التجارة الموازية والمضاربة والممارسات الإحتكارية في قطاع السجائر أصبحت سمة بارزة في السنوات الأخيرة فمبيعات السجائر المهربة إرتفعت بشكل كبير في تونس خاصة في العشرية الأخيرة فقد كانت تمثل 10% قبل 2010 إلى قرابة 43% اليوم وهو يمثل خسارة هامة تقدر بـــ500 مليون دينار لميزانية الدولة .
بقلم فوزي العبيدي
إن عائدات بيع السجائر تمثل حوالي 6% من ميزانية الدولة أي قرابة 1500 مليون دينار وهو ما يبرز أهمية هذا القطاع بالنسبة لمداخيل الدولة.
حسب الدراسة التي قام بها مكتب التدقيق والإستشارات العالمي KPMG والتي نشرت بتاريخ 26 جويلية 2017 باللغة الإنقليزية بعنوان “التجارة غير المشروعة للسجائر بمنطقة المغرب ( ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب)”، فإن نسبة إستهلاك السجائر المهربة تبقى الأكبر من بين بلدان المغرب العربي حيث تأتي تونس في المرتبة الثانية بعد ليبيا بالرغم أنها إنخفضت حسب الدراسة من 36,7% بواقع 7,20 مليار سيجارة سنة 2014 إلى 24,40% بواقع 4,64 مليار سيجارة سنة 2016، ويرجع ذلك بالأساس إلى تحسن الظروف الأمنية وتشديد الإجراءات عبر الحدود مع ملاحظة إنخفاض الإستهلاك العام للسجائر بــــ8% بين 2015 و2016 بفعل إرتفاع أسعار السجائر سواءا المحلية أو المهربة حيث مر سقف الإستهلاك من 20,630 مليار سيجارة لينخفض إلى 18,98 مليار سيجارة.
عند دراسة مسالك توزيع السجائر المهربة نلاحظ أن تونس تمثل في نفس الوقت سوقا ترويجية وكذلك معبرا رئيسيا لعصابات تهريب السجائر خاصة نحو دول الإتحاد الأوروبي.
بالنسبة لمصادر هذه السجائر فهي متنوعة فهناك سجائر تم تصنيعها بدون تحديد التسلسل وآليات التتبع واردة علينا من دول أوروبا الشرقية و الصين وتقدر بحوالي 2,40 مليار سيجارة سنة 2016
السجائر المصنعة تحت العلامة التجارية بدون ضرائب أو رسوم فنجد مصدرها الأساسي المنطقة الحرة جبل علي بالإمارات العربية المتحدة بحوالي 2,17 مليار سيجارة سنة 2016 وهي في الأصل موجهة للسوق الليبية ومن ثم يتم إعادة تهريبها إلى تونس.
إلى جانب ذلك نجد كمية لا بأس بها تهرب عبر الحدود من الجزائر تقدر بـــ 390 مليون سيجارة سنة 2016 نتيجة إنخفاض سعر السجائر مقارنة بالسعر الموجود بتونس.
مع الملاحظة أن هذه الكميات يتم تهريبها إلى تونس عبر الحدود الشرقية والغربية ومن ثم يتم إعادة تصدير كميات هامة منها بطرق غير شرعية نحو بلدان الإتحاد الأوروبي سواءا كان مصدرها أجنبي أو محلية الصنع.
الحلــول المقترحة لظاهرة السجائر الهربة
عند تحليل تركيبة الإنتاج والإستهلاك لسوق السجائر بتونس يتجلي بصورة واضحة ضرورة مراجعة نسق الإنتاج وهذا يرجع إلى عدة عوامل، بداية في السنوات العشر الأخيرة كان الطلب على السجائر يتم تلبيته عن طريق مسلكين المسلك القانوني والمسلك الثاني وهو التجارة الموازية حيث وصل هذا الأخير إلى مستويات تصل إلى أكثر من 40% لكن منذ سنة 2014 إنخفضت واردات السجائر المتأتية من التجارة الموازية نتيجة تحسن الوضع الأمني وضبط الحدود ولم يقابله إرتفاع في المستوى المطلوب لإنتاج السجائر محلية الصنع فمنذ سنة 2014 إلى سنة 2016 إنخفض إستهلاك السجائر المهربة بقرابة 2,56 مليار سيجارة ولكن هذا لم ينعكس إرتفاعا في الإنتاج الوطني لسد هذه الفجوة وهو ما انعكس على إرتفاع الأسعار وإنتشار السوق السوداء بهذا القطاع.
رغم البرنامج الذي قامت به الوكالة التونسية للتبغ والوقيد للإستثمار والإنتدابات الجديدة لزيادة الإنتاج فإن نسق زيادة الإنتاج مازال بعد لم يغطي إنخفاض السجائر الواردة من التهريب وهو ما ساهم في تواصل إرتفاع الأسعار سنة 2017 فالإنتاج الوطني من السجائر الذي يبلغ حولي 14،5 مليار سيجارة سنويا غير كافي لسد حاجيات السوق التي تصل أحيانا إلى قرابة 19 و 20 مليار سيجارة سنويا.
هذا الأمر يبعث على الإنشغال لأن تواصل إرتفاع الأسعار سيكون حافزا لإعادة تنشيط وإرتفاع نسق تهريب السجائر عن طريق مسالك التوزيع غير القانونية لذلك وجب سد هذه الفجوة بين العرض و الطلب بزيادة الإنتاج لضمان إستقرار السوق والأسعار
بروتوكول القضاء على الإتجار غير المشروع بمنتجات التبغ
نصت المادة 15 من إتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ بضرورة إعتماد تدابير قانونية لمكافحة الإتجار غير المشروع بمنتجات التبغ وهو ما تم ترجمته عن طريق “بروتوكول القضاء على الإتجار غير المشروع بمنتجات التبغ” الذي تم إعتماده سنة 2012 ومن المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ في 30 سبتمبر 2018
هذا البروتوكول يعتبر أداة فعالة لمقاومة تجارة غير مشروعة معقدة و يساعد دول تعاني من التجارة الموازية للسجائر مثل تونس فبموجب البروتوكول سوف تلتزم الدول بإتخاذ تدابير محددة لضبط سلسلة التوريد وخاصة إنشاء نظام تتبع عالمي يتألف من أنظمة وطنية وبنك معلومات مركزي مقره في أمانة الإتفاقية موضوع على ذمة الأعضاء.
تطوير عملية توزيع السجائر
ترتكز عملية توزيع منتوجات التبغ على إسناد الرخص لإستغلال محلات بيع التبغ حسب الأمر الصادر عن وزارة المالية عدد 1916 لسنة 1995 مؤرخ في 9 أكتوبر 1995 وعلى قرار وزارة الداخلية المؤرخ في 16 جويلية 1996 الذي يضبط المقاييس المعتمدة لمنح رخص إستغلال محلات بيع التبغ.
هذه الطريقة في التنظيم التي ترجع للتسعينات تجاوزتها التطورات الحاصلة خاصة على مستوى واقع تجارة التفصيل حيث أصبحت لا تتماهى مع مقتضيات الواقع وذلك لعدة أسباب.
من جهة أصحاب الرخص الناشطين فعليا في غالبيتهم هم أصحاب محلات فواكه جافة وذلك بحكم الإقتصار على منتوجات التبغ فقط ليس له مردود مالي كافي لصاحب المحل ففي الواقع أصبحت المبيعات مقتصرة على السجائر فقط أما المنتوجات الأخرى المنصوص عليها ضمن الفصل العاشر من الأمر عدد 1916 لسنة 1995 الصادر عن وزارة المالية كبيع الوقيد وأوراق اللعب والطوابع البريدية فقد أصبحت غير رائجة ومنعدمة في أغلب الأحيان.
من جهة أخرى نجد أن أغلب أصحاب محلات الفواكه الجافة الذين لا يملكون رخصة لبيع منتوجات التبغ أصبحوا يلجؤون إما لكراء رخص من أصحابهم الأصليين غير الناشطين فعليا أو شراء السجائر من عندهم وإعادة بيعها مما يساهم في الترفيع في أسعار السجائر فحسب وكالة التبغ والوقيد هناك خمسة آلاف صاحب رخصة بدون محل وهذا يرجع بالأساس إلى أن أصحاب محلات الفواكه الجافة المشار إليهم يجدون أنفسهم في وضعية عدم مساواة وأقل تنافسية في تقديم منتوج الدخان مع المحلات الأخرى للفواكه الجافة المتحصلة على رخص قانونية إضافة إلى تراجع عائدات بيع الفواكه الجافة لوحدها بحكم الإرتفاع المتواصل لأسعارها مما ساهم في إنخفاض إستهلاكها.
بهذه الكيفية أصبحنا نرى في الواقع منتوجات التبغ خاصة السجائر يتم إعادة بيعها أكثر من مرة مما إنجر عنه إرتفاع كبير في أسعاره.
هذا الواقع يحتم علينا مراجعة المقاييس المعتمدة لمنح رخص إستغلال محلات بيع التبغ وذلك بإضفاء أكثر مرونة و التخفيف منها لغاية المساواة خاصة بين أصحاب المحلات الصغيرة كالفواكه الجافة لإزالة أي تمييز بينها.
و يبقى الخيار الأفضل هو الإعداد الجيد لكراس شروط لتوزيع منتوجات التبغ نظرا لحساسية هذه المنتوجات إقتصاديا وصحيا للمجتمع فحرية حصول تاجر التفصيل على المنتوج عند توفيره لمقتضيات كراس شروط مناسبة ومرنة ستساهم بكل تأكيد في القضاء على الأساليب الإحتكارية و السوق السوداء.
شارك رأيك