كشفت دراسة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بعنوان “المقاتلون الأجانب التونسيون” المتواجدون ببؤر التوتر في العراق وسوريا، تم نشرها بموقع المعهد يوم 17 ديسمبر 2018، أن عدد الإرهابيين التونسيين الذين قتلوا في بؤر التوتر منذ 2012 إلى بداية 2013، بلغ 3204 إرهابيا، فيما وصل 10860 إرهابيًا مقاتلاً إلى العراق وسوريا، عاد منهم إلى تونس 2720 مقاتلاً إلى حدود مارس 2018.
بقلم عمّـار قـردود
و أشارت الدراسة إلى أن “عدد الذين انخرطوا في الحرب في العراق وسوريا أقل مما كان يُعتقد عموماً – فقد حاول نحو 27 ألفاً الإنضمام [إلى المعارك] لكن لم يصل سوى 2900 مقاتلا فقط إلى منطقة النزاع، أي أقل من نصف التقديرات المعتادة. فضلاً عن ذلك، تفشت ظاهرة التعبئة والإنتشار في مختلف أنحاء تونس وليس في مدينة أو منطقة محددة. وفي حين انضم بعض المقاتلين إلى جبهة النصرة التي كانت تابعة لـ تنظيم القاعدة في البداية، إلا أنه انتهى المطاف بالكثيرين إلى الإنضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية بمجرد إعلان هذه الجماعة صراحة عن وجودها في سوريا في أبريل 2013”.
وأفادت الدراسة أن الحكومة التونسية فضّلت “الحوار على القمع لمدة عامين بعد ثورة 2011، مما سمح للجهاديين بالعمل علانية دون الكثير من المضايقات. غير أنه في ظل تنامي التهديد الذي يطرحه المسلحون، بدأت الحكومة بقمع جماعة أنصار الشريعة في ربيع عام 2013، لتتوّج تحركها بتصنيف التنظيم كجماعة إرهابية في أوت من ذلك العام. وأدت حملة القمع إلى تدفق المقاتلين، بالتزامن مع توسّع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وانتشاره في سوريا، وبذلك أصبحت هذه الجماعة تُعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية”.
وبحسب الدراسة التي ألّفها الباحث الأمريكي هارون زيلين وجاكوب والز- الذي كان يشغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة في تونس وعمل كمستشار أقدم لشؤون المقاتلين الأجانب في مكتب مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية-، فإن السلطات التونسية لم تمنع أو توقف، منذ نهاية 2012 إلى حدود ماي 2013، أي تونسي خلال توجّهه إلى بؤر التوتر (الدراسة ارتكزت على سوريا والعراق و لم تشمل ليبيا و مناطق أخرى)، في حين قتل خلال ذات الفترة 157 تونسيًا من مجموع 1200 قاتلوا في صفوف جماعات إرهابية بسوريا والعراق، وعاد منهم 150 شخصًا.
تم إيقاف 6 آلاف تونسي كانوا ينوون التوجه إلى بؤر التوتر
وكشف التقرير أنّ السلطات التونسية بدأت في منع المتوجهين للقتال في سوريا والعراق بداية من سبتمبر 2013، حيث تم إيقاف 6000 شخص كانوا ينوون التوجه إلى بؤر التوتر، ولم يسجل وصول أي تونسي في نفس تلك الفترة، فيما قتل 269 تونسيًا كانوا قد وصلوا سابقًا إلى هناك. وهو تاريخ يمكن ربطه بالأحداث السياسية التي عرفتها البلاد إثر اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي واعتصام باردو خلال الصيف الساخن لــ 2013، واتخاذ قرار بتصنيف تنظيم أنصار الشريعة “تنظيمًا إرهابيًا” في أوت 2013.
أما عن توزّع الإرهابيين التونسيين الذين قتلوا في سوريا، فقد جاء في التقرير أن 26 منهم أصولهم من العاصمة التونسية، و15 أصيلي ولاية بنزرت، و12 من سيدي بوزيد، و11 من أريانة. في حين لم يتجاوز 2 عدد الإرهابيين التونسيين المقتولين أصيلي كل من جندوبة والقصرين والمهدية ونابل والمنستير، أما قابس التي تذيّلت القائمة لم يقتل منها سوى إرهابي واحد في سوريا، وفق الدراسة ذاتها.
ثلاثة عوامل بارزة تدفع بهؤلاء المقاتلين التونسيين للسفر إلى بؤر التوتر
و أبرزت ذات الدراسة ثلاثة عوامل رأت أنها تدفع بهؤلاء المقاتلين التونسيين للسفر إلى بؤر التوتر ” أولاً، أصبح الكثير من التونسيين يشعرون بخيبة أمل من السياسات التي أعقبت الثورة، وخاصة الشباب المثقف الذي عانى من البطالة بمعدلات مرتفعة للغاية. وعلى الرغم من التقدم السياسي التدريجي الذي شهدته السنوات السبع الماضية، إلا أن المكافآت الاقتصادية لم تظهر بعد، مما دفع البعض إلى التطرف. ثانياً، شكّلت إعادة تأسيس الخلافة مُحفّزاً قوياً للانضمام إلى الجهاد. فحين أعلن تنظيم الدولة الإسلامية عن هذه الخطوة، اعتبر الكثيرون في الحركة الجهادية هذه الأخبار بمثابة فرصة للمسلمين للتفوّق من جديد. ثالثاً، من أجل التكفير عن الخطايا السابقة المحسوسة، انضم بعض الأفراد من ذوي السوابق الجنائية إلى الجماعات الجهادية للإفتداء بأنفسهم”.
الحكومة التونسية لم تقدّم أي مبادرات لإعادة تأهيل الذين قاتلوا في سوريا أو إعادة دمجهم
وعلى صعيد تعامل السلطات التونسية مع المقاتلين العائدين، جاء في الدراسة: “يبدو أن تونس تأمل في أن تُصلح المشكلة نفسها. فالحكومة لا تقدّم أي مبادرات لإعادة تأهيل الأفراد الذين قاتلوا في سوريا أو إعادة دمجهم – فالعائدون إما محتجزون في السجون أو أحرار في الانضمام إلى المجتمع العام. وعلى الرغم من الخطر الذي تطرحه مثل هذه المقاربة، يوفّر الوضع الديمقراطي لتونس ميزة تتمثل بإمكانية اعتماد الحكومة على المجتمع المدني القوي في البلاد للمساعدة في حل مثل هذه الأمور بدلاً من اتّباع مقاربة قائمة على الأمن بصورة بحتة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الإستراتيجية ستؤتي ثمارها. وفي غضون ذلك، ونظراً للبيانات الواسعة النطاق حول الجهاديين في البلاد، من السهل معرفة سبب قلق المسؤولين في تونس وأوروبا والولايات المتحدة من نوايا الحركة”.
ردّ الحكومة التونسية على الإرهاب جاء على أربع مراحل
لكن و بحسب السفير الأمريكي السابق بتونس جاكوب والز فإن رد الحكومة التونسية على الإرهاب والتطرف جاء على 4 مراحل: “خلال المرحلة الأولى (من 2011 إلى سبتمبر 2012)، سُمح عموماً لأنصار الشريعة وغيرها من الجماعات المتطرفة بتنظيم صفوفها علناً وإرسال مقاتلين للإنضمام إلى ما كان يُعتبر آنذاك كفاحاً شعبياً ضدّ نظام الأسد في سوريا. وفي المرحلة الثانية (2012-2014)، أدركت الحكومة أنها تواجه مشكلة، حيث بدأت الجماعات المتطرفة بتنفيذ عمليات إرهابية داخل تونس – بدءاً بهجوم سبتمبر 2012 على السفارة الأمريكية الذي تلته عمليتا اغتيال سياسي بارزتين في عام 2013. وخلال المرحلة الثالثة (2014-2015)، بدأت الحكومة التكنوقراطية بقيادة مهدي جمعة بتعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة وشركاء أجانب آخرين بشكل كبير. وتمّ تمرير قانون جديد لمكافحة الإرهاب في عام 2015، كما تحسّنت قدرة قوات الأمن على مواجهة الإرهاب. وقد دفعت هذه القيود المحلية إلى قيام الجهاديين بتحويل عملياتهم إلى الخارج، كما أن التدفق المتنامي للمقاتلين الأجانب إلى ليبيا وسوريا والعراق خلال هذه الفترة تزامن مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية. أما المرحلة الرابعة (من 2014 حتى الوقت الحاضر)، فقد شهدت تحوّل التركيز نحو المقاتلين العائدين، مع بروز جدال علني بين التونسيين حول كيفية التعامل معهم. وتدرك الحكومة أن نهج قائم على الأمن غير كافي، ولكنها في الوقت نفسه لم تحرز تقدماً ملحوظاً باتجاه اعتماد مقاربة أكثر شمولية. ورغم تحسّن الوضع بشكل كبير مقارنةً بالفترة 2012-2013، فضلاً عن عدم تعرُّض تونس لهجوم كبير منذ نوفمبر 2015، إلّا أنه لم يتمّ تحقيق الكثير لمعالجة المحرّكات الكامنة للتعبئة والانتشار. وصحيح أن الحكومة قادرة الآن على التعرّف على العائدين عند المعابر الحدودية الرسمية، لكنها لا تملك خطة بشأن ما يجب فعله حالما يتم تحديد هويتهم، كما تفتقر قواتها الأمنية إلى الوسائل اللازمة لمراقبتهم. وفي غضون ذلك، لا تزال السجون المكتظة في البلاد تمثّل أرضاً خصبة للجهاديين. ورغم حصول تونس على مساعدة من الولايات المتحدة في إدارة السجون، إلّا أن مشاكل التطرف والأمن متداخلة بشكل وثيق مع القضايا السياسية والاقتصادية الأكبر، مما يجعل حلها صعباً بشكل خاص”.
شارك رأيك