانات الصادرة لهذا الغرض. وذكر في هذا السياق أن مجال التأثير الأكبر للمؤسّسات الدولية يتراوح بين التأثير العامّ الذي يخصّ السياسات الاقتصادية العامّة، من تعديل هيكلي وسياسات «نيوليبرالية»، وبين التدخل المباشر في مسائل قطاعية دقيقة ذات بعد جهوي أو محلي، كما هو حال تدخّلات الوكالة الألمانية للتعاون الدولي أو الوكالة الفرنسية للتنمية.
و أشار التقرير إلى تزايد الطلب على المياه العذبة وفق القياسات الرصدية بمعدّل 55% في الفترة من 2000 إلى 2050، والذي يذهب قدر كبير منها للزراعة التي تشكّل 70% من إجمالي استهلاك المياه العذبة على مستوى العالم، وهذا ما يؤكده أنّ الحاجة إلى الإنتاج الغذائي ستزيد بنسبة 69% بحلول 2035 بناءً على التزايد في عدد سكّان الكوكب. كذلك استخدام المياه في الطاقة، وتبريد محطّات الكهرباء من المتوقّع أن يزداد أيضًا بنسبة 20%. بمعنى آخر يمثّل المستقبل القريب إهدارًا للمياه العذبة واحدًا تلو الآخر.
توقعات ببلوغ حجم صفقات الاتجار في المياه إلى 660 مليار دولار بحلول 2020
ووقف تقرير “الاتجار في العطش”، على مظاهر تحول المياه إلى سوق تدر أرباحاً طائلة للشركات المتعددة الجنسيات. ويتوقع خبراء وصول حجم صفقات الاتجار في المياه إلى 660 مليار دولار بحلول 2020، في حين تشير بيانات منظمة الأمم المتحدة إلى أنه بحلول عام 2030، يقدر أن يقيم زهاء 4 مليارات نسمة في مناطق تعاني من نقص حاد في المياه.
وتعدُّ المنطقة العربية واحدة من أكثر المناطق في العالم التي يتمّ فيها اختبار سياسات المتاجرة في الماء وذلك رغم ما يكتنفها من مشكلات جمّة فيما يتعلّق بحقوق المواطنين في الوصول للمياه، ففي الوقت الذي يشير فيه البنك الدولي إلى أنّه عندما طرح المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2015 على خبراء وقادة من المنطقة السؤال التالي: “أيّ المخاطر العالمية تعتبر منطقتكم أقل استعدادًا لها؟” فحدّدت غالبية المجيبين عن السؤال أزمات المياه باعتبارها أعظم تهديد يواجه المنطقة، بل هو أعظم من عدم الاستقرار السياسي أو البطالة.
الربح هو السبب الحقيقي في تدمير البيئة واستنزاف الثروات المائية
و أكد التقرير أن الربح هو السبب الحقيقي في تدمير البيئة واستنزاف الثروات المائية وتعميق معاناة الفئات الشعبية الواسعة في المدن والقرى، لا سيما النساء والفلاحين الكادحين. كذلك أكد ممثلوا المنتدى على مطلب المشاركة الجماعية المناهضة للمنطق التجاري وتسليع الماء، ومن أجل إعادة تملك مواطني وديمقراطي لتدبير الماء والدفاع عن طابعه العمومي وضد خصخصته. ويعلن التزامه الى جانب النضالات الجارية في بلدان المنطقة المتعلقة بالحق في الماء، وربطه مسألة الدفاع عن الحق في المياه بمسألة السيادة الشعبية بجميع مكوناتها (السيادة المائية، السيادة الغذائية، السيادة في مجال الطاقة، إلخ)، ومقاومة نظام الديون التي تتضخم مع المشاريع الاستثمارية في مجال الماء وغيرها وتعمق تبعية بلداننا، والمؤسسات المالية (البنك االدولي وصندوق النقد الدولي) التي تفرض هذا النظام، واتفاقات التجارة الحرة الاستعمارية ومنظمة التجارة الدولية. كما يسعى المنتدى الى تدعيم التنسيق مع الشبكات التي تناضل على مختلف هذه الواجهات إقليميًا ودوليًا.
نبذة عن منتدى الحق في المياه بالمنطقة العربية
منتدى “الحق في المياه بالمنطقة العربية” تأسس في 2008 ويضم ممثلين من مختلف البلدان العربية بين جمعيات وشبكات وخبراء، بات أمام مهمة جديدة أقرّت في تونس في أوت 2016، تقوم على إصدار تقارير كل سنتين (تبدأ مع تقرير ينجز قبل المنتدى العالمي للمياه الذي يعقد في البرازيل العام 2018)، تشرح وضع المياه في المنطقة العربية، من وجهة نظر المجتمع المدني وخبرائه الملتزمين بقضايا المجتمعات. كما تم الاتفاق على منهجية لإعداد التقارير تؤكد ان المياه حقّ مع رفض خصخصتها، وخلق مفاهيم جديدة لمقاربة مسألة المياه وربطها بالقضية البيئية والنظم الايكولوجية كأساس للمقاربات، وربط قضية المياه باستخداماتها، وبسياسات باقي القطاعات ذات الصلة، ومراجعة الأرقام التي تصدر عن الجهات الرسمية والخاصة والدولية، وتأكيد ضرورة إقرار الدساتير والقوانين للتأكيد ان المياه ملكية عامة وعلى الدول ان تلعب دورا اساسيا في تحمل مسؤولية ادارتها وحفظها وحمايتها وحسن توزيعها ومراجعة الاطار القانوني الدولي والمحلي لإدارة المياه بالإضافة إلى الإطار المؤسساتي، والتدقيق في المعطيات وفي أجهزة القياس ومراجعة عمليات التسعير ورصد النضالات في الدول والمناطق ضد الخصخصة أو لحفظ النوعية أو لمحاربة المشاريع الكبرى التي تتصف بالهدر كإنشاء السدود السطحية ومراجعة مدى مطابقة المشاريع للنظم الايكولوجية في كل بلد، بالإضافة إلى محاولة اقتراح البدائل من الخطط المطعون فيها…الخ. كما طرحت أفكار ومستجدات جديدة يفترض أن تعالجها التقارير، منها ما يتعلق باستخدام المياه في الحروب وسيطرة الإرهاب على مصادر المياه وأثر الحروب والنزوح والتغيير السكاني وأثر اللجوء على المياه.
شارك رأيك