هل يتحرك البجي قائد السبسي و يفرض ناجي جلول على رأس نداء تونس ؟
الآن وقد تدهورت الأوضاع بشكل كارثي داخل نداء تونس، هل يتحرك الباجي قائد السبسي بٱعتباره مؤسس الحزب لحلحلة الأوضاع ؟ هذا السؤال يتردد في كواليس الحزب بشكل يكاد يكون هستيريا وقد وصل صداه إلى كل مواقع القواعد الحائرة ؟
بقلم مصطفى عطية *
إشتد الصراع في الساحة السياسية للإستحواذ على أكثر ما يمكن من السلطة والنفوذ، نقول “الإستحواذ” لأن ما يحدث من صراعات ومناورات وتحالفات “حمائية” مشبوهة، يؤكد أن الرغبة في إفتكاك الكراسي تجاوزت كل القيم والقوانين ومبادئ الممارسة الديمقراطية.
لا شك أن ” السياسي” التونسي قد أكد، خلال السنوات الثماني الأخيرة، أنه مسكون بهاجس السلطة، وقد غرق حتى النخاع في أوهام بحارها ذات الأمواج المتلاطمة، والدليل على ذلك هذا التناسل العشوائي الرهيب للأحزاب والمنظمات و”الدكاكين” السياسية، والإقبال الهستيري المكثف على الترشح للمناصب القيادية، وحتى الأحزاب ذات المرجعيات الدينية لم تتخلف عن التكالب على السلطة، بل كانت في مقدمة المهرولين، بالرغم من أن تعاليم الإسلام نهت عن توظيف الرغبات في الوصول إلى الحكم بالفساد والتحيل والمغالطة والتآمر، قال تعالى: “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين”.
احتدام شهوة السلطة والركض وراء الكراسي
كما بدا وكأن السياسيين التونسيين هم الأكثر إرتباطا عضويا وثيقا بخطيئة آدم وحواء الذين توصل الشيطان إلى إغوائهما للخروج عن طاعة الله بأن قطع لهما وعدا بتحويلهما إلى إلاهين بفضل ثمرة الشجرة المحرمة، أي إلى صاحبي سلطة ونفوذ مطلقين لم يتعودا على إمتلاكهما عندما كانا بريئين ! لذلك يتميز المخيال الشعبي التونسي بٱختزال السلطة في الدولة، أي القيادة والحكم !
من هذا المنظور الخصوصي إنزلق السياسيون بكل أثقالهم في منحدرات الصراعات الوضيعة، لتتحرك أوحال بؤر ومستنقعات الفتنة النائمة تحت مظلات مختلفة.
وها هي الصراعات تضطرم داخل بعض الأحزاب وتغذي التجاذبات بين قادتها اللاهثين وراء كراسي النفوذ والجاه. لقد أخذت هذه المسائل، خلال السنوات الماضية، أبعادا مخيفة وغدت مادة مسمومة للمزايدات السياسوية الرخيصة والمبتذلة، التي تهدد المسار الديمقراطي برمته وتعرض إستقرار البلاد وأمنها للمخاطر.
كل هذه الإنتهاكات المتزايدة يوميا بسطت مناخا من الشك والحيرة والقلق والخوف في البلاد، وبثت شعورا بالإحباط وخيبة الأمل لدى المواطنين، وخاصة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الذين يمثلون الشرائح الإجتماعية الأكثر تأثرا بٱنخرام الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية في البلاد.
التشظي الإنشقاق متواصل داخل نداء تونس
وبما أنه لا بد من مثال حي لكل تحليل يرنو إلى الموضوعية والمصداقية فإن مثالنا في هذا السياق هو ما يعيشه حزب نداء تونس، الفائز في الإنتخابات التشريعية الماضية والذي شهد، خلال السنوات الأخيرة، نزيفا من الإستقالات وحالات التشظي والإنشقاق لم تهدأ إلى حد اليوم بل تفاقمت بشكل أصبح يهدد ماتبقى من وجوده، فبعد إنشقاق محسن مرزوق وتكوينه لحزب جديد وما تداعى عن ذلك من سيل عارم من الإستقالات، جاء قرار “تجميد” عضوية رئيس الحكومة يوسف الشاهد ليهز أركان الحزب هزا عنيفا ويفقده ثقله في البرلمان ككتلة مؤثرة، لم يكن قرار هذا “التجميد” المتسرع قد حظى بموافقة من تبقى من القيادات التاريخية لهذا الحزب وعلى رأسها ناجي جلول، الذي إنتقد السياسات المتبعة في أكثر من مناسبة مهددا بالإستقالة إن لم يتم تنظيم مؤتمر إنتخابي قبل المواعيد الإنتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، كما عبر رضا شرف الدين أخيرا، وهو أحد أكبر ممولي النداء، عن رفضه المطلق للمنهجية التي تريد القيادة الحالية للنداء فرضها عليه في الإعداد للمؤتمر المزمع تنظيمه في شهر مارس القادم، وكان منير بن ميلاد، هو الآخر، قد رفض الإملاءات التي يسعى بعضهم إلى تنزيلها على اللجنة المكلفة بتنظيم المؤتمر، وقدم إستقالته من عضويتها.
حدث كل هذا دون أن تتحرك القيادات الندائية المؤثرة لإيقاف هذا المد المزعزع للكيان المتائكل للحزب، والذي زاد في زعزعته تولي سليم الرياحي الأمانة العامة للحزب في ظروف غامضة ومسترابة .
الآن وقد تدهورت الأوضاع بشكل كارثي، هل يتحرك الباجي قائد السبسي بٱعتباره مؤسس الحزب لحلحلة الأوضاع ؟ هذا السؤال يتردد في كواليس الحزب بشكل يكاد يكون هستيريا وقد وصل صداه إلى كل مواقع القواعد الحائرة، أما الإجابة عنه فمتعددة بتعدد التيارات والولاءات والإنتماءات ومختلفة بٱختلاف الآراء والمواقف، لكن عقلاء الحزب لهم إقتناع بأن الباجي قائد السبسي سيتحرك ليقلب الطاولة على الجميع، ويعلن ناجي جلول، الذي بقي بعيدا عن التجاذبات وعارض تجميد عضوية يوسف الشاهد، أمينا عاما مؤقتا للحزب، ومرشحه لهذا المنصب في المؤتمر القادم، لأنه الوحيد، حسب أغلب القواعد، القادر على إنقاذ الحزب وإعادة المنشقين والمستقيلين.
فهل يفعلها الباجي ويؤكد أن الزعماء الحقيقيين “لا أبناء لهم” عندما يتعلق الأمر بٱتخاذ القرارات المصيرية !؟
* صحفي وكاتب.
مقال لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك